غضب عائلات الأسرى الإسرائيليين يتصاعد ويضيّق الخناق على نتنياهو وأطماعه في الحرب على غزة

وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة- “القدس العربي”:

مع دخول الحرب على غزة شهرها الثالث، أكّد قادة الاحتلال ليلة أمس، أنها مستمرة حتى تحقيق أهدافها الثلاثة. ولكن التفاعلات على أرض الواقع من الممكن أن تمنعه من ذلك، خاصة إذا ما التقت عدة عوامل ومؤثرات داخلية وخارجية: استمرار صمود المقاومة الفلسطينية داخل القطاع رغم إلقاء الجحيم عليه، وقتل عدد متزايد من الجنود الغزاة، وتصعيد عائلات المحتجزين الإسرائيليين احتجاجاتها وضغوطها لاستعادتهم الآن وتأجيل الحرب، وتحوّل موقف البيت الأبيض تجاه الحرب التي طالت أكثر مما توقع وتزداد شبهاته بأن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يخلط الحسابات ويعمل على إطالتها لغاية في نفسه وضمن حساباته بالبقاء في سدة الحكم.

في المرحلة الحالية من الحرب التي تقول مصادر إسرائيلية إنها تشهد ذروة القتال الشديد، تبدو مسألة وجهة عائلات الأسرى الإسرائيليين عاملا مهما من شأنه أن يؤثّر بشكل فعال على مستقبل الحرب. منذ بدء الحرب على غزة، زعمت حكومة الاحتلال أن التوغّل البري في السابع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر هو الذي دفع حركة حماس لقبول الهدنة وإعادة نحو 100 من المخطوفين، وهذا ما كرره ليلة أمس الثلاثي نتنياهو، غالانت وغانتس في مؤتمرهم الصحافي المشترك.

بيد أن عائلات الأسرى المتبقين في غزة باتت لا تثق بهذه المزاعم خاصة بعد مرور 60 يوما وفي ظل قصف متوحش من شأنه قتل أقاربهم أيضا، وتطالب بتجديد المفاوضات مع حماس حتى بثمن وقف الحرب. ومما يزيد من أزمة الثقة لدى هذه العائلات مشددوة الأعصاب وغيرها بالحكومة، ومدى صدق مزاعمها بأن استعادة المحتجزين هو هدف رئيس وبمدى أهليتها بإدارة هذه الحرب هو الكشف عن المزيد من إخفاقاتها بالفساد في إدارة شؤون الجبهة الداخلية، إضافة للكشف عن مظاهر الانشغال بحسابات السياسة والبقاء في السلطة.

هذا من شأنه أن يدفع عائلات المحتجزين لتصعيد الاحتجاج في حملة واسعة تطالب الحكومة بوقف الحرب من أجل استعادة أقاربهم أولا تنضم لها أعداد كبيرة من الإسرائيليين وتؤيدها الصحافة العبرية خاصة بعد المزاعم المعلنة عن “التعذيب والحرمان والتنكيل وخطر الموت بسبب القصف الإسرائيلي” الذي يتعرّض له الأسرى في غزة.

اجتماع محتدم ومتفجر

وحسب تسريبات صحافية إسرائيلية فقد كان اجتماع عائلات الأسرى مع مجلس الحرب أمس محتقنا ومتفجرا تخللّه صراخ واتهامات لنتنياهو وخلافات بين العائلات نفسها بين من يؤيد وقف الحرب، ومن من يتحفظ على ذلك بلغ حد العراك.

وتوجه والد أحد الجنود الأسرى لنتنياهو وغالانت وغانتس بالقول غاضبا: “كنت قد أعطيتكم قلائد تحمل اسم وصورة ابني كي تحملوها فأين هي؟

وفي محاولته امتصاص غضب والد الجندي الأسير، قال نتنياهو إنه وضع القلادة بجانب سريره داخل بيته، لكن هذا لم يهدأ من روع الوالد، بل بالعكس، فقد واصل هجومه على أعضاء مجلس الحرب وصرخ في وجوههم: هل تخجلون من حمل قلائد الجنود الأسرى بسبب فشلكم؟

وفي هذا الاجتماع الذي تهرب مجلس الحرب منه عدة مرات، قال نتنياهو للعائلات إن الهدف الأعلى للحرب استعادة الأسرى، لكنه استنكف عن الإجابة على أسئلتها بل قرأ نصا مكتوبا سلفا. ونقلت تسريبات من الاجتماع أن نتنياهو قد قال للعائلات إنه من غير الممكن إعادة كل الأسرى، وسأل العائلات: “هل هناك من يخطر في باله بأنه لو كانت هناك إمكانية كهذه هل كان أحد ليرفضها؟”، وقالت سيدة إسرائيلية عادت من الأسر بصوت عال جدا: “زوجي مخطوف وهو داخل الأنفاق في غزة وأنتم هنا تتحدثون عن غمرها بمياه البحر. أنتم تضعون الحسابات السياسية فوق مصلحة المخطوفين”.

قصف الطائرات يهدد الأسرى

كما روى بعض المشاركين في الاجتماع أن سيدة إسرائيلية قد عادت من الاحتجاز داخل القطاع، قالت إن صواريخ الطائرات الإسرائيلية سقطت قريبا من المحتجزين وهم داخل الأنفاق، فيما كان جنود حماس يواصلون النوم دون اكتراث بالتفجيرات، وقام بعضهم بالمساس بالنساء المحتجزات، بحسب زعمها.

وقال مدير حملة عائلات المحتجزين، رونين تسور، للقناة 12 العبرية، إن الاجتماع كان استثنائيا وإنه للمرة الأولى يستمع أعضاء مجلس الحرب لشهادات نساء مفرج عنهن حول ما يجري داخل الأنفاق في غزة، بما في ذلك “اعتداءات جنسية” وخطر الموت الذي أحدق بالمحتجزين جراء قصف الطائرات الإسرائيلية”.

وهذا ما نفته سيدات أخريات تم الإفراج عنهن في البداية كالسيدة يوخباد ليفشيتس التي أكدت تعامل حماس مع المحتجزين معاملة إنسانية.

وينقل موقع “واينت” عن شخص شارك في الاجتماع المذكور قوله إن العائلات خرجت من الاجتماع غير راضية عن هذه النتيجة.

وفي الاجتماع، سُئل غالانت هل هو مستعد لوقف الحرب والقيام بصفقة تبادل كل الأسرى مقابل كل الأسرى، فقال: “نعم لكن هذا غير مطروح”. كما قالت سيدة إسرائيلية ابنها أسير في غزة، إن بعض النساء المفرج عنهن روين على مسامع مجلس الحرب والعائلات، تفاصيل عن الخطر الناجم عن القصف الجوي الإسرائيلي الذي يهدد الأسرى، وقالت إن هناك حاجة ملحة وحارقة الآن لاستعادة المخطوفين قبل أن يكون قد فات الأوان”.

ولم يقدم نتنياهو في الاجتماع أي جديد للعائلات مكتفيا بشعارات، وبالقول إنه لو كان ممكنا عقد صفقة “الكل مقابل الكل” لفعلنا ذلك، لكن حماس لا تتعاون في هذا الاتجاه وطلباتها أكبر من ذلك. ونقلت القناة 13 العبرية عن شخص شارك في الاجتماع قوله إن شهادات النساء العائدات من غزة كانت مروعة وتخللتها نداءات ومناشدات لمجلس الحرب باستعادة المحتجزين فورا، فيما قال غالانت إن حماس لا تفهم إلا لغة القوة، واتهمها بوقف المفاوضات ومنع الدفعات الإضافية من الإفراج عن أسرى.

ونقلت عن والد أحد الأسرى قوله إن نتنياهو تحدث باختصار وبدا منقطعا عن الواقع، وعندما سئل مجددا هل هو مستعد لوقف الحرب من أجل عودة الأسرى قال نتنياهو: “لا توجد في عالم الواقع صفقة “الكل مقابل الكل” وحماس تشترط ما يعني بقاءها في الحكم، وهو تعد وتتوعد بأن تقوم قواتها من النخبة بتنفيذ السابع من أكتوبر مرات أخرى ونحن لا نقبل بذلك. كما زعم نتنياهو أنه بات مثبتا بأن الاجتياح البري الشديد هو الذي قاد للإفراج عن الدفعات السابقة من المخطوفين وأن المناروة البرية الآن ستقود لنتيجة مماثلة”.

الضغط الداخلي لا الحملة البرية

يشار إلى أن هذا زعمٌ باتت تشكك به عائلات الأسرى، وتحفظت عليه أوساط إسرائيلية أبرزها رئيس الموساد الأسبق تامير باردو الذي قال إن عودة المخطوفين تم نتيجة ضغوط داخلية قادتها عائلات الأسىرى وتعاطف الصحافة العبرية معها. وعاد نتنياهو في مؤتمره الصحافي ليلة أمس، وكرّر ما قاله للعائلات بأن إسرائيل ملتزمة باستعادة الجميع دون تقسيم بين نساء ورجال وبين شباب ومسنين، مدعيّا أن الطريق الوحيد لفعل ذلك هو بواسطة المناورة البرية الحالية، وفي حال تأتت فرصة لاستعادة بقية المخطوفين لن نفوتّها ولن نفوّت أي فرصة. نحن أمام أعداء قساة ولا يهمهم أي شيء حتى ناسهم، ولذلك لن نكشف هنا عن برامجنا وعلينا إحاطة أنفسنا بضبابية.

أزمة الثقة

يعبّر مضمون هذا الاجتماع عن فقدان معظم عائلات المحتجزين الثقة بمزاعم الحكومة الإسرائيلية بأن استعادة أقاربهم فعلا هدف لا يقل أهمية عن الهدف في تدمير حماس، وبأن الاجتياح البري طريق ناجعة لاستعادتهم. مما يؤجج أزمة الثقة بالحكومة والتشكيك أيضا بقدرتها على إدارة الحرب، وتحقيق أهدافها بالكشف غير المتوقف عن فضائحها وانشغالات قادتها في حسابات سياسية كتوزيع الميزانيات الفئوية، وخلافات شخصية بين نتنياهو وغالانت، واستمرار الفشل في معالجة المشاكل المدنية المتفاقمة في الجبهة الداخلية.

كل ذلك وإلى جانب استمرار الحرب ودخولها الشهر الثالث، وازدياد أثمانها كما يتجلى في عدد الجنود القتلى والجرحى، من شأنه أن يدفع هذه العائلات لقيادة موجة احتجاجات أوسع وأشد، تطالب باستعادة الأسرى بكل ثمن بما في ذلك وقف الحرب قبل تحقيق أهدافها، خاصة أن الباب سيبقى مفتوحا لاحقا لمعاودة الحرب على حماس.

وهذا ما يؤّيده عدد متزايد من المعلقين والمحللين والمسؤولين السابقين الإسرائيليين، ومن غير المستبعد أن يتصاعد بالتالي الضغط على مجلس الحرب الطامع بتدمير حماس بالأساس، في محاولة لغسل عار السابع من أكتوبر، وتلبية لشهوة الانتقام بالكامل، وكسب نقاط سياسية تعين بعض القادة وعلى رأسهم نتنياهو المشغول بحسابات البقاء. هذه الشكوك بخلط نتنياهو الحسابات ومسعاه لإطالة أمد الحرب لاستبعاد يوم الحساب العسير الذي ينتظره، تتزايد لدى قيادة الجيش ولدى البيت الأبيض أيضا كما تؤكد صحيفة “هآرتس” العبرية اليوم.

الصدمة والترويع

في حال التقت هذه المؤثرات (ارتفاع خسائر جيش الاحتلال، قدرة غزة وحماس على الصمود رغم الجحيم الإسرائيلي المتزايد، تصعيد الاحتجاج الإسرائيلي الداخلي طلبا لاستعادة الأسرى أولا) مع تغيير في موقف الإدارة الأمريكية التي تعتبر عيد الميلاد مع نهاية الشهر الجاري موعدا لنهايتها، وفق مصادر أمريكية.

هذا يعني أنه من الصعب جدا أن تتعدى الحرب على غزة العام الجاري، خاصة أن هناك مؤشرات بأن الحرب البرية في جنوب القطاع أشد خطورة على الغزاة، وهي الآن تشهد ذروة غير مسبوقة من ناحية شدتها منذ بداية التوغل البري مما يجعل سيناريو غمر الأنفاق بمياه البحر واردا في نطاق محاولات إسرائيل حسم المواجهة بسرعة، مدركة أن عقارب ساعة الضغوط الداخلية والخارجية باتت أسرع.

ويبدو أن ضراوة القتال في شمال وجنوب القطاع في هذه الساعات دون النجاح في إحداث اختراق في الحرب، يدفع إسرائيل لضربات جوية غير مسبوقة من ناحية توحشها وأضرارها البالغة، وذلك ضمن مسعى محموم للبحث عن المكاسب العسكرية المفقودة بالقوة المفرطة وبالصدمة والترويع على الطريقة الأمريكية في العراق.

يتمثّل هذا الشك بقدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها العالية رغم سياسة الأرض المحروقة بقول محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل اليوم: “إسرائيل ستكتشف قريبا إذا ما كانت قد نجحت أن تلحق ضررا فادحا جوهريا إضافيا للبنى التحتية العسكرية لدى حماس في جنوب القطاع، وإذا ما كان هذا التوغل يقرّبها من أطماعها بتفكيك قدراتها العسكرية والسلطوية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية