غيرة!

حجم الخط
31

ثمة أخبار تحملها لنا الصحف تستفزنا ونشعر بالغيرة أمامها.
كعربية، أحزن كلما وجدت أمماً أخرى تسبقنا في مجال العلم والاختراعات، وبعدما كان الأوروبي يأتي إلى (جامعات) الأندلس طلباً للعلم صرنا نذهب نحن إلى جامعات الغرب ونباهي بشهادات منها.
وكم شعرت بالغيرة لأن الرجل الأول الذي مشى على سطح القمر نيل ارمسترونغ لم يكن عربياً بل أمريكياً.
غيرتان تلتهمان قلبي منذ عام 1969 حين حطت أول مركبة فضائية على سطح القمر وكانت أمريكية الصنع لا عربية.
ما الذي أيقظ الغيرة في قلبي اليوم؟

نحن رواد.. الاقتتال فيما بيننا!

منذ أسابيع قرأت خبراً أنعش غيرتي: «أمريكيتان تباشران أول سير نسائي في الفضاء، وهما كريستينا كوتش وجيسيكا مير».
وتساءلت بعفوية تغلي بالغيرة: لماذا لم تكن المرأتان عربيتين؟ ولماذا لم تكن محطة الفضاء الدولية التي خرجتا منها عربية الصنع؟ والإجابة واضحة وتزيدني غيرة وحسرة: لأنه لا وقت لدينا، كعرب، للاختراعات العلمية، بل للشجار فيما بيننا والتفرغ لحروبنا المحلية.. والتهام بعضنا بعضاً.
ولا بد من الاعتراف بمهارتنا في حقل الاستيراد. فنحن لم نخترع الكمبيوتر بل استوردناه.. وبالتالي نفتقر إلى المهارات التي أدت إلى اختراع الكمبيوتر، والأمثلة على ذلك من حياتنا اليومية لا تحصى. أترك لكل قارئ تعدادها، بما في ذلك اختراع السيارة والطائرة والمصباح الكهربائي، والقائمة تطول. وللغيرة في قلبي فروع، لكنني اليوم أتمنى لو كان أول رجل هبط على سطح القمر عربياً. الأمريكيتان اللتان قامتا بأول سير نسائي في الفضاء، أتمنى لو كانتا من بنات قومنا!…

غيرة من «الرجل الطائر»

أغار أيضاً من أول رجل طار في الفضاء بلا طائرة، ولا أعني بذلك عباس بن فرناس الذي صنع جناحين اصطناعيين خذلاه ولم يحقق حلمه بالطيران، بل أتحدث عن مواطن فرنسي دهشنا حين شاهدناه للمرة الأولى يطير.
إنه فرانكي زاباتا، الذي ظهر على الشاشات الفرنسية للمرة الأولى في العيد الوطني الفرنسي الأخير (14 تموز/يوليو) خلال العرض العسكري، برعاية رئيس الجمهورية السيد ماكرون. شاهدنا رجلاً يطير على رقعة معدنية صغيرة ويحمل رشاشاً!!… توهمت كالكثيرين أنها حيلة تلفزيونية، ولكن لا.. حدث ذلك فعلاً. وطار بعدها فرانكي زاباتا من فرنسا إلى إنكلترا، فوق بحر المانش ونال احتفاء يستحقه من وسائل الإعلام الفرنسية.. وتعب سنوات حتى حقق حلمه، فمحاولته الأولى الطيران فوق بحر المانش فشلت، لكنه كررها بعد أسبوع ونجح.. نحن العرب اخترعنا (أدبياً!) بساط الريح حين يركبه الأمير الوسيم ويختطف حبيبته «بدر البدور من وسط سبعة بحور» ويطيران معاً حباً وهياماً.
أما الغرب (فرنسا) فقد جاء من اخترع «بساط الريح» بالمعنى العملي العلمي.. يطير وعلى ظهره الوقود. أي أن (القضية) هي الزواج بين العلم والشجاعة البشرية.. أما «بساط الريح» فهو موضوع لأغنية لفريد الأطرش ولأحلامنا التي لا تتحقق عملياً ويحققها الغرب علمياً.. وأموت غيرة!.
عقلنا هذه الأيام على الأقل ليس علمياً.. وليس عملياً إلا في حقل اختراعات (قمع الآخر) الذي لا يصفق لنا ويريد إبداء رأي مختلف.. متى ننجح في تحويل أساطيرنا (كبساط الريح) إلى حقيقة، بدلاً من أن تظل اختراعاتنا شعرية يحققها (الآخر)؟!… ولماذا لم يطر رجل عربي إلا على بساط الريح في الأساطير وحقق ذلك، عملياً، غربي فرنسي؟

لحظة كراهية للعنف المجاني..

كنت في زيارة لصديقة فرنسية في بلدة آرل (جنوب فرنسا)، ودعتني لحضور احتفال بمصارعة الثيران! وفوجئت بأن ذلك ما يزال يُمارس في عدة مدن فرنسية، منها (نيم ـ بيزيه ـ راكس ـ بايون) وسواها عديد. قلت لصديقتي: إنني لم أعجب يوماً بأبطال مصارعة الثيران في إسبانيا وعندك في جنوب فرنسا. ما الشجاعة في إدخال ثور مثخن بالرماح (المغروسة) في جسده والدم يسيل منه وهو يركض في حلبة المصارعة مهاجماً حامل سيف يريد قتله وخرقة حمراء يلوح بها أمام وجهه، والناس تصرخ مشجعة (أوليه..).. ثم يتحول قاتل الثور إلى بطل.. وتعجب به من زمان النجمة الهوليوودية الجميلة الغابرة آفا غاردنر كما الروائي همنغواي. حضورهما وسواهما من المشاهير لاحتفالات مصارعة الثيران ساهمت في الترويج لتلك (الرياضة) الهمجية، في نظري.

عن البشر والثيران وسن الرشد

ذكرني بما تقدم خبر قرأته عن مقتل رجل بنطحة ثور ـ في سباق ثيران هائجةـ وحدث ذلك مؤخراً في بلدة اورتشيه الإسبانية، وقال عمدة البلدة إن الأمر كان فظيعاً!! وقبله أيضاً قتل آخر في بلدة أخرى إسبانية هي (كويار) في عادة إطلاق الثيران الهائجة التي يركض أمامها الشبان في أزقة المدينة!…
أتساءل فقط: ما البطولة في أن يركض رجل أمام ثيران هائجة ويسبقها وينجو من قرونها؟ أم أنها واحدة من «بطولات الحماقة البشرية»؟ وهل يدل ذلك على بطولة الراكض أم على غباء تلك العادة المتوارثة بركض الشبان أمام ثيران هائجة في أزقة مدينة؟ ومتى تبلغ الإنسانية سن الرشد؟ وأتذكر الآن أيضاً مقتل أحد أبطال الملاكمة مؤخراً بضربة من غريمه!.. حياة مهدورة. وبطولة مزعومة يصفق الناس فيها لـ(رياضة) تجاوزتها الإنسانية اسمها الملاكمة! وأفكر بوالدة كل قتيل عبثاً.. هكذا وأتعاطف معها وبقية أسرته.

أكره السيرك وترويض الحيوانات

لا أرى مهارة في إرغام فيل على الوقوف فوق طاولة في السيرك لا تكاد تتسع لقدميه، وفي يد المروض سوطه، ويصفق الناس للمروض، وأتذكر محاولة ترويض البشر بالأقفاص والسياط، ولعل الإنسان هو مخلوق الله الذي لا يمكن ترويضه بسجون (السيرك البشري) وسياط السجان.. أسفت طبعاً لرحيل العربي الذي كان مروض الأسود الأول في مصر. أسفت لأجل أسرته، ولكنني لم أر بطولة فيما كان يمارسه من عمل.. كما لم أجد في سجن رجل قتل قطة بوضعها في ماكينة الغسيل الكهربائية ظلماً بحقه.. ولن أفهم يوماً لماذا يكون الحيوان ساحة لتعرية جانب مظلم في الطبيعة البشرية.

الترويض الإعلامي العربي!

نلاحظ العديد من البرامج التلفزيونية (المسلية) عن الحيوانات، إذ القط أو الكلب مثلاً يقوم بحركات تضحكنا، فيعطيه (مروضه/صاحبه) لقمة شهية.. وذلك يذكرني بترويض بعض الحكام العرب لعدد محدود من مفكريهم وإعلامييهم، حيث يقومون بالمطلوب منهم أمام (الجماهير) والمكافأة في اللقمة (الرمزية) التي قد تكون مالاً أو منصباً رفيعاً.. وجوهرها سيطرة (المروض) على إرادة شخص ما.. دونما سوط.. بل باستعمال اللقمة سوطاً سرياً لا مرئياً.
لذلك ربما لا أضحك أمام وقوف كلب على قائمتيه الخلفيتين ومشيه على هذا النحو، حيث ينال بعدها فوراً (المكافأة) لقمة شهية… ألا يشبه ذلك ما يحدث لبعض الإعلاميين العرب؟

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    تذكرت حين كنت بالمدرسة وكانت هناك بقرة صفراء ترعى في الملعب, فدنوت منها أمام الجميع لأظهر شجاعتي! فما كان من هذه البقرة إلا أن نطحتني وأوقعتني أرضاً!! فركضت هرباً منها دائرياً حول الملعب, ولم ينقذني ألا حاوية الزبالة!!! ثم عرفت بعد ذلك بأنها ثور وليست بقرةً!!!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول بولنوار قويدر-الجزائر-:

      السلام عليكم
      تحية طيبة مبارك أخي (الكروي داوود) وشكرا على هذه الدعابة …أضحكتنا أضحك الله سنك
      ولله في خلقه شؤون
      وسبخان الله

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    حين كنت بالعاشرة من العمر حاولت حلب معزة شاردة! وبعد صياح المعزة حين حلبها صاحت علي أمي رحمها الله بأن هذا تيس وليس معزة!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول الكروي داود النرويج:

    “لذلك ربما لا أضحك أمام وقوف كلب على قائمتيه الخلفيتين ومشيه على هذا النحو، حيث ينال بعدها فوراً (المكافأة) لقمة شهية

  4. يقول بولنوار قويدر-الجزائر-:

    السلام عليكم
    تحية طيبة مباركة لكم جميعا قرّاء ومعلقين وطاقم الجريدة وإلى سيدة الأدب وأيقونته (غادة السمان)
    بقدر ما إستطاع الأنسان أن يبتكر الآلة التي سهلت له الحياة سواء المعيشية أو الثقافية أو الإنتاجية وقد نستطيع أن نسميه (قاهر الجبال ومذلل الشعاب ومروض الصعاب…)وقد لا نستطيع نضاهيه بأي مخلوق مرئ على وجه الأرض…كل ذلك يتم ونقر به ونحن في غمرة النشوة بإنجازات الإنسان…وعندما تذهب(السكرة) سكرة الإعحاب بالإنسان ونتفرس بعض سلوكياته في السلم والحرب أحيانا نتمنى من أعماق جوارحنا لماذا أنا إنسان؟؟؟ نظرا لبطشه وعنجهيته وسلوكه الذي يتدنى ليصبح في الدرك الأسفل من أخلاقيات الإنسان المثالي الذي ظهر بوجه المزيف لنا واخفى حقيقته لنفسه ليسلكها في أوقات معينة
    ومع كل هذا ما عسانا ان نقول سوى
    ولله في خلقه شؤون
    وسبحان الله

    1. يقول سنتيك اليونان:

      الى السيد من الجزائر
      اللذي تفضلك به صحيح ولكن خارج موضوع الكاتبة. التي تحسرت كون العربي والمسلم خارج هذه الإنجازات

    2. يقول بولنوار قويدر-الجزائر-:

      السلام عليكم
      تحية طيبة مباركة
      إلى السيد (سنتيك اليونان ) شكرا على تدخلك وأتفهمه كنت أريد أن أظهر حقيقة الأنسان الآلي سواء العربي أو المسلم أو غيره لمّا يكون بوجه الآلي قد تتعطل فيه ( اللإنسانية) ليصبح يصارع الثيران ليقول أنا القوي و يتفنن في ألادوار ليوهم نفسه أنّه ذكي وقد يستطيع أن يروض الحيوان وقد نسى أو يتناسى دور الإنساني في الحياة كإنسان قد خلق لغاية أكبر ومنها تعمير الأرض وليس تدميرها وتخريبها … مع تطور العلم والتكنولوجيا بفضل ما حباه الله للإنسان من عقل مفكر ومدبر قد نرى الكثير منّا نحن (الإنسان) قد إنحرفت بنا عجلة التكنولوجيا وحولتنا إلى عبيدا لها وأكثر من ذلك قفزنا من سلّم العلم والمعرفة لنقع في وحل الطيش واللانسانية…
      شكرا سيد (سنتيك اليونان) لقد حفزتني لأكتب ولو خارج الموضوع لأنذا نحن(الانسان) ما زلنا نعاني من عمل(الانسان)
      ولله في خلقه شؤون
      وسبحان الله

  5. يقول الكروي داود النرويج:

    نهى رسول الله عن اتخاذ الحيوان غرضًا، فها هو ذا ابن عمر يمرُّ بفتيانٍ من قريش قد نصبوا طيرًا وهم يرمونه، فقال لهم: لعن الله مَنْ فعل هذا؛ إِنَّ رَسُولَ اللهِ لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا. البخاري
    وها هم مصارعي الثيران يتخذون الثيران غرضاً للتسلية, وللكسب المادي بتعذيبهم! هذا هو ديننا!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  6. يقول الانوار المقدسة:

    ومن قال لك اننا لسنا بالأوج

  7. يقول أفانين كبة - كندا:

    كذلك بغداد التي هي وارثة أقدم الحضارات التي عرفها التأريخ و كانت محطة لضخ الفكر والعلوم والتي احتوت على (بيت الحكمة ) التي كانت أكبر مكتبة في العالم و كان يأتي اليها طلبة العلم من كل مكان . لكن هذه هي المشكلة ، فالعرب أكتفوا بالماضي والتأريخ العريق وباتوا يتغزلوا به ليل ونهار و لم يحافظوا على هذا المستوى الراقي الذي كانوا فيه ولم يعد يهتموا بصناعة مستقبل لهم . ولا ننسى أيضا ، كم من العقول العربية المهاجرة التي أبدعت في أمريكا وأوربا واستراليا ولم تلاقي أية تقدير في بلدها الأم ولأسباب عديدة ، ولما يُذكر ابداعهم واختراعهم ، فسيحمل اسم البلاد التي احتضنتهم ويحملوا جنسيتها .
    أفانين كبة – كندا

  8. يقول عربي حر:

    تحية للقدس العربي وتحية للكاتبة المتميزة
    مقال جميل يعبر عن غيرة أصيلة تطلع لأن يكون العرب في سلم الأوائل في كل مجال .
    بالنسبة للعرب كأفراد فقد أثبتوا أنفسهم في عدة مجالات ولكن كدول نحن فى اعلى التصنيف في الفساد والاستبداد والأمية والاعتقالات و…
    واما بالنسبة لترويض الحيوانات فهو عمل وحشي وأسوأ منه قصة
    سارتجي بارتمان (Saartjie Baartman) التي تفضح همجية الإنسان الأوروبي التي لا مثيل لها وتنزع عنه قشرة الحضارة ، هذه القشرة التي يستعد بنوا جلدتنا أن تبخلوا عن وتقاليدهم الحميدة واعرافهم في سبيل بلوغها .

  9. يقول عمرو - سلطنة عمان:

    أتذكر فرحتك المحفورة وسط سطورك مع صعود أول رائد سوري إلى الفضاء..
    للأسف لم نأخذ من أسلافنا سوى الأقتتال فيما بيننا..
    أخذ الغرب علوم وأفكار العرب والمسلمين وطوروها وبينما لدينا يقول بعض من يدعون أنهم رجال دين أن الله سخر لنا الغرب الكفار حتى يخترع لنا! وكأنهم لا يعلم أن الله يحب المتوكلين لا المتواكلين
    حزين أنا على شرقنا وعيني على الضوء في أخر ذلك النفق..

  10. يقول سنتيك اليونان:

    الهدف من مصارعه الثيران او الجري أمامها كما الهدف من الوصول الى قمة إفرست او الطيران بالأشرعة كل هذه الأعمال ناتجة عن طبيعة الانسان الحر التواق الى التغيير الى المغامرة الى اكتشاف قدراته الى الركض وراء المستحيل الانسان الحر الغير مكبل بتعاليم ممنوع نقاشها او غير مقيد بتقاليد مقدسة ممنوع معارضتها هذا الانسان يتوق الى اكتشاف قدراته واختراع الجديد

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية