احتدام صراعات الديكة على منصات التواصل الاجتماعي العراقية، الذي يشتعل مع كل يوليو/تموز في كل عام بات أمرا مفروغا منه. المشكلة في صراعات ونقاشات صفحات التواصل الاجتماعي إنها شملت بسطحيتها الباحث المتعمق في تخصصه، والمراهق الذي يرمي بالتهم جزافا.
حفل صاخب مداده الشتائم أو المدائح المبالغ بها، الفصيل الأول يبلغك أن يوم 14 تموز عام 1958 كان الفاجعة التي فتحت باب الانقلابات اللاحقة، وجعلت العسكر يركبون موجات الانقلابات وصولا إلى الحالة التي وصل لها العراق، وفي هذا التحليل الفوقي وغير العميق تكال الشتائم للعميد عبد الكريم قاسم، والعقيد عبد السلام عارف بشكل خاص، باعتبارهما واجهة مجموعة الضباط الأحرار والمسؤولان عن اعلان حركة الجيش يوم 14 تموز واعلان مولد الجمهورية. بينما يخبرك الفريق الثاني المكون من القاسميين واليساريين والشيوعيين، وهم يمجدون ما حصل ويطلقون على تحرك الجيش منذ لحظته الاولى توصيف «ثورة» جزافا، ويصرحون بأن وضع العراق كان مأساويا تحت حكم العائلة المالكة، وأن الإقطاع كان يسوم الفلاح سوء العذاب، وأن مهاجري الريف ملأوا أحياء أحزمة الفقر من الصرائف التي انتشرت على أطراف العاصمة، وان المظالم الاجتماعية والفروق الاقتصادية والظلم وسوء الخدمات، كانت سمة المجتمع العراقي في ظل الملكية، وجاءت الثورة لتخلص المجتمع من هذه العذابات.
إن الزعيم النزيه، نصير الفقراء، أبو العراقيين، الذي لا ينام الخ، ويمكن للقارئ أن يختار ما يشاء من 55 لقبا رسميا أطلقها الإعلام الحكومي والصحافة على عبد الكريم قاسم، وهو من حقق المعجزات بشكل فردي في أقل من خمس سنوات، إذ حقق عبر تنفيذ المشاريع العملاقة نقلة في الوضع العراقي، وضعته في مصاف الدول المتقدمة، وإن هذه النجاحات أججت دسائس ومؤمرات أعداء الثورة فاطاحوا حكومة الزعيم وثورته بانقلاب دموي في 8 فبراير/شباط 1963.
بعد هذه الإطلالة السريعة على طبيعة السجال العقيم الذي يدور كل عام، أحب أن أشير إلى أن كل بحث تاريخي علمي لا يمكن أن يربط حدثا تاريخيا كبيرا في بلد ما بعامل واحد، أي أن أحادية السبب في المنهج التأريخي انقرضت أو تكاد من المنهجية التاريخية الرصينة. وأن التعاطي التاريخي مع الأحداث بصيغة الابيض والاسود ايضا تكاد تنقرض، لان هناك طيفا من تدرجات الرمادي بين أقصى السواد وأنقى البياض في الأحداث التاريخية.
في التجربة الملكية العراقية والظروف الدولية والإقليمية التي أفرزها الكثير مما يقال، هي ليست تجربة ملائكية، كما يحاول أن يشيع دعاة الملكية اليوم، ولا هي سوداء شيطانية، كما يحاول أن يسوق دعاة الثورية. هي تجربة لها ما لها وعليها ما عليها، تجربة ولدت من رحم تغيرات دولية أفرزتها نتائج الحرب العالمية الاولى، من انهيار الامبراطوريات القديمة، وولادة وشيوع نمط الدولة القومية الحديثة، وهذا ما حدث في وسط اوروبا والشرق الادنى والشرق الاوسط. والعراق جزء من هذه المنطقة مرّ بتغيرات جوهرية منذ 1914، عام احتلال البصرة حتى 1921 عام إعلان المملكة العراقية.
سبع سنوات من إدارة جزئية إلى إدارة شملت مناطق العراق كافة، انتقلت من الإدارة المباشرة من قوة الاحتلال البريطاني ومحاولة ربط العراق بإدارة الهند ونائب الملك فيها، وصولا إلى إقرار قوات الاحتلال بوجوب إيجاد حكومة محلية مرتبطة ببريطانيا بصك انتداب أقرته عصبة الأمم أولا ثم بسلسلة معاهدات محكومة بظروفها التاريخية التي تبقي العراق ضمن منطقة النفوذ البريطاني، ثم التحول بعد الحرب العالمية الثانية إلى مظلة النفوذ الامريكي، في ظل اندلاع الحرب الباردة عبر الدخول في «حلف السانتو» الذي تحول إلى «حلف بغداد» قبيل إطاحة النظام الملكي في يوليو 1958. ولم يعد خافيا اليوم أن الخطوات التي حققتها جمهوريات ما بعد 14 يوليو استثمرت ما بذرته الحقبة الملكية، من تأسيس نظم اتسمت بإدخال الحداثة لولايات عثمانية، كانت تعيش بنمط العصور الوسطى حتى مطلع القرن العشرين، بينما حقق النظام الملكي مع ما يؤخذ عليه من مشاكل ومآخذ تحقيق إدخال الحداثة للتعليم والاعلام والسياسة، وبالتالي وسم نمط العيش بسمة المعاصرة، وتحديدا في عقد التغيرات الكبيرة، عقد الاربعينيات، وما أن دخل عقد الخمسينيات مؤسسا حقبة القفزات الاقتصادية، نتيجة تعديل اتفاقية النفط بين حكومة نوري السعيد وشركة نفط العراق، وتأسيس مجلس الإعمار، وما نتج من نجاح مشاريعه، وانعكاس ذلك على رفاهية المجتمع، كل ذلك لعب دورا تأسيسيا ساهم بشكل كبير في نجاح ما نفذته جمهورية قاسم لاحقا.
التعاطي بصيغة الأبيض والأسود تكاد تنقرض، فهناك طيف من تدرجات الرمادي بين أقصى السواد وأنقى البياض في الأحداث التاريخية
يجادل بعض من يخوضون السجال التموزي السنوي بالقول، إن النظام الملكي كان قد وصل إلى وضع مهترئ نهاية الخمسينيات، وإن الانقلاب العسكري الذي تحول إلى ثورة شعبية نتيجة التفاف الشعب حوله، كان أمرا لا مفر منه. وهنا أيضا يجب أن نبين بعض المعطيات التاريخية، فانقلاب العسكر وتدخلهم في السياسة كان من أبرز سمات مؤسسة الجيش العراقي، إذ يسجل للفريق بكر صدقي العسكري، السبق في هذا المضمار، عندما نفذ انقلابه في أكتوبر/تشرين الأول 1936 وأطاح حكومة ياسين الهاشمي، وشكل حكومة حكمت سليمان، ليطاح ببكر صدقى وحكومة الانقلاب بعد عشرة أشهر فقط، وليتم اغتيال صدقي من عناصر الجيش أيضا، ليبقى جنرلات الجيش على امتداد الخمس سنوات اللاحقة هم المتحكمون بالمشهد السياسي، حتى قيام انقلاب العقداء الاربعة وتشكيل حكومة رشيد عالي الكيلاني في مايو/أيار 1941، ومن ثم إعادة احتلال القوات البريطانية للعراق في يونيو/حزيران من العام نفسه، ومع كل هذا الاحتدام والحراك لم يجرؤ أحد جنرالات الجيش على إعلان إسقاط النظام الملكي، حتى في أحلك الظروف، إذ تم عزل الوصي على العرش الامير عبد الإله، واستبداله بوصي أخر من العائلة الهاشمية المالكية هو الشريف شرف.
لكن تأثر المنطقة بما حصل في يوليو 1952 في مصر، وما لحقه من إعلان إسقاط النظام الملكي في يونيو 1953 وإعلان الجمهورية في مصر، فتح الباب للانقلابات اللاحقة في المنطقة العربية، للسير على خطى تنظيم الضباط المصريين بخلع الأنظمة الملكية وإعلان الجمهوريات في عقود الستينيات وما تلاها، ليصبح ذلك ديدن التغيرات التي شهدتها اليمن وليبيا، ومحاولات أو سعي الحراك الثوري الذي اندلع في منطقة الخليج والجزيرة العربية في عقدي الستينيات والسبعينيات، بدعم من الأنظمة الجمهورية العربية، لتحذو حذوها وتطيح الإمارات والمشيخات والسلطنات لتعلنها جمهوريات، لكن معطيات الصراع الدولي لم تسمح لمشهد الصراع بالوصول إلى هذه النقطة، نظرا لعمق المصالح الغربية في تلك المنطقة وتمسك الغرب بالنظم القديمة المتخادمة مع مصالحه. كما أن للنظام الملكي محاسنه ومنجزاته، فله مساوئه كأي نظام ولد وبدأ يحبو باتجاه تحقيق النمو والتكامل، فقد كان التمثيل السياسي في عراق العشرينيات والثلاثينيات وحتى منتصف الاربعينيات مشوها، إذ يسيطر على المجالس النيابية الشيوخ القبليون شبه الأميين، بينما يسيّر سياسية البلد ملك غريب تم استيراده من الحجاز لأسباب عديدة تحيط به مجموعة من الضباط الشريفيين المخلصين له.
لكن هذا النظام طور نفسه كنتيجة حتمية لتحديث وتطوير المجتمع، ودخل التمثيل السياسي صراعات حزبية حقيقية، تمثلت في وجود أحزاب تمثل اليمين واليسار المعتدلين اللذين تنافسا نيابيا في حقبة الخمسينيات، ورغم كل ما شاب الحياة البرلمانية من عدم شفافية، إلا انها مثلت نواة لحياة سياسية ليبرالية يمكن أن تتطور بالاتجاه الصحيح. لكن انقلابات العسكر الذين سيطروا على الحياة السياسية وقمعوا الاحزاب وتحكموا بالعمل السياسي وفق رؤاهم الايديولوجية، حجمت العمل السياسي الحر والصحافة الحرة، وبات العمل وفق الشرعية الثورية هو المسيطر على الساحة السياسية، وبذلك يمكن أن نعدد منجزات العهد الملكي مثلما نستطيع تعداد منجزات عهود الجمهورية اللاحقة، ويمكننا أن نعدد سلبيات وهفوات المجتمع في ظل الحكم الملكي، مثلما نستطيع تعداد الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها النظم الجمهورية اللاحقة، إذ لا وجود للتميز الحاد بين الابيض والاسود في عالم السياسية، الا في أضيق الأطر، لأن هامش اللون الرمادي هو الذي يغطي أغلب حقب حياتنا.
كاتب عراقي
لقد قتل العسكر ملك العراق الشاب سنة 1958 وأفراد عائلته بعد حملهم للقرآن! وأصبح القتل بعد ذلك ديدن العراقيين إلى هذا اليوم!! ولا حول ولا قوة الا بالله
نعم كان ملك العراق من أصل حجازي, ومن أشرف بيوت العرب (بني هاشم), لكنه أصبح عراقياً وبحكم الدستور!! ولا حول ولا قوة الا بالله
تحية للجميع
كلنا يعلم ان الملك اتى به البريطانيين ليحكم العراق كحال كل الممالك والامارات والمشايخ التي صنعتها بريطانيا وكان انتسابه الهاشمي له اثر كبير بقبوله وان الملكية بكل عهودها كانت اسيرة لسياسات بريطانيا في ذلك العهد ومشكلة العائلة المالكة انها كانت تحكم من قبل رؤوساء الحكومات لعدم معرفتهم بطبيعة العراقيين وتنوعهم ولا ننسى اثر ثورة مصدق في ايران الذي اراد تاميم النفط الايراني على ساسة العراق ويبقى عبد الكريم قاسم كشخصية وطنية عراقية لم يات بعدها احد بحبه للعراق ففي فترته القليلة جدا من تموز 1958الى شباط 1963 قد انجز ما لم تنجزه بعده كل الحكومات ولم يكون عشائريا ولا طائفيا
و من الحب ما قتل!
كان العميد قاسم و العقيد عارف مكلفان بقيادة لوائين من الجيش العراقي للتمركز في الضفة الغربية التي صارت جزءا من مملكة الاتحاد العربي الهاشمي مابين العراق و الاردن والتي اعلنت قبل 5 شهور في 14 فبراير 1958 تزامنا مع وحدة سوريا و مصر. وبدلا من التوجه الى الضفة الغربية توجها الى بغداد للقيام بالانقلاب فهل كان ذلك صدفة؟؟