يتجه الشباب في قطاع غزة إلى توفير فرص عمل عبر مشاريع صغيرة، وذلك هرباً من براثن البطالة التي ارتفعت مؤخراً لقرابة 50 في المئة، وذلك بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ 15 عاماً وتداعيات كورونا. وبحسب آخر بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد وصلت نسبة الفقر فى أوساط السكان في قطاع غزة إلى 65 في المئة، وهي نسبة خطيرة مقارنة بإجمالي عدد سكان القطاع الذي لا يتجاوز مليونين ونصف المليون.
يبلغ وعدد العاطلين عن العمل في غزة حوالي 203 ألف مواطن، وذلك وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، في حين تشير بيانات غير رسمية أن عددهم يفوق 300 ألف، مع إضافة فئات أخرى من العاطلين عن العمل غير مدرجين في مؤشر البطالة، في حين يتلقى 4 أشخاص من بين كل 5 مساعدات مالية، وهذا بحسب إحصائية للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أصدرها نهاية كانون الثاني/يناير الماضي.
الشاب بلال درويش (31 عاماً) خريج جامعي تخصص إرشاد نفسي، لم يجد فرصة عمل في مجاله العلمي، الأمر الذي دفعه للبحث عن بديل اقتصادي، يمكنه من إعالة أسرته التي تتكون من 4 أطفال، فوجد أن الإستثمار وإن كان برأس مال محدود في القطاع الخاص، يوفر فرص عمل مستدامة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في القطاع وارتفاع نسبة الفقر، فتوجه الشاب درويش للإستثمار في مجال بيع الملابس الرجالية، وذلك من خلال فتح محل في سوق الشيخ رضوان، أحد أهم أسواق غزة لبيع الملابس.
يقول درويش لـ»القدس العربي» لقد «بذلت جهداً كبيراً من أجل الحصول على وظيفة مناسبة تتوافق مع تخصصي الجامعي، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل» فدرويش واحد من آلاف الشباب الذين توجهوا لإفتتاح مشاريع صغيرة يهددها انعدام القدرة الشرائية للمواطنين والتداعيات السلبية لجائحة كورونا، ففي قطاع غزة يعيش ما يزيد على مليوني فلسطيني، يعانون أوضاعاً اقتصادية ومعيشية متردية للغاية من جراء الحصار الإسرائيلي المتواصل.
ويشير درويش إلى أن الشباب الفلسطيني يواجه العديد من الصعوبات حتى خلال توجهه نحو القطاع الخاص وبداية تدشين المشاريع، وإن كان برأس مال محدود جداً، حيث أن تردي الأوضاع الاقتصادية وانعدام القدرة الشرائية للمواطنين، تؤدي في كثير من الأحيان إلى فشل المشروع لقلة المبيعات وارتفاع تكلفة الإيجار.
ويؤكد درويش على ضرورة استغلال الشباب في قطاع غزة طاقاتهم وعدم الانتظار إلى حين إيجاد فرص عمل بحسب تخصصاتهم الجامعية، فالأوضاع في القطاع تجبر الكثيرين إلى سلوك مهن مغايرة عن تخصصاتهم، بسبب افتقار غزة لمجالات العمل في كثير من التخصصات الجامعية، لاسيما خريجى كليات الهندسة فهم يفتقدون الحصول على فرص عمل بهذا التخصص، الذي ينشط مجاله خارج قطاع غزة.
في سياق ذلك، يقول الخبير الاقتصادى ماهر الطباع إن المشاريع الصغيرة في غزة تواجه تحديات كبيرة، يتمثل أبرزها في الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع للعام الخامس عشر على التوالي وحديثاً جائحة كورونا، وبفعل الجائحة تراجع النشاط الاقتصادي في العام 2020 بنسبة وصلت إلى 70 في المئة في القطاعات المختلفة، كما تأثرت المشاريع الصغيرة بضعف البنية التحتية، الأمر الذي قادها في بعض الأحيان إلى الفشل والإغلاق.
وأضاف الطباع لـ»القدس العربي» أن إنعدام وجود أنظمة تشريعية لحماية المشاريع الصغيرة، قد يؤدي إلى فشلها، بينما يفضل الفلسطينيون تمويل مشاريعهم عبر التوجه للحاضنات الداعمة أو لمؤسسات تقدم لهم قروضاً من دون فائدة، في ظل اتساع رقعة الفقر وانعدام السيولة لدى المواطنين.
وأوضح الطباع أن متوسط أعداد المشاريع الصغيرة التي يتم تمويلها سنوياً في قطاع غزة تبلغ نحو 120 مشروعاً، في حين أن الهيئات والمؤسسات العاملة تمول المشاريع الصغيرة بنظام القرض الحسن بمبالغ مالية مرتفعة تتراوح ما بين 6 إلى 10 آلاف دولار، على أن يكون السداد في مدة تصل إلى ثلاث سنوات، ولكن أغلب أصحاب هذه المشاريع، يتخلفون عن سداد المستحقات نتيجة فشل مشاريعهم.
ويعتبر قطاع غزة من أكثر المناطق على مستوى العالم حصولاً على الدرجات العلمية المختلفة، حيث يلجأ الغزيون إلى طلب العلم أملاً في الحصول على وظائف تساعدهم في توفير مصدر دخل لهم، لكن فقدانهم للوظائف يدفعهم لمحاولة التغلب على مشاكلهم بالتوجه لعمل مشاريع فردية صغيرة تساعدهم مادياً.