غضب الطبيعة والعرب وسوريا هروب «بوراوي» أم مزايا التجنيس الفرنسي؟

زلزال «القيامة»، كما وصفه البعض. زلزال مدمر شد أنظار الكون والعالم العربي بشرقه وغربه، وما قام به من شد جسور التضامن بالقلب أولا والدمع ثانيا، ثم بواسطة الجسور الجوية والمساعدات.
كل بلد استذكر ما خلفته زلازله، التي عرفها قديما أو حديثا من هلاك الأرواح ودمار البنى التحتية. ومهما اختلفنا مع السياسيين وسياساتهم، فصور إرسال المعونات وفرق الانقاذ والأطباء في زمن الحصار المتعدد تبعث بصيص أمل في النفوس. وكما للسياسة حسابات أخرى، أيضا للمتضررين وللغرقى وسط أكوام الإسمنت والحديد، القابعين تحت الأنقاض في ظلمات الموت المترصد بهم، حساب وحيد هو التمسك بيد إنسان أو قبضة معول أو نباح كلب يحس بأنفاسهم ويحررها، ويخرج الجثث لدفنها. تسارعت ردود الأفعال عن الزلزال، ومسبباته، سواء كانت «طبيعية» أو «مما اقترفت أيادي البشر». وكثرت الأصوات المنددة بالتضامن غير العادل تجاه سوريا المنكوبة أصلا. وانتشرت الخريطة التي توضح مسار الطائرات الدولية المتجهة نحو تركيا، والتي تجاهلت سوريا كليا. ومع هذا سارعت بعض الدول بـ»فك الحصار» على البلد العربي بإرسال مساعدات عينية وفرق الانقاذ من الحماية المدنية، مثلما فعلت الجزائر، التي كانت سباقة لذلك. وما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي من صور رجال الحماية المدنية، سواء الجزائرية أو التونسية، والإشادة بجهودهم وشجاعتهم وحرفيتهم، يجعلنا نتوقف عن الأعداد التي أرسلها كل بلد. ماذا كان نصيب سوريا من إمدادات الإغاثة العربية في مثل هذه المحنة الرهيبة؟ أرسلت الجزائر 86 عونا من الحماية المدنية، أو أكثر لسوريا و89 عونا لتركيا. وتكونت فرق الحماية المدنية الجزائرية، من المعنية بالإنقاذ والبحث وعلى رأسها «السينوتقنية» المعززة بالكلاب المدربة، إضافة الى أطباء وأخصائيين نفسانيين ومساعدين شبه طبيين وفرقة مختصة في المواد الكميائية. هذا حسب ما جاء في موقع «الجزائر الآن»، وبعد إنقاذ ما تم إنقاذه غادر الفريق سوريا المنكوبة ليلة الإثنين، من مطار حلب. وقد أشاد بمجهودات الحماية المدنية الجزائرية إضافة إلى مسؤولين كبار في سوريا، بعض الفنانين، وعلى رأسهم ديما قندلفت، وتناقلت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تغريدتها على تويتر «الجزائر الحبيبة». على خلفية «عاجل وصول طائرة جزائرية الى مطار حلب الدولي على متنها فريق مكون من 110 أشخاص من الحماية المدنية للمشاركة في عمليات البحث والانقاذ».
كما أشاد أيضا رواد مواقع التواصل الاجتماعي بمجهودات الحماية المدنية التونسية، التي أرسلت فرقتين «مجهزتين بأحدث التكنولوجيات الدولية المستعملة في البحث تحت الانقاض مع مجموعة من الأنياب. كما رافق البعثتين الهلال الأحمر التونسي وخيرة من أطباء الحماية المدنية والصحة العمومية إلى الدولتين المنكوبتين» (من صفحة الإدارة الجهوية للحماية المدنية في صفاقس».
وكتب دبابي معز «وحدات الحماية المدنية التونسية في سوريا وتركيا محل حديث أغلب وسائل الإعلام العالمية. عمليات بطولية وكفاءة عالية، شرفتم الوطن، وشرفتم كل الأمنيين والشعب التونسي».

قصة هروب أميرة بوراوي

عاد جدل التجنيس بالجنسية الفرنسية تحديدا، أو الحاملين للجنسية الفرنسية من الجزائريين، بعد اكتشاف حيازة أميرة بوراوي للجنسية الفرنسية. وإن تضاربت الأقوال عن عدد الجزائريين المقيمين في فرنسا بين الرئيس الجزائري والجانب الفرنسي، حيث تم تعدادهم من الطرف الجزائري بستة ملايين. بينما الجانب الفرنسي قال بعدد أقل. وهذا حسب الباحث في المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية باتريك سيمون، الذي وجد أن عدد المغتربين الجزائريين وصل إلى 871 ألفا. وحسب رأي هذا الباحث فإنه يعتبر المغتربين هم الأشخاص الذين ولدوا في الجزائر ويسكنون في فرنسا. مضيفا «ومع ذلك، وحتى لو أخذنا أطفالهم وأحفادهم المولودين في الخارج، فإن الرقم الإجمالي ما زال أقل من 3 ملايين»، لأن «الأرقام الدقيقة التي كشفت عنها السلطات الفرنسية أبعد ما تكون عن الستة ملايين المعلن عنها هنا وهناك» (من موقع «دزاير ديلي».
كما يقدر عدد الجزائريين الحاملين للجنسية الفرنسية، والمقيمين في الجزائر، بين 500 ألف و800 ألف. وهو عدد معتبر، حسب البرفيسور جمال لعبيدي. يعيش مزدوجو الجنسية، في سرية، وعدم كشف «المستور»(حسب مدونة ميديا بارت).
وفي هذا السياق انفجرت قضية الحقوقية بوراوي، لأنه، وإن كان الحصول على الجنسية الفرنسية امتيازا متعدد الأوجه، إلا أنه أيضا يبقى موسوما بصفات سلبية ترتبط بالماضي الاستعماري، وبدرجة الولاء والوطنية، فما الجديد في حيازة «بوراوي» للجنسية الفرنسية، ولماذا انشغل الرأي العام في الجزائر وتونس وفرنسا بالموضوع؟ والسؤال المهم كيف لمعارضة وحقوقية وطبيبة، أن تهرب من الجزائر عبر الحدود الجزائرية ومن مطار تونس الدولي «كاللصوص وتجار الممنوعات»؟ وكيف تخطت عدم منحها التأشيرة الفرنسية بمطار ليون؟ وهل هذا امتياز قد يحظى به أي حامل للجنسية الفرنسية، أم هو استثناء؟
يمكن الإجابة، وعلى الفور بالقول إنه أكيد استثناء. في نهاية المطاف يتعلق الأمر بدخول الجانب الفرنسي بكل ثقله في القضية. كما تناقلت وسائل الإعلام المحلية والدولية. وهذا ما نقرأه في منشور «فردوس شيماء راديو الجزاير»، هذه تفاصيل هروب أميرة بوراوي إلى فرنسا، حيث تم «إجلاؤها إلى فرنسا عبر تونس بتنسيق مع السفير الفرنسي هناك، وكان في انتظارها في مطار ليون عقيد في المخابرات الفرنسية. قام بالتنسيق والتخطيط والتحضير لتسفيرها نحو فرنسا بطرق غير قانونية» الى فرنسا. وحسب ما أضافت صاحبة المنشور، فإن عملية الرفض سرعان ما تم القفز عليها، بعد أن تدخل العقيد في المخابرات الذي كان ينتظر الناشطة في مطار ليون، حيث أنهى كل المعاملات، وتمكن من إخراجها من المطار، رغم قرار الشرطة الفرنسية، التي رفضت المصادقة الرسمية على وثائق دخولها». فرنسا أيضا بلد التجاوزات وضرب القوانين عرض الحائط، لكن ليس لأي سبب؟
ومما نقرأ على المنشور نفسه أن «الصحافة الفرنسية تناولت خبر دخول بوراوي إلى فرنسا، وكتبت أنها دخلت التراب الفرنسي، تحت الحماية الفرنسية، كما جاء في صحيفة «لوفيغارو»، التي عنونت مقالا لها «المناضلة الفرانكو جزائرية أميرة بوراوي «حرة» و»تحت حماية السلطات الفرنسية»، وهو العنوان، الذي تم اقتباسه من تصريح المحامي الفرنسي، فرانسوا زيمرلي، الذي يدافع عن بوراوي، كان قد أدلى به لوكالة الصحافة الفرنسية، فرانس بريس». وهذه الخلفيات ما جعلت الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي يمتعضون ويسخطون على الأمر على صفحة «غرفة التحقيق». وحول ما وراء هروب بوراوي «صحيح أن فرنسا كشفت أوراقها وعملاءها بعد أن خططت لتهريب أميرة بوراوي، عبر تونس لتضعها تحت حمايتها، خاصة وأن هذه السيدة محل متابعات قضائية في الجزائر وممنوعة من مغادرة التراب الوطني».
ويضيف المنشور «تهريب فرنسا لهذه الناشطة بتلك الطريقة هو دليل على أن الجزائر اليوم ليست جزائر الأمس. وأن العملاء والخونة أصبحوا يستنجدون بأمهم فرنسا لإخراجهم من الجزائر، بعدما تحررت الجزائر من التبعية الفرنسية بفضل الثورة السياسية، التي فجرها الزعيم تبون، ومن معه من المخلصين الشرفاء. هروب بوراوي فضيحة لفرنسا ولأزلامها، وهو انهزام ذريع لخطة فرنسا، التي لم تستطع أن تحمي عملاءها داخل الجزائر الجديدة، ولم تستطع أن تتحفظ على أسمائهم الذين نصبتهم داخل الحراك».
وفي الأخير يصل أصحاب المنشور للقول «علينا أن نشكر فرنسا على كشفها عن عملائها، الذين زرعتهم، لكن الثورة التي يقودها تبون كللت بنجاح دون خسائر، بل زادت التيار الوطني قوة وصلابة وثقة في النظام الجزائري، الذي أكد مرة أخرى إخلاصه وصدق نواياه لبناء جزائر جديدة قولا وفعلا».
وما زالت مختلف منصات التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام المختلفة، تطلعنا على مواقف إزاء هذه القضية، حسب وجهات نظر متعددة. هناك من يرى أن القضية مجرد فبركة سياسية مثل عيسى علي بلواضح، الذي كتب على صفحته على فيسبوك «قراءة من زاوية أخرى»: أميرة بوراوي كغيرها من العناصر العلمانية لا تستاهل كل هذا التهويل والتطبيل. وليست تشكل خطرا على النظام، وأصلا قضيتها لا شيء. كل ما في الحكاية قد يكون الأمر متعلقا بفبركة قضية هروب بالتنسيق من جهات أمنية فرنسية حتى تتم اقالات على مستوى أجهزة الأمن الجزائرية. ويتم تعيين عناصر تابعة لجناح الحاكم، حتى يحكم قبضته على دواليب الحكم. ويضمن سير الانتخابات الرئاسية بشكل سهل ومتحكم فيه، بعيدا عن المفاجآت. ومثله في تونس كذلك إقالة العناصر الأمنية واستبدالها بعناصر تابعة لجناح الحكم في تونس. فكان اختراع قضية هروب أميرة بوراوي لتقبل الاقالات لدى الرأي العام. ومن المحتمل عودتها بعد أشهر. وإصدار حكم قضائي شكلي في حقها. وإظهار أن السلطة أخضعت فرنسا واسترجعت أميرة بوراوي. في مشهد يعزز قوة السلطة الحاكمة ودخولها الانتخابات الرئاسية بصورة المنتصر». كما نقرأ منشورا يوحي بالتضامن مع أميرة بوراوي للأستاذ ناصر جابي، الذي كتب على صفحته على فيسبوك «طبيبة مختصة ومناضلة سياسية شجاعة، وابنة ضابط في الجيش. فرض عليها التسيير السياسي القمعي، الفرار إلى فرنسا لكي تحمي نفسها. سيناريو بشع». كما تطرقت إذاعة «موزاييك أف أم» للموضوع على اليوتيوب، مع إدراج مقاطع من مقابلة بوراوي على قناة «تي في 5 موند»، حيث بدت بوراوي متكتمة على من ساعدها في الهروب من الجزائر وبأن سجن الصحافي مصطفى بن جامة، الذي اتهم بمساعدتها، لا أساس له من الصحة وأنها غادرت تونس بعد محاكمتها ومنحها جواز سفرها من طرف القاضية التي استمعت إليها بعد ثلاثة أيام من الحجز. والتي أعطتها موعد 23 فبراير/شباط الجاري لتعود وتقف أمام المحكمة. وبعد خروجها من المحكمة واختطافها من طرف عنصرين من عناصر الأمن، تدخل سفير بلدها الثاني فرنسا وسفرها إلى ليون».
المهم تسببت بوراوي في أزمة دبلوماسية بين الجزائر وتونس وفرنسا. وبسببها تم إقالة وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي، واستدعاء سفير الجزائر في فرنسا. ويبدو أن القضية ستذوب شيئا فشيئا، وستعود بوراوي للجزائر عودة الأبطال. كما تعودنا أن يعود من عودهم لم يكن محمودا!

٭ كاتبة من الجزائر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول houria:

    ربي يقدر الخير

  2. يقول خليفة:

    صار عملاء فرنسا ينكشفون الواحد تلو الاخر

  3. يقول فاضل:

    ما اعتقد لن تبون نجح في شيى بل يبدو كمتخبط تلاطمت في وجهه التحديات ودليل ذلك انتشاءه بزيارة الماكر ماكرون

  4. يقول غزاوي:

    مجرد تساؤل.
    وهل هذا امتياز قد يحظى به أي حامل للجنسية الفرنسية، أم هو استثناء!!!؟؟؟
    ما حظيت به بوراوي فوق الامتياز والاستثناء، فهي تحت حماية دولة بكامل أجهزتها.
    جاء في المقال ما نصه:
    “الصحافة الفرنسية تناولت خبر دخول بوراوي إلى فرنسا، وكتبت أنها دخلت التراب الفرنسي، تحت الحماية الفرنسية ” انتهى الاقتباس.
    ما سخرته فرنسا من وسائل دبلوماسية وقنصلية وأمنية واستخباراتية، ومخاطرة بعلاقاتها مع تونس والجزائر ومغامرة بمخالفة القوانين الدولية والثنائية، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن السيدة “أمير” إسم على مسمى، ليس كمثلها شيء. ولها حظوة أكثر من لو كانت مواطنة من أصل فرنسي، بسبب الدور التي كانت تقوم به في الجزائر لصاح بلدها الجديد والوحيد فرنسا.

إشترك في قائمتنا البريدية