تابع جيش الاحتلال الإسرائيلي مجازره التي تستهدف المناطق والمدارس والمشافي التي يلجأ إليها النازحون والتي كان آخر ذراها السبت في منطقة المواصي، في خان يونس، التي كانت إسرائيل، ومنذ وقت طويل، قد صنفتها منطقة «آمنة» مطالبة النازحين الفلسطينيين بالتوجه إليها، وكذلك قصف محيط مدرسة تؤوي نازحين في مدينة غزة أمس. توقع حمم الصواريخ وشظاياها التي تنفجر في خيام النازحين، الذين «يعيشون» أصلا في ظروف بائسة لا يمكن أن تسمى حياة، فتتطاير أشلاء الضحايا ممتزجة بأقمشة الخيام المحترقة والأغراض المتطايرة.
قوبلت مجازر جيش الاحتلال الإسرائيلي البهيمية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة في الدول المتضامنة مع إسرائيل بأشكال من التلاعب الذي يعيد استهلاك الرواية الإسرائيلية حول «الإرهاب الفلسطيني» ويركز على معاناة الرهائن، في تخفيض همجي لقيمة الفلسطينيين ودمائهم واستهتار بحقوقهم وإنسانيتهم.
الأسوأ من ذلك هو أن طرق التضامن الغربية، المباشرة وغير المباشرة، مع إسرائيل رغم انتهاكاتها الواضحة للقانون الدولي الإنساني، ولجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها ما لبثت أن بدأت تتقاطع، بشكل مباشر أو غير مباشر أيضا، مع طرق من التضامن المضمر مع إسرائيل، يمكن أن يبدأ من التنصّل العربي من الدم الفلسطيني، يتم تمريره عبر إعلان أشكال العداء لـ«حماس» وتحميلها مسؤولية الحرب، وهو أمر يقارب، في معناه تبريرات إسرائيل التي يمكن أن تقتل المئات من الفلسطينيين بزعم إنقاذ رهائن، أو اغتيال أهداف من «حماس».
يتواصل هذا التضامن الموضوعي مع إسرائيل عبر أشكال أخرى من ذلك إحالة المشكلة إلى ما يسمى «الإسلام السياسي» الخصم الحقيقي أو المتخيل للنظام السياسي العربي، و«الفزاعة» التي يتم تحت إطارها تقنين أي حراك ديمقراطي مدني، أو أي تعبير سياسي من أي نوع، والذي يحظى بخصومة طويلة الأمد مع النظام السياسي العربي، فيصبح هذا «البعبع» هو المسؤول عن المجازر في غزة وليست إسرائيل؛ ومن ذلك أيضا ربط الحرب و«حماس» والمقاومة الفلسطينية في غزة والضفة بإيران، و«حزب الله» في لبنان، والحوثيين في اليمن، فيصبح العداء لتلك الحركات مبررا ناجعا لإبادة الفلسطينيين والتطهير العرقي الجاري ضدهم.
كان لافتا أن حرب الإبادة الجارية لم تدفع أيا من الدول التي طبعت أخيرا مع إسرائيل، وعلى رأسها الإمارات، إلى مراجعة هذا التطبيع، أو التهديد بإلغائه إذا استمر العدوان، وتم تداول أنباء عديدة عن أشكال من القمع والمراقبة والتحقيق والتضييق والاحتجاز والترحيل تعرض لها فلسطينيون على خلفية مواقفهم من الحرب على غزة، وأن المحقق معهم سئلوا عن آرائهم في «العلاقات الإماراتية الإسرائيلية» أو إن كانوا يقاطعون المنتجات الإسرائيلية.
كان لافتا، ضمن هذا السياق، قيام مجموعة من الطلاب المغاربة بزيارة إسرائيل في هذه الفترة بالذات، وجاء ذلك متزامنا مع الحادثة المخزية لامتناع عميد كلية عن إعطاء شهادة التخرج لطالبة لأنها لم تنزع الكوفية الفلسطينية.
إحدى طرق التحايل الغريبة على قضية التضامن تتمثل بالمزاودة عليهم بخطابات النضال والمقاومة، كما حصل أكثر من مرة مع نظام قيس سعيد في تونس ونظام بشار الأسد في سوريا، فالنظام التونسي أعلن رفض صدور قرار عربي من مجلس الأمن يطالب بوقف الحرب على الفلسطينيين ووقف الحصار عليهم، بدعوى أنه لا يعترف بإسرائيل كما رفض بيانا للجامعة العربية، وكذلك رفض رفع الطلاب التونسيين للعلم الفلسطيني بدعوى أن الأمر يعيق نظام التعليم والامتحانات، وأوقف البرلمان عن إصدار قرار بمنع التطبيع.
أما النظام السوري، الذي أصبح مكسر عصا قوات الاحتلال الإسرائيلي، فقد خرج رئيسه بشار الأسد ليعاتب من سماهم «الثوار الثيران» من فصائل المعارضة السورية، لأنهم لا يردون على إسرائيل، فيما تتزايد التكهنات عن تسريب معلومات تؤدي لقصف القادة والمسؤولين الإيرانيين في سوريا.
الخلاصة التي يمكن أن يخرج بها المتابع تحيل إلى وجود رابط وثيق بين الإبادة الجارية ضد الفلسطينيين وانفراط جهاز المناعة السياسي العربي نتيجة العلاقة الوثيقة بين الاستبداد العربي والاحتلال الإسرائيلي، فالواحد يفضي للآخر، والمجزرة العربية تتوازى مع المجزرة الفلسطينية، والنتيجة أن ما نراه هو أشلاء الوضع العربي وليس أشلاء الفلسطينيين المستباحين فحسب.