لندن – “القدس العربي”- من إبراهيم درويش:
خصصت صحيفة “غارديان” افتتاحيتها داعية بريطانيا ومن أجل الحفاظ على مصداقيتها التحقيق في القتلى المدنيين وإلا فإنها ستواصل شن حروب بدون فهم الثمن المدفوع.
وبدأت بالإشارة إلى رواية كيت إتكينسون المدهشة “الرب في الخراب” (2015) عن الحرب والظلال التي تتركها. وفيها تسأل شقيقة طيار في سلاح الجو الملكي البريطاني شارك في قصف مدينة هامبورغ الرهيب عام 1943 إن كان يشعر بالذنب من القتلى المدنيين الذين ماتوا بسبب قنابله. وتقول: “يعتبر المدنيون أبرياء، الا يجعلك هذا تشعر بعدم الارتياح؟”، وكانت إجابته بلغة محملة بالانتقام والحقد القادم من “العهد القديم”: “لا نستهدف المدنيين، فهل يمكن شن حرب لا يقتل فيها أحد؟ وعلينا تدمير صناعتهم واقتصادهم حتى ننتصر، وبيوتهم إن اقتضت الضرورة، وأنا أقوم-نحن نقوم-بما طلب منا وهو الدفاع عن بلدنا والدفاع عن الحرية. ونحن نخوض حربا ضد عدو قاتل ونخاطر بحياتنا في كل مرة نطير فيها”. وكما تتكشف أحداث الرواية يظهر – أو يدرس التاريخ الطيار-أن هامبورغ لم تكن نقطة تحول في الحرب ولكنها كانت ساحة انطلاق للعنف الذي قاد إلى هيروشيما، ويعرف في النهاية وإن كان متأخرا ثمن حربه، وينهار بمعرفته الثمن ويبدو مثل “رب في الخراب” بعبارة أتكينسون الرنانة.
ولم تتوقف بريطانيا عن الحرب ولكن ليس على قاعدة مروعة مثل الحرب العالمية الثانية في القرن الماضي. وتشير الصحيفة لاعتراف وزير الدفاع البريطاني في الأسبوع الماضي ولأول مرة منذ أربعة أعوام أن عمليات التحالف المعادي لتنظيم الدولة في العراق وسوريا وشاركت فيها بريطانيا أدت لقتلى بين المدنيين.
واعترف الوزير أن الصواريخ التي أطلقتها طائرة بدون طيار ضد مواقع في شرق سوريا أدت لمقتل مدنيين. وجاء اعترافه بعد يوم من تقرير في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) جاء فيه أن القوات البريطانية تسببت بوفاة مدنيين “في عدد من المناسبات” وذلك في المعركة الصعبة والوحشية لاستعادة الموصل. وتعتقد “الغارديان” ان اعتراف وزارة الدفاع بحادث صغير خطوة مرحب بها باتجاه المحاسبة، لكنه يظل غير كاف. مشيرة لتباين بين إحصائيات المسؤولين وما تقدمه “إيروورز” وهي منظمة غير ربحية تقوم بمتابعة القتلى المدنيين في محاور الحرب وتقدر عدد الضحايا المدنيين منذ بداية الحملة بحوالي 6.000 قتيل.
وسبب التباين هو أن القوات الأمريكية والفرنسية والبريطانية والأسترالية لا تحقق إلا في الهجمات التي تعتقد أنها مهمة. وهذا وضع إشكالي لأن الجيش عادة ما يؤكد أن غاراته الجوية “دقيقة “خاصة عندما يقوم الطيارون بشنها فوق المدن. وهذا يعني أنهم مثل بطل رواية اتكينسون يخوضون حرباً لا يفهمون ثمنها وليكتشفوا لاحقا أن المدنيين الذي علقوا وسطها هم من يفهمون الثمن جيدا. ففي الوقت الذي تشن فيه القوى الغربية حربا ضد عدو متوحش لا تهمه حياة المدنيين فإن الجيوش الغربية، مطالبة أخلاقياً لاتخاذ الحذر وتجنب خسارة أرواح المدنيين. وهذا أمر صعب عندما تفشل هذه القوى في الاعتراف بأخطائها.
ويقول الخبراء الأمريكيون إن هذه الثغرة في الفهم تثير القلق بشأن التواطؤ مع قوانين الحرب. فالتقليل من عدد المدنيين بعد الغارات الجوية يؤثر على تقدير الأعداد المتوقعة من الضحايا المدنيين قبل الغارة. ولو سمح لهذا الوضع الاستمرار فإنه سيؤثر على عمليات الجيش التي لن تلتزم بمعايير الحذر وتجنب غير المقاتلين او التأكد من استهداف الهدف فقط. وتقول هذه مظاهر قلق حقيقية خاصة أن الداعين لمنع بيع السلاح وانتشاره حصلوا على قرار من المحكمة العليا البريطانية ضد قرار بيع الأسلحة للسعودية لأنها “قد تستخدم لارتكاب خروقات خطيرة للقانون الإنساني الدولي”.
“يشنوا حرباً ضد عدو متوحش”_ و هم أيضاً متوحشون !