غياب القرضاوي خسارة للأمة

حجم الخط
9

تُشكل وفاة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي خسارة كبيرة للأمة بأسرها، فهو أرفع رموز المسلمين السنة على مستوى العالم، وأهم علمائهم، والمرجع الديني والفقهي الأكبر لملايين المسلمين، وهو صاحب تاريخ حافل من العمل الديني والإرشاد السياسي، ولذلك لا شك في أن المسلمين فقدوا شخصية بالغة الأهمية.
وبطبيعة الحال فإن الخسارة الناتجة عن غياب القرضاوي لا تتوقف عند فقدان فقيه وعلّامة وصاحب فتوى واجتهاد، وإنما وفاته تعني أن الأمة فقدت رمزاً وشخصية بالغة الأهمية، لعبت دوراً محورياً في تأسيس وتوجيه حركة الإسلام السياسي في العالم العربي، وكانت تشكل مرجعية للعديد من القوى السياسية، التي تعتمد على الإسلام الوسطي كمنهج لها، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، التي وصلت إلى الحكم في بعض الدول العربية، وحاولت في دول أخرى، كما شاركت في أحداث «الربيع العربي» في العديد من دول المنطقة طيلة العقد الماضي.
القرضاوي هو صاحب فتاوى الاعتدال والوسطية والدعوة للمشاركة السياسية السلمية، وخلال سنوات عمره التي جاوزت التسعين، كان صاحب المنهج المضاد للتشدد والعصبية، ولذلك استهدفه التيار السلفي المتشدد، الذي يقوم على تحريم الغناء والموسيقى والبناء على القبور وارتداء البنطال للرجل، وتحريم التظاهرات والاحتجاجات والعمل السياسي، على اعتبار أنه «خروج على الحاكم» وعلى اعتبار أن الحاكم هو «أمير المؤمنين». الأهم من ذلك أن القرضاوي كان واحداً من أئمة السنة القلائل، الذين يؤمنون بوحدة الأمة، ويتوافقون مع الشيعة وغيرهم من الطوائف والمذاهب، ويرفضون تعميق الخلاف معهم، وهو صوت العقل الذي يحتاجه الناس هذه الأيام، إذ أن التقارب السني الشيعي، والتفاهم المذهبي هو الطريق الوحيد لتهدئة التوترات الطائفية التي تشهدها منطقتنا العربية هذه الأيام، وهو الطريق الوحيد لإنهاء بعض الصراعات، والتمهيد لبناء دول مدنية وديمقراطية حديثة لا تعطي أي اعتبار للمذاهب والطوائف، وإنما تتعامل مع مواطنيها على درجة واحدة من المساواة. يعتبر القرضاوي صاحب منهج إسلامي معتدل يستحق الرعاية والدراسة والتدوين، كما أنه واحد من أئمة السنة الذين مارسوا الإسلام السياسي وأسسوا له ووضعوا القواعد من أجله، ولذلك فان تراث وأدبيات وفتاوى القرضاوي تستحق أن تُدرس وأن تكون مادة للبحث، وهذا الذي لم يكن متاحاً خلال حياته قد يُصبح اليوم أكثر إلحاحاً بعد وفاته.

الخسارة الناتجة عن غياب القرضاوي لا تتوقف عند فقدان فقيه وعلّامة وصاحب فتوى واجتهاد، وإنما وفاته تعني أن الأمة فقدت رمزاً وشخصية بالغة الأهمية

ولد القرضاوي في مصر عام 1926، ما يعني أنه عاش 96 عاماً، عاصر خلالها العديد من الفترات المهمة والحاسمة في تاريخ الأمة، وأصدر جملة كبيرة من الفتاوى الشرعية، ومارس خلال عقود عمره التسعة العمل السياسي، ولذلك فقد أثار الكثير من الجدل واختلف بشأنه الناس، وهذا ما يؤكد ضرورة أن يكون الرجل موضوعاً للدراسة والبحث والتمحيص، بما في ذلك فتاواه الفقهية، التي استرشد بها ملايين المسلمين على امتداد الزمان والمكان. ومن المهم الإشارة أيضاً إلى أن القرضاوي هو ابن الأزهر الشريف في القاهرة، حيث أتم فيه دراسته الابتدائية والثانوية، ثم التحق بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر، ومنها حصل على الدرجة العالية سنة 1953، وفي سنة 1960 حصل على الماجستير في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين، وفي سنة 1973 حصل على درجة الدكتوراه بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من الكلية نفسها. المؤكد أن القرضاوي ظاهرة تستحق الدراسة، وقد ترك إرثاً يستحق التدوين والتوثيق، كما أن تركة القرضاوي يجب أن يتم توظيفها في التوفيق بين مذاهب الأمة وطوائفها بما يُهدئ من التوترات والحروب والصراعات في المنطقة.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    ” ولذلك استهدفه التيار السلفي المتشدد، الذي يقوم على تحريم الغناء والموسيقى والبناء على القبور وارتداء البنطال للرجل، وتحريم التظاهرات والاحتجاجات والعمل السياسي، على اعتبار أنه «خروج على الحاكم» وعلى اعتبار أن الحاكم هو «أمير المؤمنين». ” إهـ
    الشيخ القرضاوي رحمه الله حرم الغناء الفاحش , وحرم البناء على القبور , وحرم تشبه الرجال بالنساء !
    سبب الإختلاف هو سياسي فقط , وهو تأييده لثورات الربيع العربي فقط !! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول أحمد موافي:

    نسأل الله تعالى أن يجعل آخرته خيرا من دنياه
    و إنا لله و إنا إليه راجعون

  3. يقول الباشا:

    رحمه الله وغفر له .. أتذكر حين أصدر كتابه ( الحلال والحرام في الإسلام) علق عليه المتنطعون المتشددون بالقول إن قارئ الكتاب يخرج بفائدة واحدة مفادها أن لا حرام في الإسلام.

  4. يقول سامح //الأردن:

    *الله يرحمه ويغفر له ويرحم جميع اموات المسلمين.
    إنا لله وإنا إليه راجعون.

  5. يقول Omar Ali:

    رحم الله سبحانه وتعالى فقيد الامة الاسلامية الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله برحمته الواسعة وادخله الجنة.
    اللهم عوض أمتنا الاسلامية بقائد وعالمًا ومجاهد.

  6. يقول على:

    اللهم ارحمه واغفر له واجعله في عليين مع النبيين والصديقين …. اللهم أمين

  7. يقول إبسا الشيخ:

    إنا لله وإنا إليه راجعون
    اللهم اغفر له وارحمه واسكنه فسيح جناتك يارب العالمين

  8. يقول عبد المجيد فرنسا:

    هناك 3 انواع من العلماء
    علماء و قفوا مع الشعوب ضد ظلم الحكام.
    و علماء وقفوا مع الحكام ضد الشعوب.
    و علماء سكتوا و لم يتكلموا .

  9. يقول Omar Ali:

    لقد كتبت في هذه االصفحة عن المرحوم الشيخ يوسف القرضاوي.
    ولكن ارجو من القدس العربي نشر هذا المقطع الذي اعبر فيه عن استغرابي من التعليقات المنشورة في بعض الصحف العربية المعروفة بعداءها لفكر وفلسفة القرضاوي الوسطية. ان هذه الجهات التي أعلنت محاربتها لرجال دين ابرار ممن عملوا وجاهدوا في سبيل الدفاع عن الاسلام والمسلمين في كل مكان. بما ذلك في فلسطين.

إشترك في قائمتنا البريدية