غسيل المخ الأممي؟

حجم الخط
0

يعني مصطلح ‘غسيل المخ’ قيام جماعة ما بالتلاعب بعقول جماعة بشرية أخرى عبر عمليات غير أخلاقية منتظمة بغرض اقناعها بوسائل قهرية باتباع أفكار وسلوكيات معينة مضادة لثقافتها ومصلحتها الخاصة، وهناك صور متعددة لذلك، فهناك غسيل مخ سياسي، غسيل مخ اقتصادي، غسيل مخ ثقافي، وهلم جرا.
تعرض العالم الاسلامي للكثير من عمليات غسيل المخ الأممي، فبعد ظهور الشيوعية الملحدة والاقتصاد الاشتراكي، تمكن الإعلام الاشتراكي من غسل أدمغة الكثيرين وتم إنشاء الأحزاب اليسارية في أغلب الدول الاسلامية، ثم راحت مبيعات مصانع السلاح الغربية والشرقية تحقق أعلى المبيعات بعد تأجيج الصراع بين اليساريين والديمقراطيين والاسلاميين من نفس الملة، وحتى بعد السقوط المدوي للشيوعية ،مازال بعض الأجداد الشيوعيين والاشتراكيين القدماء يصرون على التمسك بديناصورات فكرية منقرضة ومنهم بشار الاسد الذي مازال متمسكاً باشتراكية بعثية ملحدة ماتت منذ عهود ومن المفارقات السياسية الكبرى أنه مازال يحاول إعادتها للحياة عبر إعلان جهاد ديني طائفي ضد الثوار السوريين! أما بعض بني يسار فقد تحولوا إلى تأييد الديمقراطية الرأسمالية التي كانوا يعادونها بشدة دون الشعور بأي خجل سياسي! مرة أخرى، جرى غسيل مخ أممي وتمكنت وسائل الإعلام الرأسمالية من نشر الديمقراطية اللادينية والاقتصاد الرأسمالي الربوي في العالم الاسلامي وراحت مبيعات مصانع السلاح الغربية والشرقية تحقق أعلى المبيعات بعد تأجيج الصراع بين الاسلاميين والليبراليين واليساريين من نفس الملة، رغم ظهور مؤشرات قوية على تصدع النظام الديمقراطي اللاديني في أقوى الديمقراطيات الغربية، وما تكاثر المظاهرات مؤخراً ضد الاجراءات الاقتصادية التقشفية في عدة دول غربية وقيام مواطن غربي بحرق نفسه في قمة برج ايفيل قبل أيام قلائل احتجاجاً على قانون اباحة زواج المثليين إلا مثال صغير على بدايات ذلك التصدع الكبير، هناك أيضاً تداعيات كارثية لغسيل دماغ ديني مذهبي مسنود دولياً يسقط بسببه مئات القتلى والجرحى يومياً في سوريا والعراق حيث يتم استحضار العداوات التاريخية وتزويد الفرقاء المتقاتلين من ذات الشعب بالسلاح من أجل قتل أنفسهم وتدمير بلادهم نيابة عن أعدائهم العقائديين المنشغلين باحصاء عائدات السلاح المليارية!
فكيف يُمكن للعقل الاسلامي أن يُواجه مخاطر عمليات غسيل المخ الأممي ويحد من مخاطرها لأقصى درجة؟ المؤكد أن لا أحد يستطيع استعمار أي أمة من الأمم إلا إذا كانت لديها قابلية للاستعمار، المؤكد أيضاً أن الرجوع للأصول الاسلامية الوسطية في السياسة والاقتصاد والاجتماع المسنودة بفهم مستنير للمستجدات العصرية والمحكومة بدستور اسلامي معتدل يمنع هدم الأصول الدينية الوسطية ويحفظ حقوق الأقليات في ذات الوقت هو السبيل الوحيد لمواجهة مخاطر عمليات غسيل المخ الأممي، فقد تعب المسلمون من تبنى جهالات الآخرين التي تُصدر لهم من الشرق والغرب في أشكال براقة ثم يتقاتلون من أجلها ثم يثبت في نهاية المطاف أنها كانت مجرد خزعبلات وليست حتميات أو نهايات تاريخية، ولعل أكبر المفارقات الفكرية هي أن كثير من المسلمين قد أضاعوا الكثير من الوقت الثمين وهم يبحثون عن الحكمة عند الآخرين رغم أنها كانت موجودة معهم طوال الوقت وكان الأولى بهم أخذها من أنفسهم ثم تصديرها للآخرين الذين ما زالوا يتخبطون وسط المذاهب المتطرفة التي تغلب الاحتياجات المادية على الاحتياجات الروحية، وخــــتاماً، يُمكن القول بإيمان ثابت: إنه رغم كل المرارات الواقعية المثيرة للاحباط ، فإن الاسلام الوسطى المعتدل الملبي للتوازن المادي والروحي قادم بقوة ولو كره الاشتراكيون القدماء أو الديمقراطيون الجدد!

فيصل الدابي- المحامي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية