عين تيموشنت الجزائرية: عبق التاريخ وثروة سياحية في حاجة إلى استغلال

كمال زايت
حجم الخط
0

الجزائر-“القدس العربي”:تقع ولاية عين تميوشنت، في الغرب الجزائري، بين كل من سيدي بلعباس وتلمسان، وانبثقت عن التقسيم الإداري لسنة 1948 وتتربع على مساحة 2377 كلم مربع، وتضم 8 دوائر، و28 بلدية، وتعتبر لؤلؤة الساحل الغربي لما تملكه من خصائص طبيعية وتاريخية وسياحية مميزة، ورغم أنها تستقطب كل صيف آلاف السياح من داخل وخارج الوطن،  إلا أن الإمكانيات التي تزخر بها تؤهلها لأن تكون قطبا سياحيا ليس في الجزائر فحسب بل في منطقة شمال افريقيا بأسرها، إذا ما توفرت الإرادة، وتم الاستثمار في هياكل الاستقبال التي تبقى ضعيفة على غرار حال معظم المدن الجزائرية.

تتوسط عين تيموشنت ثلاث من كبرى المدن الجزائرية وهي وهران وتلمسان وسيدي بلعباس وهي تتشكل من سهول تمتد على طول الشواطئ والجبال من الناحية الجنوبية، وتعود نشأتها إلى العهد الفينيقي حسب ما جاء في الكثير من الكتب التاريخية، والذي أقام حضارة الشمال الافريقي منذ القرن التاسع قبل الميلاد، وكانت أيضا منطقة للحروب البونيقية. كما أسست قبائل المازسيل على ترابها مملكة نوميديا الغربية أو مازيسيليا، ومنذ أواخر القرن الثالث قبل الميلاد أصبحت هذه القبائل تشكل قوة في منطقة افريقيا منذ أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، واختار الملك سيقا الوقوف إلى جانب قرطاج ما جعل الرومان يختارون التحالف مع حكام نوميديا الشرقية، للإطاحة بملك سيفاكس سنة 94 قبل الميلاد، والذي بقي أسيرا لدى الرومان حتى وفاته.

 وسقطت بعدها عين تيموشنت تحت سيطرة  حكام نوميديا الغربية المتحالفين مع الرومان، ثم تحت سيطرة الرومان في نهاية القرن الأول قبل الميلاد، قبل أن تجتاحها جيوش الوندال حوالي سنة 430 ميلادية، ثم سقطت تحت سيطرة البيزنطيين، قبل أن يصلها الفتح الإسلامي، وعرفت المنطقة في تلك الفترة ازدهارا كبيرا، خاصة في فترة حكم المرابطين والموحدين، وشهدت المدينة معارك دامية خلال الحملات العسكرية التي شنها الإسبان على المنطقة، وقد قاوم سكانها الغزاة ببسالة، وكان لها الدور البارز أيضا خلال المقاومة التي اندلعت بعد ذلك ضد الاستعمار الفرنسي، خاصة في عهد الأمير عبد القادر، وقد تم فيها التوقيع على معاهدة تافنة بين الأمير عبد القادر الجزائري والجنرال الفرنسي ديمشال في الأول من حزيران/يونيو 1837 وهي المعاهدة التي اعترفت بانتصار الأمير عبد القادر وبالدولة الجزائرية الحرة وبالأمير عبد القادر زعيما لها، وبقيت المنطقة تحتضن الثوار الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي، وكانت محطة للكثير من رموز الحركة الوطنية والثورة التحريرية، مثل مصالي الحاج الذي يسمى بأب الحركة الوطنية، والعربي بن مهيدي وغيرهما.

الثورة التحريرية

وارتبط اسم مدينة عين تيموشنت بمظاهرات 11 كانون الأول/ديسمبر 1960 والتي تعتبر من أهم محطات الثورة التحريرية، خاصة وأنها جاءت في وقت كانت الثورة تعاني فيه من تضييق بسبب مواجهة الضربات التي كالتها القوات الاستعمارية لجيش التحرير، وجاءت لتعطي نفسا جديدا للثورة التي كانت قد أضعفت عسكريا، كما سمحت هذه المظاهرات بإسماع صوت الجزائر في المحافل الدولية، وأكدت أيضا رفض الشعب لمخططات الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديغول.

واندلعت شرارة هذه المظاهرات عند زيارة الجنرال ديغول إلى الجزائر في إطار تنفيذ مشروعه الجديد الذي سماه “الجزائر جزائرية” وقد اندلعت المظاهرات الأولى من طرف المعمّرين المناهضين لسياسة ديغول وذلك في التاسع كانون الأول/ديسمبر في عين تيموشنت، التي اختار الجنرال ديغول زيارتها، وحملوا شعارات “الجزائر فرنسية” وخرجت مظاهرات أخرى من أنصار ديغول للرد عليها، وقد خرجت هذه المظاهرات لدعم مشروع ديغول الجديد يوم 10 كانون الأول/ديسمبر 1960. أما المظاهرات الثالثة فقام بها التيار الوطني وعموم سكان مدينة عين تيموشنت، التي دخلت على الخط بقوة أكبر، للتعبير عن رفضها للطرحين السابقين، والتأكيد على مطلب الاستقلال، ودعم جيش وجبهة التحرير.

وخرج المتظاهرون في عين تيموشنت لرفض مشروع ديغول ورفض زيارته إلى المنطقة، وقد حملوا الرايات الوطنية، ورفعوا عدة شعارات مثل “تحيا الجزائر” و”تحيا الجزائر مسلمة” و”تحيا جبهة التحرير الوطني” وانتقلت شرارتها إلى العاصمة بداية بحي بلكور ثم إلى أحياء الحراش وباب الوادي والمدينة والقبة وبئر خادم، وديار السعادة، وبئر مراد رايس والقصبة، ومناخ فرنسا، وأيضا في شارع ميشلي وساحة الورشات، وبكثافة شعبية متماسكة مجندة وراء العلم الوطني وشعارات الاستقلال. واللافت في تلك المظاهرات هو التنظيم المحكم، لتنتقل إلى مدن أخرى مثل تيبازة وشرشال في 12 كانون الأول/ديسمبر وسيدي بلعباس وقسنطينة في الـ 13 من الشهر نفسه، وعنابة في اليوم الـ 16.

وتفاجأت السلطات الاستعمارية بالمظاهرات، ولجأت كعادتها إلى العنف والقمع، وأخرجت الدبابات والمدافع الرشاشة لمواجهة متظاهرين بصدور عارية، وأطلقت عليهم الرصاص الحي، فضلا عن عمليات الاختطاف والاعتقال التي قامت بها ضد منظمي المظاهرات، ولم ترحم حتى من كانوا يقومون بدفن الشهداء الذين سقطوا خلال المظاهرات وقامت بالإغارة عليهم، ورغم ذلك فقد حققت تلك المظاهرات التي انطلقت من عين تيموشنت نتائج مبهرة، لأنها بينت تلاحم الشعب الجزائري مع جيش وجبهة التحرير، ورفضه لمخططات الجنرال ديغول وكل محاولات الالتفاف حول مطلب الاستقلال الذي من أجله اندلعت الثورة، كما أظهرت أمام العالم إجرام الاستعمار الفرنسي، واقتنعت بعد ذلك هيئة الأمم المتحدة بإدراج ملف القضية الجزائرية في جدول أعمالها.

معالم أثرية ومنارات

وتزخر مدينة عين تيموشنت بالعديد من الشواطئ التي تزين الشريط الساحلي الطويل، مثل شاطئ المحطة في بلدية بني صاف، وشاطئ البحارة في بلدية سيدي الصافي، وشاطئ الحجام في بلدية سيدي بن عدة، وشاطئ القمر في بلدية أولاد الكيحل وشاطئي مداغ ورشقون في بلدية ولهاصة، كما توجد قبالة شاطئ رشقون، جزيرة أنشئت في سنة 1879 وتتربع على مساحة 26 هكتارا، وتم تصنيفها في 2008 كمعلم تاريخي، لما تتوفر عليه من معالم أثرية ومنارات.

ويعود تاريخ جزيرة رشقون إلى سنة 1879 المعروفة بجزيرة ليلا، وهي كلمة إسبانية تعني الجزيرة الصغيرة، وكان الفينيقيون قد استوطنوا جزيرة رشقون التي كانت تسمى أكرا، باعتبارها منطقة استراتيجية ولها واجهة مقابلة لوادي تافنة، وكان في قديم الزمان نهرا ذا مصب كبير، وجعلوا منها مركزا للتبادل التجاري، الذي كان يعتمد على المقايضة، بالمعادن الثمينة مثل الذهب والفضة والعاج وبعض المواد الغذائية.

وتلعب الجزيرة دورا من الناحية الإيكولوجية، فقد صنفت سنة 2012 كمنطقة رطبة للمحافظة على الكائنات الحية، بالنظر إلى ما تزخر به من طيور مهددة بالانقراض، كما أنها منطقة عبور للطيور المهاجرة، مثل النورس والطيور التي تقصد دول افريقيا السمراء، فضلا عن وجود كائنات مائية ونباتات نادرة تلعب دورا في التوازن البيئي، وهي محط اهتمام الكثير من العلماء والباحثين.

جزيرة رشقون

وعايشت جزيرة رشقون كل الحضارات وكل واحدة منها تميزت بأنشطتها الكثيرة، بدءا بالفينيقيين والرومان، والحضارة الإسلامية والإسبان ثم الفرنسيين. ويقول الباحث في التاريخ بوزيان بن سنوسي إن الجزيرة لعبت دورا كبيرا خلال العهد الإسلامي، وأن معظم المؤرخين الذين مروا على المنطقة ذكروا جزيرة رشقون في كتاباتهم، والسلطات الاستعمارية الفرنسية تنبهت لأهمية الجزيرة، وأقامت عليها مركزا عسكريا، وأن الجنرال الفرنسي الشهير بيجو لما زار الجزائر عرج على جزيرة رشقون في إطار اهتمامه بالنقاط الاستراتيجية التي تستحق وجودا عسكريا، علما أنها لا تبعد عن مضيق جبل طارق سوى بـ170 كيلومترا، كما أن معاهدة التافنة التي سبقت الإشارة إليها، تم تحريرها في رشقون، في 30 أيار/مايو 1837. وإذا كانت تسمية جزيرة ليلا أصلها إسباني وتعني الجزيرة الصغيرة، أما أصل كلمة رشقون فعني بالفينيقية “رأس الغول” وهي منطقة استراتيجية، وتعتبر همزة وصل بين الساحل الغربي لمدينة وهران ومنطقة جبل طارق/ وهمزة وصل كذلك بين جزر البليار والساحل الوهراني، وقد وقعت على ترابها مصالحة تاريخية ما قبل الميلاد بين سيبيون الافريقي واضر بال، بواسطة الملك النوميدي سيفاكس.

ومن أهم المواقع الأثرية الأخرى نجد ضريح ملك نوميديا الغربية سيفاقس، وكذا قبور أفراد عائلته ويقع هذا الضريح على بعد 4 كلم من ضفة نهر التافنة، وهو مصنف كتراث إنساني من طرف منظمة يونسكو، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عالم مدينة سيقا، العاصمة الغربية لنوميديا، والتي أسسها الملك سيفاقس.

ويوجد كذلك مسجد وزاوية سيدي يعقوب اللذين بنيا في 1338 وينسبان إلى الولي الصالح سيدي يعقوب، وقد شيد المسجد وفق هندسة معمارية أندلسية، حيث يتميز بأشكال مربعة وسقف ذو ثلاثة صفوف متوازية مدعمة بأقواس وأعمدة كبيرة، وقد أنجز السقف بخشب منقوش تشبه المعالم المرينية والزيانية، وتشير جمعية الزاوية إلى أن الخشب الذي استعمل في بناء المسجد جلب من إسبانيا، فيما لا تزال بعض القطع الأثرية محفوظة بعد ما تم العثور عليها في المنطقة مثل القذائف المدفعية، ولعبت زاوية سيدي يعقوب دورا بارزا في الدفاع عن التراب الوطني من خلال استبعاد الغزو البرتغالي سنة 1503 وكان المسجد خلال الثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي مأوى للمجاهدين، وتعرض بسبب ذلك إلى قصف الطائرات والمدرعات، وسقط خلالها 13 شهيدا من عائلة سيدي يعقوب.

 وتردد على هذه المنارة الدينية والعلمية الأمير عبد القادر وأحد أقرب مساعديه بوحميدي الولهاصي فضلا عن الشيخ البوعبدلي لبطيوة، واستقبلت الزاوية عددا من العلماء والأئمة منهم الشيخ سيدي يعقوب ميسوم إمام المسجد الكبير لتلمسان (1930-1950) وبعد وفاة القاضي سيدي يعقوب سنة 1410 عن عمر يناهز 127 سنة، انتقل المشعل إلى نجله سيدي علي وحفيده سيدي برمضان وواصلا المسيرة.

ورغم تجديد المسجد جزئيا بفضل مساهمة سكان هذه المنطقة الذين رفضوا تركه ينهار، إلا أنه ما زال في حاجة إلى ترميم واهتمام من قبل السلطات، ورغم ذلك ما تزال المدرسة القرآنية تستقبل عشرات التلاميذ، وتعتزم الزاوية بناء مدرسة قانونية جديدة لاستقبال أعداد إضافية من التلاميذ.

وتتميز مدينة عين تيموشنت بتراثها الثقافي والفني، وتعرف بالرقصات الفولكلورية، التي ارتبطت بها وما زالت تتوارثها الأجيال وهي رقصة “لعلاوي” الشهيرة، وهي تعكس بالحركات الرشيقة والمتناغمة مراحل الحروب والانتصار فيها، وتعتبر جمعية سي الخطيب لبلدية الحساسنة، من أبرز الفرق التي تؤدي رقصة لعلاوي، والتي شاركت بها في مهرجانات وطنية ودولية، وتشتهر المدينة كذلك بالكثير من الصناعات التقليدية، مثل الألبسة التقليدية والنقش على الجبس والخشب، وأضحت المدينة تتحول شيئا فشيئا خلال السنوات القليلة الماضية إلى وجهة سياحية مفضلة بالنسبة للجزائريين، خاصة المغتربين منهم، فضلا عن بعض السياح الأجانب الذين أخذوا يكتشفون المنطقة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية