مزاج اهل الباب
ويتحدث شولوف عن بلدة الباب التي تحولت الى معقل للجهاديين والتي ترتفع اعلامهم على ما تبقى من بنايات لم يصلها الهدم، فالمدينة تنعدم فيها الاتصالات الهاتفية وتتعطل الطاقة الكهربائية لايام، ويتقبل السكان وجود الجهاديين على مضض فهم كما يقول احد سكانها ‘يريدون التخلص منهم لكن الامريكيين لا يقدمون المساعدة’ مؤكدا ان هؤلاء الاجانب ‘ليسوا من ابناء جلدتنا ولسنا من جلدتهم’. ويعتقد السكان ان فتح مواجهة مع الجهاديين سيحرف الثورة عن هدفها الحقيقي. ويظل وجود الاجانب مدعاة لاستهداف السكان من قبل النظام بالاسلحة الثقيلة والقصف الجوي. ويقول التقرير ان معظم السوريين يعتقدون ان الرئيس الاسد لا يزال يقود ويسيطر على الجيش، كما انه يمسك بمفاتيح التأثير على الدول الغربية المترددة بما فيها الولايات المتحدة حيث قال عضو في مجلس ادارة المنطقة ‘الا يعرفون ان التفاوض بعد استخدام القوة يضعف موقفك؟. ومن بين التعليقات القانطة هناك البعض ممن يرى ان الاسد يتخلى عن اسلحته الردعية التي ردعت اسرائيل وطوال الوقت عن الهجوم عليه، وموافقة الاسد السريعة على الخطة الروسية تعني انه استسلم بدون طلقة واحدة، وفي حالة مماطلته او محاولة التلاعب فان امريكا ستضربه. واشار احدهم ان عملية ضرب الاسد ستكون سهلة هذه المرة وستلقى دعما من الاوروبيين.
ويختم التقرير بالقول ان القيادات العسكرية كانت تحضر لحملات عسكرية ضد مواقع النظام في الشمال لتتزامن مع الضربة العسكرية الامريكية لكن الامل هذا استبدل بالتشوش حيث يقول احد المسؤولين في المنطقة ‘ منذ البداية قلت ان هذا الامر يتعلق بحماية سمعة الامريكيين وليس مساعدتنا’، ‘صحيح، هذه سياسة، لكننا نعرف انهم يساعدون انفسهم ولا يساعدوننا’.
اسلحة للمعارضة
مع كل هذا القنوط فالولايات المتحدة تقوم بارسال اسلحة فتاكة للمقاتلين وذلك بحسب تقرير لصحيفة ‘واشنطن بوست’ والذي جاء فيه ان ‘سي اي ايه’ بدأت عمليا بنقل الاسلحة للمقاتلين منهية بذلك اشهرا من التأخير وذلك بعد قرار ادارة الرئيس اوباما مساعدة المعارضة عسكريا في شهرحزيران (يونيو) الماضي.
وتقول الصحيفة ان الاسلحة بدأت بالتدفق على سورية خلال الاسبوعين الماضيين الى جانب دفعات تم نقلها تحت اشراف وزارة الخارجية الامريكية وهو ما ينظر اليه على انه تزايد في الدور الامريكي في الحرب الاهلية السورية.
ولا تحتوي الشحنات على اسلحة ثقيلة تطالب بها المعارضة لمواجهة جيش النظام المعزز بالاسلحة الثقيلة وبخطوط امدادات لا تتوقف من روسيا وايران، وتشمل على ذخائر ويمكن للولايات المتحدة ملاحقة الاسلحة ومعرفة ان كانت وقعت في ايدي جماعات مناهضة لها. ويتزامن هذا مع زيادة الولايات المتحدة دعمها للمعارضة في مجال الاسلحة غير الفتاكة حيث ارسلت لهم انواعا جديدة من المعدات التي تشمل عربات، واجهزة اتصالات متقدمة، ومستلزمات طبية متقدمة جدا تستخدم في الجبهات.
وترى الادارة ان دعمها هذا كفيل برفع مستوى القدرات القتالية للمعارضة. وتشير الى ان اسبابا لوجيستية كانت وراء التأخر في نقل الاسلحة للمعارضة ومخاوف من انتهائها في ايدي الجهاديين، خاصة ان جون كيري، وزير الخارجية وعد في نيسان (ابريل) ببدء ارسال السلاح غير الفتاك للمقاتلين في بحر اسابيع. وكان التأخير في دعم المعارضة مدعاة لانتقادات من نواب الكونغرس الذين اتهموا ادارة اوباما بعدم الاسراع في نقل الاسلحة، وزادت حدة النقد في ضوء النقاشات حول توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري. ونقلت عن السناتور الجمهوري عن ولاية تينسي بوب كروكر قوله انه شعر بـ ‘الاهانة’ عندما قابل ممثلين عن المعارضة قرب الحدود التركية مع سورية، مشيرا الى ان وعد الرئيس بارسال اسلحة لم تصل منها ‘ولو نقطة’ على حد قوله. وتشير الصحيفة الى ان الاسلحة ارسلت للمقاتلين الذين يعملون تحت امرة اللواء سليم ادريس، رئيس هيئة اركان الجيش الحر.
