غزة تنهي عصر الغطرسة الاسرائيلية

حجم الخط
23

لم يكن العدوان الاسرائيلي الاول على الشعب الفلسطيني في غزة، وربما لن يكون الاخير. الا انه الاول الذي تخرج منه اسرائيل مثخنة بكل هذه الجراح، بينما تجرجر اذيال هزيمة واضرار استراتيجية تكفي لاعادة رسم خريطة التوازنات الاقليمية، ووضع عقيدة التفوق و»الذراع الطويلة»، واستراتيجية التوسع الصهيوني اللانهائي (وهي احد الاسس التي قامت عليها الدولة العبرية) محل مساءلة.
وان كان الثمن الذي دفعته غزة باهظا، بل «يفوق اي خيال» حسب تعبير الرئيس محمود عباس.
لقد نجحت المقاومة في افراغ نصف مستوطنات اسرائيل من سكانها، فيما لجأ الباقون الى الملاجئ، ما يقوض نظرية «فرض الامر الواقع» التي اعتمدتها تل ابيب طوال العقود الماضية.
ومع كل المداد الذي يراق حاليا تحليلا لنتائج «الحرب»، وهي الكلمة التي تتفادى الحكومة الاسرائيلية استخدامها حتى لا تضطر لدفع التعويضات للمستوطنين، فان الجوهر الاكثر خطورة يبقى ان المقاومة الفلسطينية نجحت في تفكيك كثير من الاوهام، بل وتعرية هشاشة وجود الكيان الصهيوني ذاته، عندما اثبتت ان المستوطنات قابلة للاخلاء خلال ساعات من اولئك المحتلين الذين يدركون جيدا انهم يغتصبون الارض ولا يملكونها، فكان رد فعلهم الغريزي هو تركها خاوية على عروشها، والهروب امام ضربات المقاومة. وفي المقابل تشبث الفلسطينيون في غزة بارضهم، وتكدسوا في مدارس الاونروا بكثافة وصلت الى ثمانين شخصا في الفصل الواحد، بل ان بعضهم رفضوا مغادرة منازلهم حتى بعد ان تلقوا تحذيرات بقصفها. ولم نسمع عن محاولات نزوح جماعي من القطاع، كما يحدث في اماكن اخرى في الشرق الاوسط، رغم ان القانون الدولي الانساني كان ومازال يكفل لهم الحق في طلب اللجوء الى اي بلد حفاظا على حياتهم.
ولم تكن الماكينة السياسية الاسرائيلية افضل حالا من المستوطنين، اذ عصفت بها الانقسامات، وفشل الرقيب العسكري في التعتيم على ما شهدته اجتماعات «الكابينيت» او الحكومة المصغرة من مهازل تنم عن كراهية واحقاد عميقة متبادلة بين اعضائها. واضطر نتنياهو المهزوم الى قبول اتفاق وقف النار(هاتفيا) بدون عقد اجتماع حكومي، وبدون مؤتمر صحافي يعلن فيه الانتصار المزعوم كما حدث في نهاية عدوان الرصاص المسكوب، بعد ان حصل على استشارة قانونية تكفل له هذا(..). الاهم ان نتنياهو توصل الى اتفاق مع المقاومة التي كان شبه احد فصائلها الرئيسية وهي حركة حماس قبل ايام قليلة بانها «ارهابية مثل داعش» في محاولة يائسة لتجييش الرأي العام الدولي والامريكي خاصة ضدها، وايضا سعيا الى انقاذ شعبيته التي اصيبت بانهيار قد يطيح مستقبله السياسي.
وفي المقابل احتفظ «وفد الجميع الفلسطيني» بوحدته في ظروف بالغة الصعوبة، وهو انجاز يحمل من القيمة السياسية والرمزية ما قد يفوق ما سواه، بالنظر الى ان اتفاق وقف النار الذي تم التوصل اليه امس الاول ليس سوى «معركة اولية» في حرب طويلة من المفاوضات الصعبة لانتزاع باقي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
اما على المستوى الدولي، فان خسائر اسرائيل وصلت الى حد الفضيحة الكاملة، بدءا من التوتر بل والتلاسن العلني مع عدد من اهم حلفائها التقليديين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وفرنسا، ومرورا بالمظاهرات الشعبية الضخمة المؤيدة لفلسطين في انحاء المعمورة، وانتهاء بقرارات تحمل قدرا كبيرا من القوة الرمزية، ومنها سحب دول امريكا اللاتينية لسفرائها من تل ابيب، وقرار الاتحاد الاوروبي بوقف استيراد البضائع من المستوطنات في تأكيد على عدم شرعيتها.
وماذا بعد؟ ان التحدي الفلسطيني الاكبر الذي لا يجب ان يغيب عن النظر وعن الضمير ايضا وسط الاحتفالات في شوارع غزة والضفة، هو اولئك الذين دفعوا الثمن الباهظ: نحو الفين ومئتين من الشهداء، اغلبهم من الاطفال والنساء والمسنين، ومعهم اكثر من عشرة الاف جريح، واكثر من نصف مليون مشرد فقدوا كل ما يملكون، وتحملوا معاناة تفوق الخيال، ليصنعوا فارقا حقيقيا لمستقبل شعبهم، وعدالة قضيته.
لايمكن ان يكون المقابل الذي نحصل عليه هو مجرد فتح معابر او ادخال مساعدات او تحويل رواتب او توسيع منطقة الصيد، ولا حتى بناء ميناء ومطار.
لابد ان تدشن هذه التضحيات الهائلة عصرا جديدا من النضال، قوامه الوحدة الوطنية باي ثمن ومهما كانت الخلافات، وهدفه التحرر الوطني الكامل بانهاء الاحتلال لكافة الاراضي المحتلة، واقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة عاصمتها القدس الشريف، وكل ما دون ذلك هو خيانة لدماء الشهداء، ولبارقة الحلم الاخيرة التي اغلقوا عليها عيونهم.
اما على المستوى القانوني فقد حان الوقت لفتح نيران الملاحقات القضائية على مجرمي الحرب الاسرائيليين في كل مكان، سواء عبر المحكمة الجنائية الدولية او حتى اي محاكم محلية في اي بلد في العالم تسمح قوانينه بذلك.
لقد انهت غزة الصغيرة الفقيرة المحاصرة عصر الغطرسة الاسرائيلية الى غير رجعة، ولم يبق امام العرب الا ان يرفعوا رؤوسهم حتى لا يرونها كبيرة. فهل هم فاعلون؟

رأي القدس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد طاهات / عضو في رابطة الكتاب الأردنيين:

    بسم الله الرحمان الرحيم , وبالله نستعين , وبعد
    انتهت مقولة جيش اسرائيل الذي لايقهر لاعلى يد جيش عرمرم بل على يد فصائل جهادية نذرت نفسها لقتال العدو الذي عاث في فلسطين فسادا ؛ قتلا وتشريدا واستيلاء على أرض شعب أصيل في بلده , لكن ماذا نقول لبريطانيا المتآمرة التي جلبت شذاذ الأفاق والمجرمون وقتلة الأنبياء ليحلوا محل أصحاب الأرض الشرعيين .
    سترحل اسرائيل عن أرض فلسطين وقريبا , مملكة القدس التي أنشأها الصلبيون دامت سبعين عاما , وأخيرا تحررت على يد صلاح الدين , اقرؤا التاريخ لم يدم احتلال واستعمار . نبارك لأبطال غزة انتصارهم والموت للخونة والمتآمرين

  2. يقول rahim:

    شكرا اهل غزة شكرا للمقاومة الان يحق لكم وضع النياشين على صدوركم بعد ان تنزعها قيادات الجيوش العربية المزيفة

  3. يقول ابو منار الرازحي:

    الايمان بالففكرة والمبدأ ايمان مطلق ينتهي بالنصر المأزر

  4. يقول squal-tarik-algerie:

    هنيئا لكم يااهلنا واحبابنا بهذاالإنتصار الذي صنعتم بأرواحكم ودمائكم.

  5. يقول العزوزي الامام:

    انتصار فلسطين يكون يوم تنتهي الحروب الاهلية في ال=ول والمحتمعات العربية وعلى حماعات الاسلام السياسي التحلي بالضجاعة وتنهي هدا الجرام في الدين الاسلامي والامة الاسلامية

  6. يقول ابو سامي د.حايك:

    بينما كانت النازيه تقتل في معسكرات الإعتقال و بالخفاء قتلت إسرائيل السكان المدنيين و دمرت أحياءهم و بيوتهم على الملأ و العالم يشاهد القتل و التنكيل على شاشات التلفزيون أولا بأول و هذه جريمه بكل المعاني ضد الإنسانيه فأين الجنود و المقاتلين الذين حاربهم الجيش الإسرائيلي و هل كانوا في هذه البيوت و في هذه الأحياء أم على الجبهه و في الخنادق و الأنفاق ؟ لا تعويض عن هذه الجريمه البشعه بالأموال و لا تغسل قذارَتَها كل أموال الدنيا و ارتكبتها إسرئيل في غزه قبلا في 2008&2009 و طاب لها أن تطلع بطائراتها و تضرب على هواها الإنسان و الحجر و سوف يأتيها اليوم التي تُضرب فيه و تندم على اليوم الذي أتت فيه إلى فلسطين.و لن يتحقق ذلك إلا بالمتابعه و تضافر الجهود و الجديه في العمل و كثرة المخلصين و غزه و ضحاياها و تضحياتها هم الحافز الذي يستنهضنا لنعمل و نكون

  7. يقول Farid:

    كل حكام العرب تخلوا عن غزة وحاصروها وحرضوا عليها ودفعوا المليارات لاسرائيل للتخلص من غزة وهزيمة المقاومة ولاكن الشعب قاوم وقال في نفسه اموت واقفآ وادفع عن شعبي ووطني افضل مما اموت وانا راكعآ فا الله سبحانه نصره فمن كان على الحق الله ينصره ويسخر له ناس ودول تقدم المساعدة حتى لو كان قليلآ فالله يجعل تاثيره كبيرآ كالاسلحة التي تقدمها سوريا وايران فشكرآ لله على تسخير تلك الدولتان لمساعدة المقاومة برغم ان الاكثرية من عرب وغرب يقفون الى جانب اسرائيل الا ان الاقلية غلبت الاكثرية ونفذت شروطهما . اتالم على الامهات الفلسطينيات على فقدان اطفالهن فكم اجركم عند الله عندما تصبرن على فراق اولادكم فالله يرحمهم ويجازيهم بالجنة باذنه تعالى وبالتضحية يعيشون الاجيال القادمة بالسعادة . فكل قتيل مظلوم الله يجازيه الجنة وكل واحد منا يتمنى ان ينال الجنة اللهم يرحمنا الله جميعآ وان نكون مع الشهداء في الجنة امين يارب العالمين .

  8. يقول ربى/ فلسطين:

    رأي القدس دائماً وكالعادة يكون رائعا … شكراً للكاتب/ ة .
    طويت صفحة الذل والهوان من كتاب فلسطين لتبدأ قراءة سطور العزة والكرامة وها نحن نشهد تصحيحا للمسار بعد إعوجاج طويل ، أعادت غزة الثقة بالنفس وبينت عجز الكيان الصهيوني ومعها العجز والوهن العربي ، ثلة قليلة من المقاومين تحمل عتادا بسيطا أعمار أغلبهم لا تتجاوز العشرون عاما تذيق المحتل الذي طالما جرعنا كأس الحنظل الوان من العذاب و تفرض عليهم حظر التجول وتجبرهم على الإختباء في الملاجئ وتجعلهم يأتون صاغرون بعد 50 يوما وراكعين للمقاومة أي عزة هذه ؟! التي لا تكون إلا لجنود الله .
    هناك دروس أخذناها من الحرب أقوى من قصف البيوت وسفك الدماء الذي جاء من العدو ذلك التخاذل العربي والوقوف مع عسكر العدو وتبقى الخيانة شاهدة على صورة غزة من اليوم الى يوم الدين ، ودماء الأطفال لعنة ستبقى تطارد الخونة العرب الى الأبد ، ونحن بالنهاية سننسى ما فعله الأعداء بنا لكننا لن ننسى ما فعله الحكام ومن وقف معهم من الأخوة العرب اتجاه غزة .

  9. يقول Hassan:

    المقاومة الفلسطينية قد فتحت الطريق لتحرير القدس.

  10. يقول د عبد الكريم اسعد قحطان:

    غزة المجد
    د.عبد الكريم أسعد
    يا غزة المجد،أين المجــد من قممٍ صنعتها في زمانٍ بات ينحـــــدرُ؟
    ما كان للحظ في ما صــرتــهِ سببٌ بل كان للعزم في ما شئـتهِ قــــدرُ
    هم حاصروك وصبّوا الموت في وَضَحٍ صبّا على كلّك المحصــور ينهمــرُ
    لم يبق في كفّهم قتــلٌ ولا خطــــرٌ إلا وشنّوه مشحونا بمــا وغـــــروا
    إبادةٌ ما لهــا، في الدهر، مـن مثلٍ ولا حكى وزرها،من روعه،الخـبرُ
    لكنهم في الدم المسفوح ما عهــــدوا فيالق الروح تغـــزوهم وتنتصـــــرُ
    في أمّــة أنذرت للحــــق بهجتــها فاستوقدت من لظى أشواقها النُذُرُ
    لم يثبط الحاكم المهزوم وقـــــدتها بل ضاعــف العـزم فيها ذلّه النَبِرُ
    يا غزة المجد،هذا نصر من نضجـت جـــراحه واغتذت من آيه السوَرُ
    من أشـــرقت أمةٌ عــــذراء من دمـه ليلا وفي صحوها من روحـــه مطرُ
    لا نصر من أطعم العــــدوان وجنته دهـرا وكاد به العـــدوان ينتصــرُ
    ولا انتصار عروشٍ مات ناصــــــرها فأصبحـــت من رماد الموت تعتمرُ
    ***

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية