«غزة أرض القصيدة»

حجم الخط
0

هذا هو اسم الكتاب، وهو بمثابة مختارات لأصوات شعرية جديدة، صدر الكتاب عام 2021 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت. اختار النصوص الجديدة وقدم للكتاب محمد تيسير. الحق أنها أصغر «أنطولوجيا شعرية» لتناسب غزة فقط، وظني أن الأنطولوجيا الشعرية عن فلسطين أصدرها الصديقان الشاعران ياسين عدنان وعبد اللطيف اللعبي قبل فترة قصيرة، السنة الماضية.
في هذا الكتاب أسمع عن الأسماء جميعها للمرة الأولى، لكنني تعلمتُ من الشاعر محمود درويش الإصغاء للصوت الجديد في كل الأوقات، وكنتُ قد تعودتُ على ذلك من سنوات عملي على موقع «جهة الشعر» الذي تدربتُ فيه (طوال أكثر من عشرين عاماً) على استقبال معظم الأصوات التي صار أصحابها شعراء معروفين ومكرسّين الآن. أهدتني الكتاب المذكور الصديقة صالحة عبيد من الإمارات. فوجدتُ المختارات تقول ما لم يقل عن غزة أثناء الحرب الراهنة. استمعتُ لشاعرٍ مثل «أحمد السوق» يقول:
(بعد الحرب
سآخذك إلى مطعم فاخر
لن نخاف الموت كثيرا)
فرغم أن إسرائيل تحاول الكلام عن (بعد الحرب، كمفهوم استعماري) ثمة من يفكر في (بعد الحرب بمفهوم إنساني). الفلسطينيون تعرضوا للتجويع أيضاً، لذلك سيكون «المطعم الفاخر مكافأة تستحقها الحبيبة، عندما تنجو من الموت. فمن كتب نصوص هذه المختارات، إذا نجا من الموت الآن، سيستحق الحياة، إذا ما كان إلى ذلك سبيلا، حسب تعبير محمود درويش.

٭ ٭ ٭

أكثر نصوص المختارات مكتوبة خارج الوزن، بما يدعى (قصيدة النثر) القليل النادر يتبع التفعيلة والوزن والقافية. الشكل ليس المشكلة، جميع النصوص تقريباً تنشغل بالهموم الشخصية والذاتية خصوصاً، حتى عندما تحضر الحرب فهي شأن ذاتي، كما تبدو في الكتاب، الأمر الذي يجعل الكتابة الشعرية هي على الدوام ممتزجة بالشخص مثلما يعيش.

٭ ٭ ٭

من غير مزاعم الشعارات التي تطفح بها مقالاتنا، يأتي النص الأدبي مشحوناً بتجربة الأديب وهو يعيش حياته اليومية، مخترقاً (حزنه العادي) ليقول: عِدني أن نثمل في الحرب وبعد الحرب وفي الحرب، بحربين منفردتين كل منهما في اتجاهٍ مغاير.. عِدني أن نرقص متحدَين، أنا في الهزيمة وأنت في ظلها. عِدني أن نبّدل الأطراف الاصطناعية بدمٍ باردٍ لنذهب داخل البحيرات البعيدة).

٭ ٭ ٭

«أحمد السوق» ذاته، سوف يقول ما يحب لمن يحب من خلال استحضار كتّاب عرب، من خلال من يحب من الكتاب العرب، فيراهم على الشكل التالي:
(هنا كان درويش فوق القصيدة
يهز بجذع القوافي
فتهبط ريتا هبوط البتول
وغسان كان يربي قناعاً
لسيفٍ تمرد في كبرياء
وغادة كانت وراء القصيدة
تفتل حباً، تربي الذهول
وجدتكِ أنتِ رفيقة دربي
وكنتِ سماءً
وقفلاً منيعاً وخلفك سور
فجبتُ سماءك عرضاً وطول).
ليخصّ محمود درويش وغسان كنفاني وغادة السمان. لكنني لم أحب القصيدة، خصوصاً لم أحب استحضار اسماء الكتّاب، لا وزنها، ولا طريقة التجاوزات اللغوية غير الضرورية. فما يحق للشاعر ليس شرطاً أن يعجب القارئ. غير أن هذا الكتاب، بمختاراته، الذي صدر قبل سنوات من الحرب الأخيرة على غزة، يطرح أصواتاً شعرية سوف تلتفت إليها أعناق محبي الشعر، مثل إيلينا أحمد وضحى الكحلوت، ثم فاطمة محمود (حواء غزة) كما يحب وصفها منتخب المختارات، السيد محمد تيسير، بهذا الوصف.

٭ ٭ ٭

ليس ثمة ما يستجيب للشرط السياسي في مجمل الكتاب، وهذا ليس مثلبة، ففي زمن صدور الكتاب لم تكن غزة تحت القصف، وليس ما يستدعي الصراخ طلباً للنجدة من العالم، من العرب خصوصاً، أعني لم يكن العرب الهاربة. ولم يكن الموت قد استوطن غزة بعد. (كانت تُسمى فلسطين، صارت تُسمى فلسطين) حسب الشاعر محمود درويش.

شاعر بحريني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية