يواجه المواطنون والتجار في قطاع غزة، معاناة صعبة خلال محاولتهم الحصول على أهم العملات النقدية التي يتم التعامل بها في فلسطين إلى جانب الشيكل وهما عملتا الدولار الأمريكي والدينار الأردني، حيث انعكس شحهما من السوق سلباً على مصالح التجار والمواطنين، الذين يعتمدون في معاملاتهم على عملة الدولار والدينار.
وكانت باكورة هذه الأزمة مع انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة في 21 أيار/مايو الماضي، عندما شرعت إسرائيل بإغلاق المعابر التجارية مع غزة، وصاحب ذلك العديد من الأزمات أبرزها ندرة البضائع والمنتجات نتيجة لتوقف الاستيراد والتصدير لفترات طويلة، إضافة إلى توقف المشاريع الدولية ومنع إدخال المنحة القطرية للمحتاجين والتي تنعش الأسواق.
ويعتمد الفلسطينيون على عملة الدينار الأردني للمهور وشراء الأراضي والذهب ورسوم الجامعات، في حين يشترون العقارات بالدولار بينما تجري المعاملات اليومية بالشيكل الإسرائيلي، وخلال موسم الصيف يزداد الطلب بشكل كبير على عملة الدينار الأردني، نظراً لأن هذا الموسم تكثر فيه الأفراح والأعراس، ولكن وجد المواطنون خلال هذا العام صعوبة في إدارة متطلباتهم نتيجة اشتداد الأزمة.
وتعود أسباب الأزمة وفق مختصين اقتصاديين إلى جملة من الأسباب ومنها تزايد الاستيراد من مصر في أعقاب العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، ما ساهم في سحب جزء كبير من عملة الدولار الأمريكي، فضلاً عن عدم وجود منح خارجية للقطاع لا سيما المنحة القطرية والتي تبلغ قيمتها 30 مليون دولار، والتي شكلت رافداً مهماً لعملة الدولار نتيجة ضخها لصالح الأسر الفقيرة بدرجة أساسية، وهو ما كان يؤدي إلى منع حدوث أزمة في عملة الدولار خلال فترة صرفها، ولكن تراجع صرفها للشهر الرابع على التوالي، أدى إلى انكشاف السوق ونقص في العملة.
وعملت البنوك في غزة على تعميق الأزمة المالية حفاظاً على مصالحها، حيث لجأت إلى سحب الدولار والدينار من أجهزة الصراف الآلية، واقتصار عملية صرفها على مبالغ مالية ليست كبيرة، كما أجبرت أصحاب الحوالات المالية السريعة على صرفها بعملة الشيكل الإسرائيلي.
وأكد الخبير في الشأن الاقتصادي ماهر الطباع أن توقف صرف المنحة القطرية للفئات المحتاجة في قطاع غزة والتي كانت تضخ شهرياً بالدولار الأمريكي، يعد من أهم أسباب شح الدولار في السوق والبنوك، حيث كان يصل القطاع كل شهر مبلغ كبير من المنحة، وهذا المبلغ يعزز السيولة النقدية من فئة الدولار في الأسواق وبين التجار والمواطنين.
وبين الطباع لـ«القدس العربي»: أن القطاع كي يتعافى من الأزمة القائمة حالياً، بحاجة إلى ضخ ما يقارب من 90 مليون دولار أمريكي، بالإضافة إلى توفير ما يقارب من 40 مليون دينار أردني في سوق العملات والبنوك، للنهوض من الأزمة والعودة إلى ما كانت عليه حركة السيولة النقدية قبل أربعة أشهر.
ولفت إلى أن الحلول أيضاً تتمثل في سماح الجانب الإسرائيلي بتصدير المنتجات من غزة للخارج، خاصة المنتجات الزراعية التي تحظى بطلب كبير عليها من دول أوروبا، إلى جانب السماح بحركة السفر والتنقل للتجار إلى داخل إسرائيل، فهذه عوامل جميعها ستساعد في تخفيف أزمة السيولة المالية في القطاع.
ودعا الطباع سلطة النقد الفلسطينية إلى التدخل لحل هذه الأزمة التي تتصاعد يوماً بعد الآخر، باعتبارها الجهة المشرفة على أداء النظام المصرفي بشكل عام، من خلال تقديم السيولة النقدية للبنوك، واستبدال العملات المهترئة بعملات جديدة خاصة الدينار الأردني.
وقال الخبير في الشأن الاقتصادي محسن أبو رمضان إن من أسباب أزمة شح عملة الدولار والدينار في غزة إلى جانب غياب المنح الدولية، هو أن معظم الناس لا تودع أموالها في البنوك، بسبب إجراءات البنوك المتعلقة بتحديد مبلغ محدود للصرف من الأموال المودعة، إلى جانب عدم ترحيل العملات التالفة لبنوك الضفة الغربية واستبدالها ومنع البنوك من إخراج العملات، لذلك يفضل المواطنون بقاء الأموال في بيوتهم، ما يؤثر على ضخ البنوك للعملات.
وأوضح أبو رمضان لـ«القدس العربي»: أن الحل للخروج من هذه الأزمة هو الضغط من قبل المجتمع الدولي، للعمل سريعاً على دخول المنح المالية والمساعدات الدولية نقداً إلى غزة، ورفض أي محاولات لتحويلها لتوريدات سلعية، وضرورة أن تكون هناك رقابة على السوق المالي المحلي، بالإضافة إلى إمكانية أن يؤدي استئناف إدخال المنحة القطرية لإنعاش الدولار في المحلي.
وأشار إلى أن غياب الدولار يشكل ضعفاً شديداً في الحركة التجارية، فالتجار لا يستطيعون استيراد البضائع من الخارج طالما ليست لديهم سيولة من الدولار، وهذا يعيق عملية الاستيراد ويكبد التجار خسائر مالية، كما ينعكس ذلك على شح البضائع في السوق المحلي، بسبب عدم مقدرة التجار على إدخالها.
ويرجح الخبير الاقتصادي أن تشهد الأيام المقبلة إنفراجة لهذه الأزمة، في ظل المناورات المكوكية من قبل إسرائيل والأمم المتحدة، لإيجاد آلية معينة لاستئناف تحويل المنحة القطرية إلى المحتاجين في غزة، وبمجرد وصول المنحة تعود الحياة لطبيعتها تدريجياً.
ويقول وليد شيخة صاحب محل للصرافة والحوالات الدولية، إن الأسباب التي عززت من عدم توفر السيولة النقدية من فئة الدولار تحديداً، تتمثل في منع الاحتلال إدخال العملة الأمريكية لغزة، وعرقلة الجهود الدولية لتقديم الدعم المالي، وتراجع التمويل داخل القطاع في الفترة الأخيرة.
وقال شيخة لـ«القدس العربي»: إن الاستنزاف المستمر من عملة الدولار باتجاه واحد عبر البوابة التجارية المصرية مع غزة، فاقم من الأزمة كون أن غزة تستورد من مصر السلع والبضائع، وتعامل مصر مع التجار فقط بعملة الدولار، وهذا ما أدى إلى شح العملة من التجار وبعض محال الصرافة، حيث لم يتبق سوى عملة الشيكل التي يتم التداول بها محلياً.
وتفرض إسرائيل منذ سيطرة حماس على غزة عام 2006 قيوداً مشددة على تحويل العملات الأجنبية إلى البنوك والمصارف في قطاع غزة، علماً بأن بروتوكول باريس الاقتصادي الموقع بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، نص على اعتماد عملة الشيكل الإسرائيلي كإحدى العملات الرئيسية، إضافة للدولار الأمريكي والدينار الأردني وحق البنوك الفلسطينية بأن تحصل على احتياجاتها في حالة حدوث نقص في العملات الأجنبية، وأن تقوم بشحن أو إرسال الفائض منها إلى البنوك الإسرائيلية.