بيروت- “القدس العربي”: على غرار تجربته عامي 1989 و1990 أبى الرئيس اللبناني ميشال عون الرحيل من قصر بعبدا من دون افتعال أزمة دستورية، فكما أعلن حل مجلس النواب عام 1989 لمنع المجلس من انتخاب رئيس للجمهورية بعد مؤتمر الطائف، عمد قبل مغادرته القصر الجمهوري إلى توقيع مرسوم قبول استقالة الحكومة المستقيلة أصلاً خلافاً لما كان أعلنه مكتب الإعلام في الرئاسة.
وبعث الرئيس عون برسالة إلى مجلس النواب يطلب فيها “المبادرة إلى نزع التكليف عن الحكومة، كي يصار فوراً إلى تكليف سواه وإصدار مراسيم التشكيل فور ذلك تجنباً للفراغ”.
ومما جاء في الرسالة “نعلمكم بأن رئيس الحكومة المكلف السيد محمد نجيب ميقاتي قد أعرب لنا خلال لقاءاتنا لتأليف الحكومة، كما أعرب لسوانا، عن عدم حماسته للتأليف لأسباب مختلفة، منها أن الأولوية هي لانتخاب رئيس وإذا حصل ذلك فلماذا نبادر لتشكيل حكومة، أو قوله إن لا مصلحة في تأليف حكومة جديدة وتحمّل كامل المسؤولية بصفته رئيساً لها في حال خلو سدة الرئاسة، في حين أن لا مسؤولية كاملة عليه والحكومة في حال تصريف أعمال. وكانت لقاءاتنا تدور في حلقة من العراقيل المتنقلة التي تفرغها من كل تقدم مفيد وعملي على صعيد التأليف وتدل على عدم رغبته بتأليف حكومة تمثل أمام مجلسكم الكريم لنيل الثقة ووضع حد لتصريف الأعمال بالمعنى الضيق، حتى إن أتى مودعاً لنا في القصر الجمهوري قبل أيام من انتهاء الولاية الرئاسية أبدينا إصراراً على التأليف، داعين إياه إلى الاجتماع مساء في القصر للاتفاق على إصدار مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة وفقا لأحكام الدستور. إلا أنه لم يأبه، ولم يعر آذاناً صاغية حتى للوسطاء لبذل أي جهد على صعيد التأليف. ما رسّخ يقيننا بأنه غير راغب في تأليف حكومة بل الاستمرار على رأس حكومة تصريف أعمال والمراهنة والرهان على الوقت كي تشغر سدة الرئاسة. فيستحيل عندئذ التأليف بغياب الشريك الدستوري الكامل في تأليف الحكومة”.
وأضاف عون في رسالته “الأدهى والأخطر، وهو ما لا أوافق عليه قطعاً، أن تمارس هكذا حكومة لا تتولى اختصاصها الذي ناطه الدستور بها في المادة 17 منه إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال، صلاحيات رئاسة الجمهورية وكالة حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهي صلاحيات يمارسها الرئيس تحت القسم ولا يستطيع توليها من انحسرت دائرة اختصاصه أصلاً بعدم توافر ثقة مجلسكم الكريم بسلطته. وما يزيد في الأمر خطورة أن رئيس حكومة تصريف الأعمال، المكلف والممتنع عن التأليف، يرغب في عقد جلسات لمجلس الوزراء ورقابة مجلسكم منعدمة، مخالفاً مفهوم تصريف الأعمال بالمعنى الضيق ومبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها، وهو من ركائز نظامنا الدستوري الديمقراطي البرلماني (فقرة ج و ه من مقدمة الدستور)”.
وتابع “تريثنا حتى اللحظة الأخيرة المتاحة قبل أن نوجه هذه الرسالة إلى مجلسكم الكريم بواسطة رئيسه علّ الوعي والحس والضمير الوطني يعودوا إلى من يجب أن يتحلى بهم في هذه الأزمنة منعاً لمراكمة الفراغ على الفراغ، ما دعانا، والأمر على ما هو عليه من خطر داهم بالفراغ الكامل على صعيدي الرئاسة والسلطة الإجرائية، إلى أن نتوجه إليكم ودعوتكم بصورة عاجلة وماسة إلى أن تتم فوراً ومن دون أي إبطاء، الإجراءات التي تقتضيها هذه الرسالة والظروف الخطيرة التي دفعتنا إليها، ما يجعل مجلسكم الكريم عاملاً وفاعلاً ومنقذاً الوطن مما يهدده من جراء الفراغ والرهانات الخطيرة عليه والموصوفة أعلاه، فينتخب رئيس جمهورية أو تؤلف حكومة في اليومين المتبقيين من ولايتنا ونتفادى جميعنا حافة الهاوية التي اعتمد سياستها من ائتمنتم على تأليف حكومة جديدة، وهو الرئيس المكلف الذي يرفض تأليف حكومة جديدة بقرار سياسي منه، فيؤبد حالة التصريف ويفاقم الفراغ فراغاً ويسطو على رئاسة الجمهورية، وهي معقودة بميثاق العيش المشترك لسواه، مراهناً على ممارسة صلاحياتها في حين أن المادة 62 من الدستور تنيطها وكالة بمجلس الوزراء حين خلو سدتها لأي علة كانت، وحكومة تصريف الأعمال بالمعنى الضيق تستحيل عليها هذه الممارسة وهي التي لا تمارس أصالة كامل اختصاصها الدستوري!”.
في المقابل، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي “أن المرسوم الذي قَبِل استقالة الحكومة، المستقيلة أصلاً بمقتضى أحكام الدستور، يفتقر إلى أي قيمة دستورية”.
ولفت في كتاب وجّهه إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري “بتاريخ 30\10\2022 صدر المرسوم رقم 10942 بقبول استقالة الحكومة (المُستقيلة) أصلاً عملاً بنص المادة 69 من الدستور بسبب بدء ولاية مجلس النواب، دون أن يقترن بصدور مرسوم تكليف الرئيس الذي وقع عليه اختيار السيدات والسادة النواب لتشكيل الحكومة استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة وفقاً لما تنص عليه المادة 53 من الدستور. هذا المرسوم (مرسوم قبول استقالة حكومة مستقيلة) يرتدي، دون ريب، الطابع الإعلاني وليس الإنشائي، مع ما يترتّب على ذلك من نتائج أهمّها أن تصريف الأعمال يُمسي من واجبات الحكومة المُستقيلة أو التي تعتبر بحكم المُستقيلة دونما حاجة لقرار يصدر عن رئيس الجمهورية بهذا الخصوص”.
ورأى أنه “من غير المنازع فيه أن تصريف الأعمال ارتقى إلى مرتبة الالتزام والموجب الدستوري وكرّسته وفرضته المادة 64 من الدستور بعد أن كان عُرفاً دستورياً توجبه ضرورة استمرارية سير المرفق العام وانتظام أداء المؤسسات الدستورية- أساس الانتظام العام في الدولة- الذي يفرض قيام كل مؤسسة دستورية. وغني عن البيان أن امتناع حكومتنا التي اعتبرت مستقيلة بسبب بدء ولاية مجلس النواب، عن القيام بمهامها وواجباتها الدستورية ومن ضمنها متابعة تصريفها الأعمال، تحت أي ذريعة كانت، يشكّل إخلالاً بالواجبات المُترتبة عليها ويعرّضها، رئيساً وأعضاء، للمساءلة الدستورية بتهمة الإخلال بالواجبات كما نصّت على ذلك صراحةً المادة 70 من الدستور”.
لبنان الحضارة والتاريخ العريق، لبنان المدنية و الانفتاح الفكري و الثقافي، لبنان جبران خليل جبران و ميخائيل نعيمة و مارون عبود و اليازجي و البستاني وفيروز لا يستحق هذا.
لن يسمح الحزب لعون بتحقيق إنجاز منفرد، وخصوصاً أنه في أمس الحاجة الى الايحاء للشعب اللبناني بأنه انتزع للبنان حقوقه البحرية والغازية بما يسمح بالتأسيس لوضع اقتصادي يخرج الشعب من النفق المسدود وابراز دور اضافي لسلاحه بأنه قوة تحمي الثروات الطبيعية، إلى جانب الحماية من العدوان الخارجي. علماً أن السبب الرئيس للإنهيار مرده خطف “حزب الله” للدولة وتوليه مع عون وباسيل وباقي المنظومة الفاسدة إدارتها،
لبنان، الدولة الصغيرة الحجم وكثيرة التنوع والانقسامات، عشرين فئة وحزب وانتماءات الى دول اقليمية وعالمية مختلفة، العقد الضعيف قد انفرط وانكسر ولا يوجد حل في الافق لا في البرلمان ولا في الرئاسة ولا في الحكومة، فعلى الجميع تجبير ما يمكن تجبيره والمضي قدما عل وعسى ان تتغير الاحوال!