غنائية «كتاب المورمون»: كوميديا التبشير والبحث عن الجنة المفقودة

■ عن مهمة تبشيرية في افريقيا يقوم بها اثنان من شباب كنيسة المورمون الأمريكية، تدور أحداث غنائية برودواي «كتاب المورمون» التي حصلت على أغلب جوائز توني المسرحية عام 2011، وحقق الألبوم الذي ضم أغنيات العمل نجاحاً تاريخياً، وكان أكثر ألبومات برودواي الأصلية مبيعاً، وعلى الرغم من السخرية البالغة في الأغنيات، فإنها لا تثير الضحك بقدر ما تثير التفكير، والتعاطف مع البؤس الإنساني، وخوف الأبرياء من الجحيم، والشعور بضرورة التكفير عن ذنوب وجرائم لم يرتكبوها، والشقاء في البحث عن الجنة المفقودة، ومحاولة خلقها على الأرض، وفعل كل شيء من أجل دخولها في السماء، وكل يسعى بطريقته للوصول إلى هذه الغاية، ويؤمن بأن ما يفعله هو السبيل الوحيد الصحيح لذلك، ولا يكتفي بإيمانه، لكنه يشعر بأن من واجبه أن ينقذ الآخرين أيضاً، ويجعلهم يتبعون سبيله الوحيد الصحيح، وهذا ما نجده في الغنائية، حيث تسعى طائفة المورمون لنشر مذهبها داخل الولايات المتحدة وخارجها في شتى أنحاء العالم، من خلال مجموعة من الشباب في التاسعة عشرة من أعمارهم، يؤمنون بأن الله يحب المورمون، ويريد المزيد منهم، لذا عليهم أن يأتوا له بما يحب.
يبدأ الألبوم بأغنية «هاللو» ومعها يبدأ الضحك أيضاً، حيث نستمع إلى هذه الكلمة كل بضع ثوان، على وقع أجراس أبواب المنازل، التي يقرعها الشباب لتوزيع نسخة مجانية من كتابهم المقدس، فهم يريدون أن يكون موجوداً في كل بيت، ويخبرون من يفتح لهم الباب بأن هذا الكتاب هو الذي سيحقق له الخلود الأبدي في الجنة، ويقولون له أيضاً بأنه سيموت يوماً ما، لكن هذا الكتاب سوف يجعل من الموت حياة أخرى سعيدة مع العائلة والأصدقاء «ونحن نضمن لك ذلك»، ويكون عليهم أن يحتملوا رفض الناس لهم، وصفق الأبواب في وجوههم، إلا أن هناك من يفقد أعصابه منهم، ويهدد صاحب المنزل بالجحيم، وفي الأغنية التالية، يتم توزيع الشباب على أماكن مختلفة، وإرسالهم إلى ولايات داخل أمريكا، ودول أخرى مثل النرويج وفرنسا واليابان، ونتعرف على بطل العمل «برايس» الذي لا يرغب في السفر إلى الخارج، ويتمنى الذهاب إلى أورلاندو، ويؤمن بأنه إذا صلى كثيراً بإخلاص، وبيقين تام في أن الله سوف يستجيب لصلواته، فإنه سيحصل على ما يريد، وفي البداية يعرف أن رفيقه في المهمة التبشيرية سيكون «كانينغهام» لأنه من أهم القواعد لدى المورمون، ألا يكون المبشر بمفرده أبداً، وألا يفارق رفيقه مهما حدث، ثم يعرف أن مهمته ستكون في أوغندا، الدولة التي لم يسمع بها من قبل، ولا يعلم أين تقع.

من أقوى أغنيات العمل، أغنية «حلم الجحيم» بدواماتها الموسيقية المشتعلة، والأصوات الهلوعة المتداخلة، وتعبيرها عن معاناة «برايس» البريء المعذب بهذا الحلم الرهيب المتكرر، الذي يطارده بسبب شعوره بالذنب

وفي افريقيا تبدأ المواجهة مع الحياة الحقيقية، والواقع المرعب، حيث يوجد أمراء الحرب، والجنرالات القتلة، والشعب الذي يموت على الطرقات، تحت وطأة الفقر والأمراض والجفاف والمجاعات، والختان الإجباري للفتيات، والإيدز المتفشي في 80% من المواطنين، وأصحاب السطوة والنفوذ الذين يغتصبون العذراوات، لاعتقادهم بأن ذلك يحقق الشفاء من الإيدز، ولما لم تعد هناك عذراء واحدة، بدأوا في اغتصاب الأطفال، ويجد «برايس» نفسه أمام اختبار صعب، يمتحن إيمانه الذي بدأ يضعف، ويغلب عليه الشك في أفكاره وقدرته على تحقيق المهمة التي أرسل من أجلها، وتمضي الأمور نحو المزيد من التعقيد.
موسيقياً يحتفظ العمل بطابع برودواي التقليدي، والتنوع المعتاد في تقديم الأغنيات السريعة الراقصة التي تصاحب الاستعراضات، والأغنيات البطيئة الهادئة التي تظهر المهارات الصوتية الفردية وتعتمد على الكثير من النوتات المرتفعة، وبالإضافة إلى ذلك يقدم موسيقى افريقية خالصة، بإيقاعاتها وأسلوبها الغنائي وبعض المفردات باللغات الافريقية المحلية، مثل أغنية «هاسا ديغا» الصادمة للغاية، إلى درجة أن المرء يشعر بالذنب إذا ضحك أثناء الاستماع إليها، حيث يكتشف «برايس» صعوبة أن يبث الإيمان في نفوس الشعب الذي يوجه أقسى أنواع اللعنات نحو كل شيء، فيغني عن الإيمان الذي يحاول استعادته قوياً مكتملاً، ويظل يردد «أنا مورموني، والمورموني يؤمن وحسب»، ويذكر كافة الأشياء، التي آمن بها طوال حياته، ويقينه بأن الله يحميه، بينما يشعر بالخوف الشديد من الجنرال الديكتاتور الذي يطلق الرصاص على الرأس مباشرة، وأحلامه العظيمة بتحويل العالم بأكمله إلى مذهب المورمون، وذهابه إلى الجنة بعد الموت، بالكثير من الأعمال الحسنة التي سيلقاها الرب بالقبول.
ومن أقوى أغنيات العمل، أغنية «حلم الجحيم» بدواماتها الموسيقية المشتعلة، والأصوات الهلوعة المتداخلة، وتعبيرها عن معاناة «برايس» البريء المعذب بهذا الحلم الرهيب المتكرر، الذي يطارده بسبب شعوره بالذنب، لأنه كسر قاعدة من أهم قواعد المورمون وفارق رفيقه، وتذكرنا الأغنية بالكوميديا الإلهية لدانتي، حيث يلتقي «برايس» بمجموعة من الزملاء في الجحيم، كالسفاح والمغتصب الأمريكي جيفري دامر والمحامي الذي أتى بالبراءة لرياضي أمريكي شهير قتل طليقته وصديقها، ويتحدث «برايس» مع جنكيز خان الذي يخبره بأنه ذبح الكثير من الصينيين، وهتلر الذي يعترف بأنه أشعل حرباً وقتل الملايين، ويخبرهم «برايس» بسذاجة أن جريمته أسوأ من جميع جرائمهم، لأنه كسر القاعدة 72 وفارق رفيقه، ويشعر بأنه أسوأ أهل الجحيم، ويطلب الرحمة والمغفرة.

٭ كاتبة مصرية

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    يشتهر المورمون بتعدد الزوجات! التعدد ممنوع بدوائر الحكومة, لكنه ليس ممنوعاً بكنائسهم!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول مروة متولي:

      صحيح أستاذ داود، يعددون من أجل كثرة الإنجاب، لم يذكر العمل الفني هذا الأمر، أشار فقط إلى أن العلاقات خارج الزواج محرمة، وأن مشاعر الحب يجب كبتها.

  2. يقول yusuf:

    عرض جميل. احسنت أ. مروة.

    1. يقول مروة متولي:

      شكراً لك أستاذ يوسف

  3. يقول عبد المولى:

    مقال مفيد وتحليل فني فلسفي عميق لأحداث غنائية برودواي «كتاب المورمون»…شكراََ

    1. يقول مروة متولي:

      عادة ما تكون أعمال برودواي مثيرة ومليئة بالأفكار.. شكراً لك أستاذ عبد المولى

إشترك في قائمتنا البريدية