غزل سياسي بين تركيا والنظام السوري والأخير يكشف عن لقاء مرتقب في بغداد

هبة محمد
حجم الخط
0

دمشق – «القدس العربي»: لم يتأخر الرد التركي على تصريحات رئيس النظام السوري بشار الأسد حول المبادرة الروسية المرتبطة بتطبيع العلاقات بين الطرفين، حيث أعرب الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، استعداده إعادة علاقات بلاده مع النظام في دمشق، وذلك في أعقاب كلمة أكد فيها بشار الأسد “انفتاحه على كل المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين سوريا وتركيا والمستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها ومحاربة الإرهاب وتنظيماته”.
وقال اردوغان للصحافيين، بعد صلاة يوم الجمعة: “سنعمل معاً على تطوير العلاقات مع سوريا بنفس الطريقة التي عملنا بها في الماضي، ولا يمكن أن يكون لدينا أبداً اهتمام أو هدف للتدخل في شؤون سوريا الداخلية، لأن الشعب السوري مجتمع نعيش فيه معاً كشعوب شقيقة”.
وأكد الرئيس التركي أن بلاده ليس لديها نية للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، وسبق ذلك، تصريح وزير الخارجية التركي، حقان فيدان الذي دعا فيه النظام السوري إلى استغلال حالة الهدوء ووقف إطلاق النار لحل المشكلات الدستورية وتحقيق السلام مع المعارضة، لافتاً إلى أن النظام “لا يستفيد من ذلك بما فيه الكفاية”، مؤكداً على توحيد سوريا حكومة ومعارضة من أجل مكافحة الإرهاب في الحرب ضد حزب العمال الكردستاني.
وكانت قد شهدت الأيام الفائتة تصريحات مماثلة من قبل المعارضة التركية، حيث قال رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي في تركيا أوزغور أوزال إنه “يقوم بمحاولات لترتيب لقاء مع الرئيس الأسد”.
وأضاف: “نقوم من جانبنا بما يسمى بالدبلوماسية غير الرسمية مع سوريا، وأفكر في الذهاب والاجتماع مع الرئيس الأسد في الأيام القليلة المقبلة إذا تمكنا من ترتيب ذلك. الحديث لا يدور عن لقاء بعد فترة طويلة، بل عن إمكانية عقد مثل هذا الاجتماع خلال هذا الصيف”.
الغزل السياسي بين الجانبين، جاء بينما كشفت وكالة النظام الرسمية “سانا” عن مبادرة روسية، حيث نقلت عن الأسد بعد لقائه المبعوث الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، الأربعاء، قوله إن “سوريا تعاملت بشكل إيجابي مع كل المبادرات، وإن نجاح أية مبادرة ينطلق من احترام سيادة الدول واستقرارها”، في إشارة إحياء مسار التطبيع مع تركيا. في غضون ذلك، كشفت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، الأحد، عن خطوات مرتقبة وجدية لعودة جلوس الطرفين السوري والتركي على طاولة الحوار، مؤكدة أن اجتماعاً سورياً- تركياً مرتقباً ستشهده العاصمة العراقية بغداد، و”هذه الخطوة ستكون بداية عملية تفاوض طويلة قد تفضي إلى تفاهمات سياسية وميدانية”، مشيرة إلى أن الجانب التركي كان قد طلب من موسكو وبغداد الجلوس على طاولة حوار ثنائية مع الجانب السوري ومن دون حضور أي طرف ثالث وبعيداً عن الإعلام للبحث في كل التفاصيل التي من المفترض أن تعيد العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها.
وتزامناً مع هذه التصريحات افتتح نهاية الأسبوع الفائت، معبر “أبو الزندين” التجاري الفاصل بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة السورية، في مدينة الباب شمال شرق حلب، بإشراف تركي ـ روسي.
التطورات المتلاحقة، والتصريحات السورية – التركية المتتابعة، جاءت وفق خبراء ومحللين لـ “القدس العربي” في سياق معطيات سياسية متغيرة على الصعد الميدانية والسياسية وحتى على صعيد المنطقة. وفي هذا السياق اعتبر الباحث لدى مركز الحوار السوري د.أحمد قربي أن التصريحات المتبادلة تأتي في سياق إقليمي ودولي، وفي ظل ظروف داخلية خاصة بكل دولة تدفع باتجاه التطبيع.

دوافع سورية وتركية

وقال لـ “القدس العربي” إن نظام الأسد هو الرابح الأكبر، والعدالة والتنمية من موجة التطبيع، لأن نظام الأسد سوف يستفيد سياسياً من هذا الأمر، دون أن يقدم أي تنازل، والعدالة والتنمية سوف يثبت لحاضنته تقديم خطوات في هذا المسار.
المحركان الأساسيان في مسار التطبيع بين تركيا ونظام الأسد، وفق رأي الباحث السياسي، هما محاربة حزب “بي واي دي” الكردي، وعودة اللاجئين، لكن النظام السوري لن يقدم فيهما أي تنازلات وبالمقابل يطالب النظام بانسحاب الأتراك وإيقاف دعم المعارضة وهذا كمصلحة تركية يهدد مصالح الأمن القومي التركي لأن تركيا تدرك أن انسحابها من سوريا والتخلي على المعارضة سينعكس سلباً على أمنها القومي وسيكون حزب “بي واي دي” على تماس مباشر مع حدودها الجنوبية.
ورغم ذلك فقد وصل التطبيع إلى مستوى الرؤساء الآن، حيث يبدو هذا جلياً نتيجة إلغاء شروط مسبقة، وفي هذا الإطار قال المتحدث: “ما أوقف مسار التطبيع عام 2022، هو أن النظام حاول رفع السقف ووضع شرط مسبق أصر فيه على انسحاب تركيا من شمال سوريا، ثم خفض السقف وأعلن قبوله بوجود جدول زمني وهذا الأمر رفض من قبل تركيا، أما الآن، وفي ظل التحركات وزيارة وزير الخارجية التركي إلى روسيا والمبعوث الروسي ولقائه مع بشار الأسد، يبدو حلحلة هذا الموضوع وبالتالي تركه للمفاوضات، ويعني أنه قد يكون هناك بالفعل لقاء بين الرؤساء في قمة زعماء دول منظمة شنغهاي في أستانا التي ستعقد يومي 3-4 تموز المقبل، والتي من الممكن أن يحضرها بشار الأسد”. وحول زوال أو تجاوز العقبات والخلافات بين الطرفين، جزم الباحث السياسي بأن هذا لم ولن يحدث، والخلافات لم تزل جوهرية، “لأن تركيا لن تتخلى عن المكاسب التي حققتها في سوريا، خاصة أنها مرتبطة بالأمن القومي التركي، ولدينا في هذا السياق ملفان أساسيان يحكمان تركيا، أولهما محاربة حزب “بي واي دي” الكردي، وعودة اللاجئين، وهذان الملفان- على وجه الخصوص- النظام السوري غير قادر ولا يريد أن يقدم تنازلات فيهما”.

المكاسب والمآلات

وأضاف: “قضية التطبيع ومكتسباته ومآلاته مثل التطبيع العربي فهو لم يحقق شيئاً، والمستفيد الوحيد هو نظام الأسد الذي عاد إلى جامعة الدول العربية وحصل على الأموال من بعض الدول، ولكنه لم يقدم شيئاً والدول العربية لم تكسب شيئاً”.
وعبّر المتحدث عن اعتقاده بأن هذا الأمر عندما سيصل إلى متطلبات عملية سوف يُظهر تناقضاً بالمصالح بشكل واضح لأن الملف السوي وصل إلى مرحلة الاستعصاء وكل دولة غير قادرة على المساومة على مصالحها سواء إيران أو تركيا وروسيا أو أمريكا.
صحيفة «الوطن» شبة الرسمية أشارت، الأحد، إلى أن خطوة إعادة التفاوض والحوار للتقريب بين أنقرة ودمشق تلقى دعماً عربياً واسعاً وخصوصاً من قبل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، كما تلقى دعماً روسيا وصينياً وإيرانياً، حيث تعتبر هذه الدول أن الظروف تبدو حالياً مناسبة لنجاح هذه المفاوضات، وهذا ما عبر عنه صراحة مبعوث الرئيس الروسي لافرنتييف خلال لقائه الرئيس الأسد، والذي قال إن الغاية هي النجاح في عودة العلاقات بين سوريا وتركيا.
وفي هذا الإطار، اعتبر مدير وحدة الدراسات لدى مركز أبعاد للدراسات، محمد سالم، أن التطورات الأخيرة تأتي ضمن مرحلة اختبار جديدة للعلاقة بين الطرفين، تدخل فيها إيران على الخط إلى جانب روسيا والعراق.

شروط المصالحة

وحول شروط المصالحة، قال لـ”القدس العربي”: “ما تريده تركيا من النظام السوري أن يتعاون معها في مسألتين أساسيتين وهما مسألة إعادة اللاجئين السوريين ومسألة التنسيق المشترك للتخلص من قسد وحزب العمال الكردستاني. معتبراً أن النظام السوري غير راغب ولا قادر على تحقيق هذه المصالح التركية، ولكنه يمكن أن يعد بتحقيقها ولو جزئياً كما يمكن لتركيا أن تعد بتحقيق ما يريده النظام من الانسحاب من شمال السوري ولو بعد حين وعلى هذا الأساس يمكن أن تتطور العلاقات تدريجياً وببطء”.
وتحدث مدير وحدة الدراسات لدى مركز أبعاد عن الدور الروسي في الوساطة بين الطرفين، لافتاً إلى وجود طرف جديد هنا “هو الدور الإيراني وهو الأكثر تأثيراً على النظام السوري والذي يقف عملياً خلف الوساطة العراقية بشكل أو بآخر”، معتبراً أن هذه التطورات تأتي ضمن مرحلة اختبار جديدة للعلاقة بين الطرفين، رغم وجود الكثير من العقبات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية