رام الله ـ «القدس العربي»: أبدى الأمين العام للأمم المتحدة «قلقا بالغا» حيال معلومات مفادها أن الجيش الإسرائيلي يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أهداف في حربه على قطاع غزة، رافضا ربط «قرارات الحياة أو الموت بحسابات تجريها الخوارزميات». ومما قاله أنطونيو غوتيريش «يساورني قلق بالغ إزاء التقارير التي تفيد بأن حملة القصف التي يشنها الجيش الإسرائيلي تشمل الذكاء الاصطناعي كأداة لتحديد الأهداف، ولاسيما في المناطق السكنية المكتظة بالسكان، ما أدى إلى ارتفاع مستوى الخسائر في صفوف المدنيين». وكانت صحيفة «الغارديان» قد نشرت تحقيقا ترجمة عنوانه «الآلة فعلت ذلك ببرود: استخدمت إسرائيل الذكاء الاصطناعي لتحديد 37 ألف هدف لحماس».
تعلق الخبير في الذكاء الاصطناعي الدكتورة آية صوفان أنه وبمجرد قراءة الخبر فإن دمها صار يغلي، والسبب في ذلك يعود إلى أن العنوان في المادة الصحافية «متواطئ بشكل حقير، فهو كما يقول إن الآلة هي التي تحدد وتقتل ببرود وليس الاحتلال الإسرائيلي، وليس جنوده هذا الاحتلال المتخلفين والمتعطشين للدماء».
وتعلق صوفان أن الكثير من وسائل الإعلام الفلسطينية نشرت الخبر بذات الطريقة، أي أنها تبنت ذات الخطاب حيث نشرت الترجمة: «الذكاء الاصطناعي حدد 37 ألف فلسطيني لاغتيالهم في غزة».
وتتابع: «لدي تساؤل ومفاده لماذا نشتري رواية الاحتلال… لماذا نروج فعلا للعالم ان الاحتلال يستخدم الذكاء الاصطناعي؟ أنا لست مقتنعة أصلا أن ما يفعلونه هو ذكاء اصطناعي، ولو افترضنا جدلا أنهم يستخدمون تكنولوجيا باهرة فإن صياغة العناوين وترجمة ما نشر لا يجب ان يكون على هذا النحو في ظل أن مقال الغارديان مليء بالصياغات غير المهنية».
وتعقب على المقال بالتأكيد على أنه ذكر أن «عملية القصف في غزة استخدمت قاعدة بيانات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لم يتم الكشف عنها سابقًا، وفقًا لمصادر استخباراتية مشاركة في الحرب». وهو أمر يدعو للغضب في ظل أن الصحيفة لم تتحدث عما الذي احتوته قاعدة البيانات، ولا كيف دعمت بالذكاء الاصطناعي بالضبط، في ظل أن ليس كل من يقول إنه استخدم الذكاء الاصطناعي يعني ذكاء اصطناعيا، ومن يعمل في هذا المجال يدرك أن المطورين يقومون بتحويل «البحر إلى طحينة».
ذكاء اصطناعي على أي بينات تم تفعيله؟
وتتساءل: حقيقة أريد أن أفهم، ذكاء اصطناعي على أي بينات تم تفعيله؟ على ماذا تعلم هذا الذكاء؟ فالذكاء الاصطناعي لا يمكن ان يتعلم ويبرمج من الفراغ، لقد تم محو نصف غزة ومن ثم يقال لك تم محوها من خلال الذكاء الاصطناعي، الآلة هي التي قصفت وليس الإنسان».
وتضيف «من نص المقال المنشور في الصحيفة البريطانية قال أحد ضباط المخابرات الذين استخدموا (لافندر) – تطبيق الذكاء الاصطناعي اللي يدعون انه عندهم والذي صمم من أجل قتل الناس يحمل اسم وردة اللافندر-! الضابط قال: (هذا أمر لا مثيل له في ذاكرتي) مضيفًا أن لديهم ثقة أكبر في (الآلة الإحصائية) مقارنة بالجندي الحزين (حرفيا تحدث المقال أن الجندي يا حرام حزين). (الجميع هناك، بمن فيهم أنا، فقدوا أشخاصًا في 7 الشهر. لقد فعلت الآلة ذلك ببرود. وهذا جعل الأمر أسهل) تخيل هذه الصياغة».
وتضيف أن جنديا ثانيا قال: «(سأستثمر 20 ثانية لكل هدف في هذه المرحلة، وأقوم بالعشرات منها كل يوم. لم يكن لدي أي قيمة مضافة كإنسان، باستثناء كوني وقعت بختم الموافقة. لقد وفر الكثير من الوقت) إنها صياغة مرعبة للمقال وتعكس حقارة لا مثيل لها من الكاتب والجريدة أيضا حيث يتم الحديث عن الفلسطينيين وكأنهم ليسوا بشرا! إنها شيء مقرف ومقزز تماما».
وتطالب الباحثة صوفان وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية عندما تقوم بنشر خبر من هذه الشاكلة أن تقوم بنشره بطريقة توضح قمة القذارة والحقارة التي كتب التقرير عبرها، من دون تكرار كلام فاقع مثل استخدام ذكاء اصطناعي في عمليات القتل وتحديد الأهداف.
وتكمل: «للعلم أن العاملين في مجال التقنية واللي عندهم ذرة ضمير يوجهون نقدا كبيرا للمقال لكونه يقوم على تطبيع عملية القتل الجماعي وفي المنتصف يقوم بسرد الأعذار، فالآلة عندما ترى شخصا من حماس تخبر الجندي بإلقاء قنبلة كبيرة وليس مهما أن تموت العائلات في ظل أن قيمته أكبر، وكما يقول جندي أنه في بعض الحالات نقوم بتوفير القنبلة الثقيلة عندما تخبرنا الآلة أن الهدف صغير».
وتطالب الباحثة صوفان بضرورة أن نتوقف عن الهوس بالكلمات اللماعة مثل: الذكاء الاصطناعي، وبضرورة التركيز على كيف لصحيفة الغارديان تنشر مقالا غير إنساني، وكيف يقوم الاحتلال بنشر، بكل صفاقة، انه ممكن يقصف بيت عائلة لو الآلة قالت له إنه في عنصر من حماس فيه، في ظل أن الاحتلال نفسه يقول إنه يقتل ويقصف الأطفال والمدنيين ويقر بذلك.
وتوجه دعوة لكل المتخصصين بالذكاء الاصطناعي من فلسطينيين وعرب بضرورة إصدار بيان يهاجم مقال الغارديان وليس سرد ونقل ما تضمنه المقال، لقد نفذوا جريمة كبيرة، وفوق هذا الإجرام يريدون دعاية مجانية للأدوات التقنية التي طوروها، لقد قصفوا غزة بما يوازي قنبلتين نوويتيين كون الآلة قالت لهم أنه يوجد 37 ألف هدف من حماس، وهم نفذوا ذلك القتل بسرعة فالآلة تقرر أما البشري فدوره الموافقة بكبسة زر.
شرعنة المجزرة
وعلق الباحث المقدسي خالد عودة الله على مقال الغارديان أنه وبصرف النظر عن مدى موثوقية الادعاءات الصهيونية حول استخدام الذكاء الاصطناعي في حرب الإبادة على غزة، فإن ما تقوم به إسرائيل هو ثورة في حروب الحداثة الاستعمارية، أي إيصال الثورة الرقمية في الشؤون العسكرية في بداية التسعينات إلى مداها الأقصى بإزاحة العنصر البشري من دائرة اتخاذ القرار بموت الخصم. ويضيف: «هذا جانب آخر لكونية الحرب على غزة».
ويكمل: «في الخطاب الاستعماري الغربي حول مجزرة غزة، تتكرر مقولتان الأولى: هذه معركة العالم المتحضر ضد البربرية والثانية: تتعلق بتفهم حالة الغضب والجنون للمستعمر الاسرائيلي، ينبئنا تاريخ المجازر الاستعمارية الطويل: بأنّ مقولة غضب المستعمِر وجنونه كانت تأتي دائما ًفي سياق تبرير همجيته غير الأصيلة فيه وانما هي طارئة عليه، أفقدته بربرية المستعمَر صوابه فتخلى عن أخلاقياته الحضارية.. باختصار، مقولة الغضب والجنون استراتيجية لحل التناقض ما بين ادعاء الحضارة والسلوك البربري عند المستعمِر بهدف شرعنة مجازره».
وحسب صوفان فإن الهدف من هذا التركيز على الذكاء الاصطناعي شرعنة وتبرير الجرائم أيضا، فماذا نفهم عندما ينشر أن «الذكاء الاصطناعي اختار 37 ألف هدف بشري للقضاء عليها في غزة دون تدخل بشري! فيما الجيش فضل قصف المنازل الخاصة للأفراد لأن ذلك أسهل وأرخص.
ومما أشار إليه التحقيق إلى أن الاهتمام لم يكن مركزًا فقط على قتل مقاومي حماس أثناء تواجدهم في المنشآت العسكرية أو أثناء أنشطتهم العسكرية، بل قصف الجيش الإسرائيلي منازلهم بدون مراعاة، كخيار أول. وأوضح التحقيق أنه من الأسهل بكثير قصف منازل العائلات المرتبطة بالمقاومين، وأن المنظومة العسكرية تم تصميمها للبحث عنهم في تلك الظروف.
وحسب «أ» وهو ضابط خدم في الاستخبارات العسكرية خلال العدوان الحالي على قطاع غزة، قال إنه، جنبًا إلى جنب مع خمسة ضباط آخرين في الاستخبارات، الذين قاتلوا في غزة منذ 7 أكتوبر، كشفوا عن سياسة القصف التي اعتمدت على الذكاء الاصطناعي في الجيش. هذه السياسة قللت من المشاركة البشرية في صنع القرار لتسريع إنتاج الأهداف والأدوات، وأسفرت عن استشهاد العديد من المدنيين.
ووفقًا لـ «سي» وهو أحد ضباط الاستخبارات العسكرية الذي تمت مقابلتهم أثناء إعداد التحقيق الصحافي، قال: «أنت لا تريد أن تضيع قنابل ذات تكلفة عالية على أهداف غير مهمة. إنها مكلفة للغاية بالنسبة لإسرائيل، وهناك نقص في القنابل».