لندن ـ “القدس العربي” ـ إبراهيم درويش:
خصصت صحيفة “غارديان” افتتاحيتها للهجوم بالغاز الكيميائي في الغوطة الشرقية ومسؤولية المجتمع الدولي لمواجهة جرائم نظام بشار الأسد. وقالت الصحيفة إن عودة النظام لاستخدام السلاح الكيميائي ضد أبناء شعبه في نهاية الأسبوع عار وبربري. فقد تعرض العشرات للاختناق في المنطقة المتبقية تحت سيطرة المعارضة في الغوطة الشرقية جراء الهجوم الكيميائي على منطقة دوما. وهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الغوطة الشرقية لهجوم. فمنذ الهجوم بغاز السارين في خان العسل عام 2013 حدثت عشرات الهجمات بالغازات الكيميائية. وتظهر هذه الهجمات ضد المدنيين احتقاراً للإنسانية وقلة احترام لقوانين الحرب. وقالت إن نفي المسؤولين السوريين وقوع الحادث وكون الأخبار عنه مفبركة هي استخفاف بالإنسانية.
وتقول الصحيفة إن استخدام بشار الأسلحة الكيميائية مرة بعد مرة مرتبط بسببين، الأول لأن لديه الأساليب والتصميم على استخدامها، أما الأمر الثاني فلأن الأسد يعرف أنه لن يعاقب على ما يقوم به. وتضيف الصحيفة أن جرائم الأسد هي من عمل يديه لكن نفذها بسبب فشل العقوبات القانونية والعسكرية والدبلوماسية. ويتساءل البعض لماذا يشعر النظام بأنه يستطيع خرق واحد من المحرمات في الحرب مع أنه يتقدم ببطء في مناطق الغوطة الشرقية. والجواب على هذا يقتضي الغوص في المناطق المظلمة في نفسية النظام الذي يؤمن بالقوة الفائقة والحاجة لإرهاب المدنيين ويعتقد بحقه في عقاب المعارضين بطريقة لا تميز وكسياسة حرب. وترى الصحيفة أن روسيا تتحمل في ضوء محاولة تسميم الجاسوس الروسي سكريبال مسؤولية. فقد استطاع الطيران السوري ضرب دوما لأن روسيا هي التي تسيطر على المجال الجوي في غربي سوريا. وكان المستشارون الروس موجودين في القاعدة التي انطلقت منها الطائرات. وربما لم يلعب الروس بالقرارات الفردية السورية إلا أنهم يوفرون الغطاء الدبلوماسي والعسكري لاستخدام الأسد السلاح الكيميائي، مشيرة إلى استخدام روسيا للفيتو وبشكل مستمر وهو ما أعطى نظام الأسد الضوء الأخضر للقتل.
وفي هذا السياق لا يمكن الدفاع عن السياسة الأمريكية بشكل عام او في حالة الهجوم يوم السبت. ففي أعقاب حرب العراق اتسمت السياسة الأمريكية في ظل باراك أوباما بعدم الحزم أما اليوم فتتسم بالفوضوية في ظل دونالد ترامب. فقبل عام عندما قتلت الحكومة العشرات في خان شيخون قرب إدلب رش ترامب 59 صاروخ كروز على قاعدة جوية انطلقت منها الطائرات التي نفذت الهجوم، ومنذ ذلك الوقت اتسمت السياسة الأمريكية بالتأرجح، خاصة فيما يتعلق بالأكراد. ففي كانون الثاني (يناير) قال وزير الخارجية الأمريكي في حينه ريكس تيلرسون إن القوات الأمريكية موجودة لأمد بعيد إلا أن ترامب أعلن قبل أسبوع عن نيته سحب القوات الأمريكية وعاد ليغير رأيه بعد يوم حيث قال إن القوات ستظل هناك لشهور. وليس غريباً أن يكون الأسد قد شعر بوجود فرصة. وهدد ترامب يوم الأحد النظام السوري بدفع ثمن باهظ. “والحقيقة هي أن الولايات المتحدة وبشكل متزايد مهمشة”. ومن هنا فالسقوط المحتوم للغوطة لن ينهي النزاع السوري بل سيفتح مرحلة جديدة. ومع هزيمة تنظيم الدولة وتأمين دمشق فستكون سوريا مقسمة إلى ثلاثة أقسام. نظام الأسد المدعوم من روسيا وإيران وأخرى للأكراد المحميين من أمريكا ومنطقة في شمالي حلب تسيطر عليها تركيا. فسوريا ليست مستقرة كما كانت عند اندلاع الثورة عام 2011. وفي غياب الحل الدبلوماسي فالموتى في دوما لن يكونوا آخر الضحايا.