بيروت-“القدس العربي”: عاد التفاؤل بقوة بإمكان التوصل إلى اتفاق حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل بعد النكسة التي تعرّضت لها المفاوضات إثر المزايدات الانتخابية الاسرائيلية ورفض تل أبيب التعديلات اللبنانية. وتسلّم الرؤساء الثلاثة صباح الثلاثاء المسودة النهائية لاتفاق الترسيم من نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الذي كان تسلّمها من الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين منتصف ليل الاثنين، وأجمعت المواقف الصادرة من بيروت وتل أبيب على الترحيب بالاتفاق، وقال رئيس وزراء إسرائيل يائير لبيد “الاتفاق مع لبنان إنجاز تاريخي سيعزز أمن إسرائيل ويضخ المليارات في الاقتصاد الإسرائيلي ويضمن استقرار حدودنا الشمالية”، مضيفاً “سيتم عقد اجتماع للحكومة الأمنية المصغرة وللحكومة الأربعاء للموافقة على الاتفاق”. وتحدثت صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية عن توقعها توقيع الاتفاق في 20 تشرين الأول/أكتوبر الحالي بعد تذليل العقوبات.
وصدر عن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية بيان يؤكد “أن رئاسة الجمهورية تعتبر الصيغة النهائية لعرض الوسيط الأمريكي مرضية للبنان لاسيما وأنها تلبّي المطالب اللبنانية التي كانت محور نقاش طويل خلال الأشهر الماضية وتطلّبت جهداً وساعات طويلة من المفاوضات الصعبة والمعقدة”. واضاف البيان “ترى الرئاسة أن الصيغة النهائية حافظت على حقوق لبنان في ثروته الطبيعية وذلك في توقيت مهم بالنسبة إلى اللبنانيين، وتأمل رئاسة الجمهورية أن يتم الإعلان عن الاتفاق حول الترسيم في أقرب وقت ممكن”. وختم “إن رئيس الجمهورية إذ يشكر الوسيط الأمريكي والإدارة الأمريكية على الجهود التي بُذلت من أجل التوصل إلى هذه الصيغة، يؤكد أنه سيجري المشاورات اللازمة حول هذه المسألة الوطنية تمهيداً للاعلان رسمياً عن الموقف الوطني الموحّد”.
وأمل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن “يصل ملف ترسيم الحدود البحرية اللبنانية إلى نهاياته في وقت قريب، بعدما نجحت الجهود التي قام بها الوسيط الأمريكي في التوصل إلى مسودة اتفاق تحفظ الحقوق اللبنانية”. وأكد “أن الموقف اللبناني الموحد في هذا الملف وتشبث لبنان بحقوقه ومطالبه أفضى إلى هذه النتيجة الإيجابية، وكلنا أمل أن تبلغ الأمور خواتيمها ومن ثم المباشرة بالخطوات العملانية للتنقيب عن الغاز في المياه اللبنانية”. وشكر ميقاتي للإارة الأمريكية “الجهد الذي قامت به في ما تم التوصل إليه، وبخاصة السيد هوكشتاين الذي قاد عملية التفاوض بدقة وحرفية وصبر”. كما شكر “فرنسا التي ساهمت بشكل مباشر في الوصول إلى ما تم التفاهم عليه وتذليل العقبات التي طرأت خلال المفاوضات غير المباشرة”.
وكانت الساعات القليلة الماضية شهدت تبادلاً لصياغات تتعلق بعبارات حول حقل “قانا” وخط الطفافات وتحديد المرحلة الزمنية بين الاستكشاف والتنقيب والاستخراج واتفاق إسرائيل مع شركة “توتال” حيث يلتزم الجانب الفرنسي بدفع أي تعويض بعد الاستكشاف وتقدير المخزون من عائدات الشركة وليس من عائدات لبنان ومن دون أن ترتبط الأعمال في لبنان بموافقة إسرائيلية مسبقة. وفي هذا الإطار، وصل إلى بيروت صباحاً وفد من شركة “توتال” واجتمع برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الطاقة وليد فياض، وطلب ميقاتي من ممثلي الشركة المباشرة بالاجراءات التنفيذية للتنقيب في المياه اللبنانية فوراً ترجمة لتعهد الجانب الفرنسي ببدء أعمال التنقيب فور توقيع اتفاق الترسيم وفي مدة أقصاها مطلع عام 2023.
وفي ما يتعلق بخط الطفافات تركّز التباين حول عبارة “الأمر القائم” كما تريدها إسرائيل و”الأمر الواقع” كما يريدها لبنان على اعتبار أن كلمة “الأمر القائم” تعني إقراراً لبنانياً بهذا الخط فيما كلمة “الأمر الواقع” تعني استمرار النزاع حول هذا الخط البحري. وأفيد أنه تمّ التوصل إلى اعتماد كلمة “الوضع الراهن”.
ومن قصر بعبدا، أعلن نائب رئيس مجلس النواب “أن الصيغة النهائية لبّت المطالب اللبنانية كلها على عكس ما يُشاع، وملاحظاتنا أًخذت بعين الاعتبار وتوصلنا إلى حل يرضي الطرفين”. وقال “بدأ الرئيس عون عهده بإصدار مراسيم النفط ونتمنى أن يختم عهده بالوصول إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية”، ولفت إلى “أن الرئيس عون سيقوم بالاستشارات اللازمة للبحث في الصيغة النهائية للاتفاق”. واضاف “لا شراكة بين لبنان وإسرائيل ولا تقاسم للغاز أو للثروات بيننا”.
وعن الخطوات العملية في حال وافق لبنان على النسخة النهائية؟ أجاب “في حال وافق لبنان الرسمي على الصيغة النهائية، هناك خطوات موضوعة لما سيلي لا أرغب في الدخول في تفاصيلها، ولكنها أصبحت شبه معروفة. فنحن نودع الوسيط الأمريكي رسالة هي نفسها التي ستودع لدى الأمم المتحدة، وهو ما سيقوم به الفريق الآخر ايضاً، لأن الأمر ليس اتفاقاً ولا معاهدة دولية بين بلدين عدوين، فالجميع يعلم أن الاتفاق بين لبنان والأمريكيين من جهة و الإسرائيليين والأمريكيين من جهة ثانية، أقل ما يقال عنه إنه يؤمّن استقراراً اقتصادياً بالمنطقة ويعطي الأمل”.
وفي المواقف من الترسيم، غرّد التيار الوطني الحر بأنه “رغم الخيانات والعراقيل انتقلنا من الخط 1 إلى خط هوف إلى الخط 23 بالعلم والصلابة”، ولاحظ “أن السياديين الموسميين سخّفوا ما تحقق وهاجموا الرئيس الذي وحّد موقف الدولة وساندته المقاومة بقوّتها”، معتبراً “أن الأزمة التي نعيشها منذ 2019 هي قرار بتجويعنا حتى نستسلم. سنعيش اشراقة تشقُّ طريقها في مسارات قاسية، فإلى مزيد من الوعي والصلابة: الظلم إلى زوال: يرحل ونبقى”.
في المقابل، استغرب نائب رئيس حزب الكتائب النائب سليم الصايغ الحديث عن “إنجازات وهمية” في ترسيم الحدود، وطالب بعرض الاتفاق على مجلس النواب لكشف الامور. وسأل “أي إنجازات هذه في التنازل على الخط 29 وعن حقل “كاريش” الغني بالنفط الذي كان من حصة لبنان في اتفاق 17 أيار/مايو وقد استبدلناه بحقل افتراضي؟!”.
إلى ذلك، تتجه الأنظار إلى ما سيعلنه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في اطلالته التلفزيونية من موضوع الترسيم والاتفاق المرتقب.