غزة: آبار المياه العشوائية تهدد بكارثة إنسانية وبيئية

إسماعيل عبدالهادي
حجم الخط
0

لم يعد حفر آبار المياه في قطاع غزة مقتصراً على بعض القطاعات الخاصة، من محطات تحلية للمياه ومنشآت حكومية وغيرها المسموح لها من قبل جهات الاختصاص، بل أن الأمر وصل إلى حد حفر المواطنين داخل منازلهم آبار مياه غير مرخصة وبشكل سري، بحجة شح المياه عدم وصولها بانتظام إلى منازلهم.
ويعاني الخزان الجوفي في قطاع غزة، من عجز في الموازنة المائية السنوية يقدر بـ 100 مليون متر مكعب، في ظل إصرار عدد من المواطنين على حفر الآبار بشكل غير منظم ومتواصل، من دون وجود رادع حقيقي يضع حداً لمرتكبي هذه الانتهاكات، التي تفاقم أزمة المياه في القطاع وتنذر بكارثة مائية في المستقبل.
وتعمل سلطة المياه وجودة البيئة في القطاع على منع حفر آبار المياه في كافة مناطق غزة، مع التراجع الشديد في مناسيب وجودة المياه الجوفية، وانتشار التعديات على الخزان الجوفي من خلال حفر آبار المياه المخالفة، حيث يهدد الحفر العشوائي حياة أكثر من 2 مليون ونصف فلسطيني يعيشون في غزة، نتيجة ما تسببه من شح ونقص منسوب الخزان الجوفي.
ويقدر عدد الآبار غير المرخصة في القطاع وفق وزارة الزراعة بـ8000 آلاف بئر، تستخرج 160 مليون متر مكعب من الماء سنوياً، وتعوض الأمطار نصف الكمية فقط، وهذا يعني عجزاً مائياً في القطاع بنسبة 80 مليون متر مكعب، في المقابل هناك 2800 بئر مرخص تستنزف أيضاً كميات كبيرة جداً من المياه سنوياً.
ونتيجة للاكتظاظ السكاني في القطاع وخاصة في مخيمات اللاجئين، إضافة إلى ذلك انقطاع التيار الكهربائي المستمر، يلجأ المواطنون وبشكل فردي إلى إيجاد طرق بديلة للحصول على المياه، بعد عجز البلديات في توصيل الحصص كاملة إليهم، وذلك من خلال حفر الآبار التي تكفيهم لسنوات، وتحل من أزماتهم المائية التي يعانون منها، ويؤدي نقصانها إلى تراكم الأوبئة والجراثيم داخل المنازل.
وقال أبو صالح الذي يسكن في بناية سكنية عائلية مكونة من عدة طبقات، أنه يعاني منذ سنوات من صعوبة وصول المياه إلى البناية السكنية، وفي غالب الأوقات تصل المياه في فترة انقطاع التيار الكهربائي، ويتم استخدام المولدات الكهربائية الخاصة لسحب المياه، ولكن هذا يكلف مبالغ مالية في ظل إرتفاع اسعار المحروقات.
وأوضح لـ«القدس العربي»: في ظل هذه الأزمة والتي يعانيها الحي بأكمله، لجأت برفقة العائلة للاشتراك في حفر بئر مياه بتكلفة مالية وصلت إلى 2500 دولار، ولكن رغم أن التكلفة مرتفعة جداً، إلا أننا نجد راحة في الحصول على المياه، كما أننا نحافظ على سلامة العائلة من التلوث مع انتشار وباء كورونا.
ولفت إلى أن هناك تراخيا واضحا من قبل جهات الاختصاص في منع المواطنين من حفر الآبار، ولم يخف المواطن أن الحي الذي يسكن فيه، يوجد فيه عدد كبير من آبار المياه التي حفرت بشكل سرى وغير مرخصة، وهذا «شجع إلى اللجوء للحفر أسوة بغيرن».
في غضون ذلك، عبر مختصون في علم المياه والبيئة من خطورة حفر آبار المياه بشكل سري، فالخطر ليس فقط في نقص منسوب المياه الجوفية، بل أن استخدام المياه بشكل مباشر من داخل البئر من دون معقمات، يؤثر بشكل سلبي على حياة المواطنين.
ويقول المختص في علم المياه والبيئة نزار الوحيدي، إن آبار المياه العشوائية في غزة تفتقد إلى أجهزة الفلترة، وبالتالي قد يسبب استخدامها مضارا صحية، خاصة أنها في الغالب آبار سطحية يكون قد وصلها التلوث من الأسمدة والمبيدات الحشرية، واستخدامها من دون تنقية يؤثر على صحة الإنسان.
ويشير الوحيدي لـ«القدس العربي» إلى أن الآبار التي يحفرها المواطنون بالقرب من المناطق الزراعية على اعتبار أنها أكثر عذوبة، تحمل الكثير من الخطورة خصوصاً أنه قد يصلها متبقيات الأسمدة والمبيدات والمواد الزراعية الكيمائية الأخرى، من خلال تسرب المياه من التربة خاصة الرملية سريعة النفاذ إلى الخزان الجوفي.
وينوه إلى أن نوعية المياه تختلف من منطقة إلى أخرى في قطاع غزة، فالمناطق القريبة من ساحل البحر تعتبر من الأكثر ملوحة، نظراً لقرب المياه الجوفية من مياه البحر والمناطق الأخرى المرتفعة تكون فيها المياه أقل ملوحة، وبالتالي استخدام المواطنين هذه المياه للشرب يؤثر على صحتهم، ويسبب لهم أمراضا خطيرة خاصة أمراض الكلى.
في سياق ذلك، بين مدير عام مصلحة مياه بلديات الساحل في غزة منذر شبلاق أن الآبار العشوائية إلى جانب تسببها في نقص منسوب المياه الجوفية، أدت إلى إرتفاع نسبة الملوحة نتيجة الاستنزاف الكبير من المخزون الجوفي، في حين يستخدم المواطنون هذه الآبار بكميات كبيرة، ويهدد ذلك بنفاد قريب لمخزون المياه الجوفية.
وأكد شبلاق لـ«القدس العربي»: «أن سبب انتشار الآبار ناجم عن عدم تطبيق العقوبات الصادرة في قانون المياه، وهذا يؤدي لعدم ردع المخالفين سواء من المواطنين أو عمال الحفر، كما أن المشكلة تكمن في عدم تقديم الوعي الكامل للمواطنين حول مدى خطورة التعدي وحفر آبار المياه من دون الرجوع لجهات الاختصاص».
وأوضح أن هناك خططا لسد العجز المائي، من حيث البحث عن مصادر مياه جديدة بعيدة عن الخزان الجوفي لأنه أصبح مستنزفا بشكل كبير، والعمل على إنشاء محطات لتحلية مياه البحر ومحطات لمعالجة مياه الصرف الصحي وذلك للتغلب على العجز المائي، خاصة وأن قطاع غزة يعتمد في مصادر المياه بشكل أساسي على الخزان الجوفي.
ودعا شبلاق الجهات الحكومية إلى العمل على مكافحة ظاهرة حفر الآبار العشوائية والتعدي على شبكات المياه في قطاع غزة، وإيقاع أقصى العقوبة بحق كل من يثبت عليه التعدي على مصادر المياه سواء الخطوط العامة أو حفر الآبار، وهذه الخطوات تحد من خطر نفاد خزان المياه الجوفية، كما أنها تساعد في حصول جميع المواطنين على حصصهم من المياه.
وحسب قانون المياه الفلسطيني الصادر عن المجلس التشريعي، يحق للسلطات المختصة محاسبة المواطنين على حفرهم للآبار العشوائية، وفرض عقوبة إما الحبس من 6 شهور إلى سنة أو غرامة مالية يحددها القاضي من 1000 إلى 5000 دينار أردني وردم البئر في حال الامتناع، ويعتبر القانون أن جميع مصادر المياه في فلسطين ملكية عامة بناءا على المادة الثالثة فيه، في حين توضح المادة الرابعة في البند، أن أي عملية حفر لآبار تستوجب ترخيصاً من سلطة المياه.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية