«غزوة» الكونغرس: آخر كوارث ترامب؟

حجم الخط
23

تابع العالم بذهول كبير، أحداث يوم اقتحام أنصار للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمبنى الكابيتول، مركز مجلسي النواب والشيوخ، بدءا من وقوف ترامب بين أولئك الموالين له، حيث استمرّ بتكرار مزاعمه حول «سرقة» الرئاسة منه، ومهاجما، كالعادة، كل من يخالفونه، بمن فيهم نائبه الحالي مايك بنس، لأنه رفض استخدام موقعه كرئيس لمجلس الشيوخ لعرقلة تنصب الرئيس الفائز جو بايدن، وقضاة المحكمة العليا، التي لم تستجب لطلباته باستخدامها لمنع وصول خصمه جو بايدن للرئاسة، رغم أنه عمل على مدى السنوات الماضية على زيادة عدد المحافظين المؤيدين له داخلها.
ترامب، الذي رفع منذ فترة حملاته الانتخابية عام 2016 شعار «فلنرجع أمريكا عظيمة مجددا» تمكن، خلال «غزوة الكونغرس» من تسديد أكبر الضربات المهينة لصورة الولايات المتحدة الأمريكية كدولة ديمقراطية، بتحريض المتطرّفين من أنصاره على الهجوم على مركز إصدار القوانين وتمثيل الأمة الأمريكية، وأحد أهم المواقع الرمزية للعظمة التي يتغنى بها، وبإهانته كل عناصر هذه العظمة، بدءا من مؤسسة الرئاسة نفسها، التي أصبحت، خلال حكمه، مركزا لإطلاق الأكاذيب، وإثارة الغرائز، وتحريض قسم من الشعب على القسم الآخر، مرورا بالمحكمة العليا، المنوطة بحماية الدستور والقوانين، ومجلسي النواب والشيوخ، اللذين تعرضا للاقتحام، ولمحاولة التلاعب بهما بكافة الأشكال الممكنة، ومرورا بالقضاء والأجهزة الحكومية، والمؤسسات الأمنية، وانتهاء بالإعلام، الذي كان محطا لهجماته وإساءاته.
حفلت عملية الاقتحام بإشارات رمزيّة كبيرة، منها رفع أنصار ترامب لعلم الولايات الانفصالية خلال الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1864) وظهر أحد المقتحمين داخل الكابيتول واقفا أمام لوحة سياسي كان من أبرز المدافعين عن العبودية كما ظهر بعض الأنصار حاملين علم إسرائيل، وجلس آخر في مكتب رئيس مجلس النواب، الديمقراطية نانسي بيلوسي، وكتب بعضهم على أحد الأبواب «اقتلوا الإعلام» وكلّها رسائل مبطّنة تدعو للحرب الأهلية وإعادة العبودية ومناصرة إسرائيل واحتقار الديمقراطية والإعلام.
أشكال التعبير الأولى عن هذه الكارثة التاريخية الأمريكية يمكن تلمسها من تعليقات بعض مسؤولي الأنظمة الدكتاتورية، الذين وجدوا في هذه الأحداث مناسبة لتبرير قمع شعوبهم، وللسخرية من النظم الديمقراطية، كما فعل رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي الذي قال إن الولايات المتحدة «لن تكون قادرة بعد الآن على فرض وتحديد معايير الانتخابات في الدول الأخرى» فيما علّق مسؤول صيني مشبّها ما حصل من اقتحام للكونغرس بالاحتجاجات الشعبية ضد بكين في هونغ كونغ، بل إن بعض أنصار الاستبداد العربيّ وجدوا في ما حصل مناسبة للتشنيع على الحراكات العربية وأشكال الاحتجاج ضد الأنظمة المتسلطة والفاسدة.
انتبه بعض المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين لهذه النقطة، فأشار وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس إلى أن «أعداء الديمقراطية سيسعدون برؤية هذه الصور المروّعة» وكان بعضهم أكثر دقة بتحميله المسؤولية مباشرة لترامب، كما فعل وزير الخارجية الأيرلندي سيمون كوفيني، الذي وصف ما حصل بـ»اعتداء متعمد على الديمقراطية من قبل رئيس حالي» ورئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أردرن التي قالت إن «الديمقراطية لا ينبغي أبدا إبطالها على يد الغوغاء».
إضافة إلى كلمات العار والفوضى والانقلاب، التي استخدمتها وسائل الإعلام العالمية لتوصيف ما فعله ترامب وأنصاره، وإغلاق وسائل التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر وانستغرام لحساباته، ودعوات نواب لعزله قبل أسبوعين من انتهاء ولايته باعتباره «مريضا عقليا» واقتراح آخرين لسجنه في غوانتانامو، لا بد أن كثيرين في العالم كانوا يأملون في انتهاء «إنجازات» ترامب، الذي بدلا من «إعادة أمريكا عظيمة» فقد أصبح الرئيس الأول منذ 90 عاما، الذي يخسر محاولة الاستمرار في الرئاسة لولاية ثانية والأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، وختم حكمه بهذه الطريقة المريعة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبدالرحمن:

    هكذا يتبدى شوفانية ترامب التي أعمى بصيرته وبصره ودفعته إلى ضرب نتائج الانتخابات عرض الحائط لكي يظل على هرم الرئاسة.

  2. يقول دحماني محمد - الجزائر:

    أظن من ايجابيات فترة حكم الرئيس ترامت أنها أظهرت حقيقة من يحكم أمريكا هذه الأمبراطورية العظمى . فالذي يحكم أمريكا أقلية أوليقارشية متحكمة في كل مفاصل الدولة الأمريكية و في كل المجالات من اقتصاد و اعلام و ادارة . هذه الأقلية لا تريد من ينازعها السلطة و النفوذ ، فطوال فترة حكم ترامب حاولت هذه الأقلية مستعملة شتى الطرق اضعاف و ابعاد الرئيس عن المشهد لكنها فشلت بسبب الشخصية القوبة التي يتمتع بها الرئيس و المتصفة بالعناد و عدم الإستسلام . كما أظهرت هذه الفترة حقيقة حرية الإعلام و التعبير في أمريكا فقد استعملت هذه الأقلية المتحكمة في رقاب الشعب الأمريكي الإعلام لتشويه سمعة الرئيس و اضعافه و انحازت كلية للطرف الآخر في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة و لم تكتفي بذلك بل أغلقت جميع حسابات الرئيس في مواقع التواصل الإجتماعي في الساعات الأخيرة حتى لا يعبر عن رأيه و يتواصل مع الشعب الأمريكي.

  3. يقول محمد حاج:

    دعونا نتفرج عليهم ولو قليلا ، لقد تفرجوا على مشاكلنا عقودا من الزمن ، وساعدوا الصهاينة في سفك الدماء لشعوبنا ، فبُعِث لهم ترامب ليكشف اخلاقهم الحقيقية .

  4. يقول الكروي داود النرويج:

    آخر كوارث ترامب ستكون مع إيران!
    ترامب ينتظر أي سبب لذلك بأحر من الجمر!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول أحمد طراونة-لندن.:

      لن يكون ذلك…فاتتة هذه الفرصة الآن…

    2. يقول أحمد طراونة-لندن.:

      إيران لا يستطيع كبح جماحها غير العرب، ولكن عرباً غير هذه العرب…

  5. يقول علي:

    ذكرتني غزوة الكونجرس بغزوة الاتحادية. كان الجنرال الانقلابي وهو يعد لخطة الاستيلاء على السلطة وإسقاط الرئيس المنتخب محمد مرسي رحمه الله، يجيّش البلطجية والبلاك ووتر، والناشطين المشتاقين للحكم ،يشعل المظاهرات ويؤلب الكنيسة ضد النظام الديمقراطي، ويدعم السخط العام بقطع الكهرباء ومنع محطات الوقود من تزويد السيارات، ووجه أتباعه بطريقة غير مباشرة إلى قصر الرئاسة في كوبرى القبة المسمى الاتحادية، ولا أنسى مشهد الجرافة التي قادها شخص مجهول واقتحم بها بوابة الاتحادية، ولم يحاسبه وزير الدفاع ولا وزير الداخلية ولا قائد الحرس الجمهوري الذي كان يفترض أن يكون درعا للرئيس، وقد كوفئ على خيانته فصار وزير ا للدفاع!
    ظن الرئيس أن الدولة العميقة في مصر ستحميه،ولكنها كانت من أنصار الانقلاب وداعميه للأسف الشديد.

  6. يقول ابن الاردن:

    كان لا يرى من امريكا غير نفسه، مستهترا متعنتا انحدر بهيبة الرئاسة في امريكا ، لا يعرف شيئا من لغة الدبلوماسيه ،كان يتوهم بالمؤامرة عليه من الاعلام والصحافة. والمشرعون من الحزب الديموقراطي ، القضاء والمحاكم حتى محكمة العدل العليا، لذلك اتخذ قرارا بالنيل من الكونغرس ، لقد اطلق الرصاص على رجليه ، وهذه النهاية التي يستحقها ،

  7. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    كارتر نهاية عام 1979 لم يحصل على الدورة الثانية كذلك!
    (أي منذ حوالي 40 عام)
    لكن ربما المقصود الذي ورد في نهاية المقال ،أنه خسر كل من الدورة الثانية مع الاغلبية في مجلسي النواب و الشيوخ معاً…
    وحقيقة هذا اكبر اخفاق حققه ترامب للحزب الذي ينتمي اليه على الرغم من انه حصل على رقم قياسي من مجموع أصوات الناخبين لأي رئيس خاسر و ثاني اكبر عدد بعد رئيس فائز، هو بايدن نفسه بطبيعة الحال!
    هذا الوضع يدل على انقسام هائل في الشعب الامريكي تسبب به هذا المقامر..

    اعتقد ان الخطوة التالية المتوقعة من رجل بشخصية ترامب، هو انه سيقوم بتأسيس حزب خاص به يقوم بترأسه و سيجعل من ايفانكا ابنته نائبة لهذا الحزب، و ربما سيخوضا الانتخابات القادمة….
    لذلك على مؤسسة الحكم فعل شئ من خلال تقديمه للمحاكمة للجم جنونه و اندفاعاته غير المحسوبة.
    خلاف ذلك ، ممكن أن يتسبب بضرر كبير لسمعة الولايات المتحدة المتلطخة اصلاً

  8. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    البعض و بغرابة يسمي وقاحة ترامب انها صراحة و يمدحه لذلك على اعتبار انه ليس بوجهين!!
    هل علينا أن نشكر القاتل و نمتدحه اذا وجه طلقاته لنا من الامام و ليس من الخلف؟!
    سبب وقاحة و ليس صراحة هذا الرجل ،أنه ببساطة ليس سياسي و لم يمارس في حياته السياسة، هو مجرد تاجر و مقامر، يفعل المستحيل لكي يربح حتى لو تطلب ذلك البصق بوجه خصمه او حتى ارداءه قتيلاً!

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية