عون بين خطابين: نهاية رجل غضبان… وثوار العراق: احنا بتوع “التوك توك”

حجم الخط
3

في تغطيتها للتظاهرات اللبنانية العارمة، الأحد، أظهرت قناة “فرانس24” انحيازها الصريح للمسيرات المؤيدة للرئيس اللبناني ميشيل عون، فقد ظلت هذه الأخيرة الخبر الأول، يعاد على مدار الساعة، متحدثاً عن التظاهرات الحاشدة المؤيدة للجنرال عون، يتبعه تقرير هزيل مسجّل من مراسل القناة في بيروت، متحدثاً عن “التظاهرات المستمرة منذ 17 أكتوبر، (في الواقع قال المراسل خطأً إنها “منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول”، وبقي الخطأ يعاد في مختلف النشرات!)، كما صورت التظاهرات المناوئة للنظام بأضيق “زوم” ممكن، مع التنويه مجدداً بأنها جاءت بعد “تظاهرات حاشدة مؤيدة لعون”.

الخلايا النائمة الممانعة في قلب القناة الفرنسية لم تكن نائمة تماماً. لقد كانت نشطة على الدوام في أحداث مفصلية مماثلة تخص نظام الممانعة.

تالياً حذف التقرير المتلفز عن التظاهرات المؤيدة، لكن بقي تقرير المراسل يعاد هو نفسه، مع العلم أن مواقع التواصل الاجتماعي، امتلأت بأجمل الصور والفيديوهات (فات إدارة القناة أن المراسل في تقريره كان يعيد القول “كما ذكر التقرير”، فيما بات التقرير محذوفاً!).
لا شيء يبرر هزل تغطية التظاهرات من قبل القناة، هي التي كان لها السبق في أماكن كثيرة خطرة من قبل، لكن التفسير الوحيد لهذا الغياب، ولأولوية وإبراز خبر التظاهرات المؤيدة، أن الخلايا النائمة الممانعة في قلب القناة الفرنسية لم تكن نائمة تماماً. لقد كانت نشطة على الدوام في أحداث مفصلية مماثلة تخص نظام الممانعة.

ثورة “لايف”

في الظهور الأخير، والثاني له منذ اندلاع الانتفاضة في لبنان، بدا الرئيس اللبناني ميشيل عون في مشهد معتنى به أكثر من قبل، وكأنما استجابة للانتقادات والتعليقات التي طالت خطابه الأول، حيث اقتُنصت بعض أخطاء المونتاج.
عناصر اجتمعت بعناية حول الجنرال السابق، لوحة لبول غيراغسيان، العلم اللبناني، شموع، شتلة في أصيص. وقد ألقى عون خطابه واقفاً وراء المنبر هذه المرة (في الواقع ما ضرَّ لو كانَ جلس)، ربما في محاولة لصدّ الأقوال المشككة بحالته الصحية.
لكن هذه العناية، كما غياب أخطاء المونتاج، لم تبدّل شيئاً في تعليقات المنتفضين، فقد باتت أحلام اللبنانيين في مكان آخر تماماً، ويبدو أنه لم يعد مقبولاً أقل من رحيل العهد. (أحد أبرز التعليقات لافتة تصف “ثورة” العونيين بـ “الثورة الممنتجة” تتصدى لـ “ثورة لايف”).

إذا تركنا الشكل، سنجد أن أداء ميشيل عون كان أقرب إلى الروبوت. يقرأ بشكل آليّ تقريباً (من شاشة وضعت تحت الكاميرا قبالته على ما يبدو)، بجمل مقطعة على نحو غير موفق، وبأخطاء لغوية أكثر مما يتحمل خطاب قصير، بالإضافة إلى ارتخاء بعض الحروف.
ما يمكن أن يشغل البال، أكثر من أي شيء آخر، هو هذه النهاية التي انتهى إليها عنفوان الجنرال عون، هذا الذي بدا على الدوام بلغة جسد عنيفة، بمفردات غاضبة، ويدين لا تكفّان عن “الشوبرة”، ينتهي إلى أداء يكاد لا تفلت فيه يدٌ من على المنبر الذي يسنده، ولا يميل كالمعتاد بجسده ليسكتَ صحافياً، أو يهدد برفع مشنقة لزعيم، ويكسّر رأس آخر.
يواجه الناس عادة نهايات مثل هذه بالقول: “اللهم أَحْسِنْ خِتامنا”، مبدين تعاطفاً مع كل ما يصدر من هنات آخر العمر. غير أن الأمر يختلف قليلاً عندما نتحدث عن رئيس في مرحلة خطرة من تاريخ البلاد، يطالبه نحو مليونين من شعبه بالرحيل فيما هو متشبث أبداً بمقعده ومنبره. على الأقل عليه أن يحسب لخطابات أخرى كثيرة مقبلة، لمعارك مع القراءة، ثم مع التصوير والإضاءة والمونتاج..

 

احنا بتوع “التوك توك”

“التوك توك” من خصوصيات المشهد العراقي الثائر هذه الأيام، وقد أعدت “بي بي سي” فيديو يتحدث عن الاستخدامات المتعددة لوسيلة النقل الأكثر فقراً في البلاد حيث تحولت “من مصدر إزعاج إلى بطل للثورة في العراق”، عندما حملت عبء نقل الجرحى للمستشفيات، وتوفير البطانيات والحاجيات الأخرى، ما جعلها تحتل مكانة في أغاني المنتفضين، معتبرين إياها واحدة من أساطيرهم.

“التوك توك” أم الثورات، ابنتها، حمامها الزاجل، منابرها، مشافيها الميدانية.. وقد يكون حان الأوان ليقول الفقراء، هذه المرة بفخر وبعالي الصوت “احنا بتوع التوك توك”، لا “بتوع أتوبيس” الذل والقهر، كما ظهر في فيلم مصري شهير.

تذكّر وسيلة النقل هذه بحدث لعله لا يغيب عن بال متابعي ثورات “الربيع العربي”، ونعني خطبة شهيرة موجعة لسائق توك توك مصري، من قلب عربته، اعتُبرت من أكثر الانتقادات اللاذعة لنظام السيسي، وفيها قال عبارته الشهيرة “أشوف مصر عالتلفريون ألاقيها فيينا، أنزل الشارع ألاقيها بنت عم الصومال”، قبل أن يظهر الرجل في فيديو ثان، مجبراً على ما يبدو، على ما يشبه التنصل من خطابه.
“التوك توك” أم الثورات، ابنتها، حمامها الزاجل، منابرها، مشافيها الميدانية.. وقد يكون حان الأوان ليقول الفقراء، هذه المرة بفخر وبعالي الصوت “احنا بتوع التوك توك”، لا “بتوع أتوبيس” الذل والقهر، كما ظهر في فيلم مصري شهير.

الجمهور المضاد

حاز فيلم المخرج السوري جود سعيد الجديد “نجمة الصبح” التانيت الذهبي لجائزة الجمهور في “أيام قرطاج السينمائية” الأخيرة.
لم يعد الخبر في مشاركته، وهو أحد أبرز المخرجين الممثلين للنظام السوري، وتعدّ أفلامه خلاصة بروباغندا النظام في سنوات ما بعد الثورة. الخبر في أن يحوز الفيلم تحديداً جائزة الجمهور، في بلد رائد لـ “الربيع العربي”، ويفترض أنه الأكثر حساسية للسينما التي تمثل الأنظمة المتوحشة، المجرمة بحق شعوبها.
الخبر كذلك في أن هذه الدورة نفسها من المهرجان تضم فيلماً وثائقياً سورياً هو “إلى سما” الذي يعدّ وثيقة دامغة تفضح جرائم النظام، وتتحدى دعايته. وكنا نعتقد أن مجرد مشاهدة الفيلم قد تشكل انقلاباً في وعي الناس تجاه ما يجري (كذلك يشارك فيلم “الكهف” لفراس فياض، الذي نتوقع أنه يقدم تجربة لا تقلّ تأثيراً لأطباء ميدانين تحت الحصار). لكن مخرجة “إلى سما” وعد الخطيب، والتي حضرت المهرجان مع فيلمها، تكتب، على صفحتها في فيسبوك، معلنة خيبتها وصدمتها بردود فعل الجمهور، وقد تحدثت عن كثير من الأدمغة المغسولة برواية النظام السوري.
مع ذلك، لا يجب أن يسلّم المرء نفسه لليأس، فما حدث في تونس من تجربة ديمقراطية ليس قليلاً أبداً، وكذلك لا يجب الاستهانة بقوى “الثورة المضادة” ومن وراءها.

كاتب فلسطيني سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Waad alkateab:

    شكرا لك على كتابة المقالة والإضاءة حول هذا الموضوع. لكن إلى سما فاز بالتانيت الفضي أما التانيت الذهبي فقد فاز به الفلم السوداني العظيم “الحديث عن الاشجار” اما فلم جود سعيد فاز بجائزة الجمهور فقط

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    عون رجل فرنسا بلبنان! ألم يلتجئ عون للسفارة الفرنسية ببيروت حين حاصره حافظ الأسد قبل عقدين؟ ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول اسامة كليٌة:

    شكرا اخي راشد عيسى، وكأنما الجمهور الذي حضر مان انتقائي وبالمناسبة هذا شبيه بماحصل عندما فازت اسرائيل في المرة قبل الماضية بجائزة اليورفيجن. حكاية الجمهور هده اصبحت اداة ناجحة!

إشترك في قائمتنا البريدية