برامج اخرى
وعبر المسؤولون الامريكيون عن عزمهم زيادة التماسك في بنية الجيش الحر ووحداته. ونقل عن مارك وورد، من الخارجية الامريكية قوله ان الهدف ليس لانشاء قوة فاعلة بل زيادة قدرة الجيش الحر على توحيد وحداته للعمل معا. وكانت الادارة قد قررت زيادة الدعم في مجال المواد غير الفتاكة بعد ان ارسلت 350 الف وجبة تحتوي على سعرات حرارية عالية للجيش الحر. فطريقة توزيع الاغذية لجماعات بعينها اعطى الامريكيين الثقة بامكانية نقل الاسلحة لوحدات مختارة.
ويرى مسؤولون في المعارضة ان زيادة الدعم الامريكي مرحب به ولكنه ليس كاف لحرف ميزان المعركة لصالحهم. ونقلت عن قيادي اخر في المعارضة المسلحة قوله ان سي اي ايه قامت في الاسابيع الماضية بتوزيع اسلحة خفيفة وذخائر يحتاجها المقاتلون فهي وان لم ‘تحل مشاكل المقاتلين الا انها احسن من لاشيء’. وقد تم نقل الاسلحة الى شبكة من مراكز الاستخبارات الامريكية السرية في تركيا والاردن والتي توسعت في العام الماضي حيث تعاونت مع الحلفاء دول الخليج لتقديم الاسلحة للجماعات المعتدلة. ولتعزيز جهودها شكلت الخارجية تحت اشراف فريق من الدبلوماسيين وعمال الاغاثة في جنوب تركيا لتنسيق جهود نقل الاغاثة التي كانت في البداية تتركز على تمويل قوافل من العربات المحملة بالمواد الغذائية كانت تصل للمناطق السهل الوصول اليها وليس بالضرورة المحتاجة. فبالاضافة للتعاون مع اللواء ادريس تقوم الادارة الان بدعم البنى التحتية المحلية في المناطق التي تقع تحت سيطرة المقاتلين.
دول الخليج
ولا تقتصر المخاوف من الموقف الامريكي الجديد على المقاتلين فقط بل وتشمل حلفاء امريكا التقليديين في المنطقة. ففي تقرير لصحيفة ‘واشنطن بوست’ عن اثر موقف اوباما من المبادرة الروسية على العلاقات مع دول الخليج قالت فيه ان خيبة الامل من القرار قد يضفي جوا من البرود على العلاقات الباردة مع هذه الدول التي تشعر بالاحباط من غياب القيادة الامريكية الحازمة فيما يتعلق بالملف السوري. واشارت الى التعليقات الحامية التي تصدر من قادة هذه الدول وتعبر عن عدم ارتياحهم خاصة انهم يرون في القتال ضد الاسد جزءا من معركة للحد من النفوذ الايراني في المنطقة. وكانت السعودية قد اعلنت عن دعمها للضربة العسكرية بشكل علني. وعليه فانها وبقية الدول الحليفة لامريكا في المنطقة تخشى من ان يؤدي قبول الخطة الروسية الى تعزيز موقع الاسد وحلفاؤه. وتنقل عن مصطفى العاني من مركز الخليج للدراسات قوله ان ‘دول الخليج تشعر بانها ضللت’، مضيفا ‘بالتأكيد هناك خوف من تعزيز قوة ايران، فمن ناحية استراتيجية فسيتعزز موقع الايرانيين في المنطقة’، وهو ما عبر عنه بيان مجلس التعاون الخليجي، حيث دعا وزير الخارجية البحريني خالد بن عبدالله الخليفة الى ‘اجراءات عقابية’ ضد سورية. وبنفس السياق سجلت صحيفة’نيويورك تايمز’ مشاعر الخوف الاسرائيلية حيث يعتقد محللون هناك ان الرئيس الاسد سيبقى في السلطة وان تخلى عن اسلحته الكيماوية، وعبروا عن مخاوفهم من تعزيز قوة الاسد وحلفائه الايرانيين وحزب الله. ونقلت عن تسيبي هانجبي، عضو الكنيست قوله ‘عندما يرى الايرانيون هذا فانهم لا يشعرون بثقل التهديد العسكري’،بل فانهم سيشعرون ان التحالف الدولي ضعيف وعليه فليست هناك اسباب تدفعهم للتخلي عن برامجهم النووية. فيما قال ان السفير السابق في واشنطن دان غيلرمان ان ايران ستفهم ان ‘حلفاء امريكا لا يمكنهم الاعتماد عليها وان اعداءها يمكنهم عمل ما يشاؤون’.
اسلوب اوباما ام حالة ضعف؟
ويظل التحول في الموقف الامريكي من ‘حالة الحرب’ الى ‘حالة الانتظار’ او ملاحقة المبادرة الروسية مدعاة للتفسيرات والتحليلات سواء في داخل امريكا ومن حلفائها، فالموقف يدل على تخبط الادارة الامريكية فيما يتعلق بالموقف من الاسد، فيما يعتقد اخرون انه انجاز له، لان الرئيس لا يستطيع ان يسير بدون دعم ناخبيه. ففي تقرير صحيفة ‘نيويورك تايمز’ فقد اظهرت الاسابيع الماضية الكيفية التي غير فيها اوباما مواقفه ليس امام مساعديه فقط ولكن امام عدسات التلفزة وفي ساعات البث الرئيسية اي من الدعوة للحرب الى دعم الحل الدبلوماسي وكل هذا تم امام الرأي العام. ويمنح هذا التردد من حالة الحرب الى السلم صورة الى مساعديه وحلفائه عن رئيس ذي عقلية منفتحة ومتردد في استخدام القوة، اكثر من استعداد سلفه جورج بوش. وبهذه المثابة يقول داعمو اوباما انه معني بالحصول على اجوبة اكثر من محاولته ارضاء طبقات سياسية معينة تبحث عن اجوبة لكل خطوة يتخذها الرئيس. وتنقل عن ديفيد بلوف، احد مستشاري الرئيس السابقين قوله ان النقاد يحبذون ان ‘تنتهي هذه المسألة بطريقة واضحة كما تنتهي فيها كل المسائل’ ولكنها ليست الطريقة التي يعمل فيها العالم خاصة في مسألة كهذه، الحرب على سورية. ويرى بلوف في طريقة تعامل اوباما علامة قوة وليس ضعفا ‘وهذا يفسر استعداده للتعامل مع المعلومات الجديدة’. وفي المقابل فان معارضيه بمن فيهم اعضاء في حزبه يرون ان اوباما عبرعن استهتار بقراراته، من خلال احالة الموضوع على الكونغرس الذي يعرف انه منقسم ومعارض للضربة وثانيا بقبوله بالمبادرة الروسية التي لا يثق بها حتى اقرب المساعدين اليه. وعليه يرى النقاد ان اوباما ظهر بمظهر الدفاع ومن يرد على احداث ولم يكن حازما في التعامل مع قضايا العالم الخطيرة. وبدا هذا واضحا في نقد بوب كروكر النائب الجمهوري الذي قال’ من الواضح ان الرئيس غير مرتاح لكونه القائد العام للقوات المسلحة’.
دبلوماسية الردع
ومن هنا تعاملت الصحيفة مع خطابه يوم الثلاثاء بطريقة ايجابية حيث قالت انه بعد بداية متخبطة باتجاه العمل العسكري قدم تبريرا اخلاقيا قويا لكن خطابه افتقد كما تقول الاشارة الى ما يريد الرئيس فعله سواء على المدى القريب ام البعيد، مع انه وعد بعدم جر الامة الامريكية التي قرفت من الحروب الى نزاع طويل.وعلى الرغم من تصميم اوباما على الضربة ان اقتضى الامر، وتأكده من ارتكاب النظام لمجزرة الغوطة الا انه ليس سيد هذا الوضع الرهيب. ولهذا فقراره قبول الحل الدبلوماسي وطلبه من الكونغرس تأجيل التصويت كان حكيما، مثل ارساله جون كيري لجنيف كي يفاوض نظيره سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي. وفي حديثها اشارت الى تقرير الامم المتحدة عن فظائع النظام ومجازره.
مهمة صعبة
وقد اثارت تحليلات صحافية اخرى قضايا حول اشكالية نزع السلاح السوري، حيث قالت ‘واشنطن بوست’ ان نزع ‘غاز سورية السام’ سيكون صعبا جدا. فالعملية معقدة في ايام السلم ومستحيلة في ايام الحرب، وتحتاج لوقت ومكلفة وتحتاج لجهود كبيرة. وتقول ان الواحد يمكنه التساؤل حول نوايا النظام السوري الذي يقاتل حربا وجودية للبقاء، وسيجد المفتشون انفسهم وسط الحرب، وقد يحتاجون للحماية الشخصية. وتضيف الصحيفة تحد اخر ستواجه المجتمع الدولي وهي عملية خزن الاسلحة وطريقة تدميرها، وتذكر بتجربة روسيا في شوخوشوف في الحدود الجنوبية وكيف انشأت روسيا والولايات مصنعا بقيمة مليار دولار اخذ اعواما لاتمامه حيث تم وضع القنابل الكيماوية ومن ثم حفرت وافرغت من الغاز السام حيث تم تحييده.