إني أسأل: هل نحن مع التحرّر، أم مع الاستعمار؟ مع العدالة أم مع الظلم؟ مع الحرية أم مع الاستبداد؟ مع فلسطين أم مع أعدائها؟ مع السلطات المطبِّعة، أم مع المقاومة؟ ولكَيْ اقترب أكثر مما أسأل، أضيف: ما هو موقف الكاتب العربي، اليوم، مِمّا يدور فوق الأرض الفلسطينية؟ كيف يمكن له أن يتصرّف إزاء ما يحصل الآن في غزّة وعموم فلسطين؟ ماذا يقول له ضميره وهو يرى القتل والتدمير والتَّنْزيح والخراب؟ ما هو موقفه من جوائز دول التطبيع العربية؟ عَلامَ يبحث؟ عن جوائز والقيامة تتجسّد أمام عينيه؟ كيف يمكن له أن يبرر هذا السلوك، أن يُسوِّل لنفسه بأن يشارك، أو يحضر، أو يرضى بالحصول على جائزة من دول التطبيع المتخاذلة؟ لا! هذا لا يمكن، اليوم، تمريره، ولا قبوله، بأي شكل من الأشكال.
نحن نعرف مواقف دور النشر العربية التجارية التي لا يهمّها إلاّ البيع والربح، دون أن تهتمّ بالبعد السياسي والإنسانيّ إلاّ نادراً. فهي لا تحس بنفسها مسؤولة عن مسألة الحريات في العالم العربي، ولا يهمّها مصير الإبداع فيه، وبالخصوص، عندما يتعلّق الأمر بجوائز دولارية سخية ستصيبها، ولا بد، طَراطيش منها، لكن الكاتب العربي الذي يُفترَض أنه المُعبِّر الأهَمّ عن الضمير الإنساني الحي، والذي يُنْتظَر منه أن يكون في مقدمة الطليعة العربية الواعية والداعية إلى الحرية والعدالة والتنوير، ما هو دوره في هذه الحال؟ كيف يرضى لنفسه، ولأدبه، أن يكون، على الرغم من كل ما يحدث في غزة من قتل وتَرْويع لا مثيل له في التاريخ الحديث، منضوياً تحت رعاية سلطة تطبيعية بلا حدود، تظل محايدة وكأنها عمياء لا ترى ما يجري حولها، وصمّاء لا تسمع صراخ الأبرياء. وهو ما يجعلنا نَدْعو، بحقّ، إلى ضرورة اتخاذ الكُتّاب المواقف الأدبية التي يرونها مناسبة في مثل هذه الأوضاع. فاللامبالاة الأدبية، أو الرَخاوَة الأخلاقية، عندهم، ولو كانت ضئيلة، قد تكون نتائجها شديدة الخطورة، ولا يمكن إصلاحها، من بعد. نحن ندرك أن إغراءات الجوائز كبيرة، ومُدَوِّخة، لكن الإغراءات لا تنتج أدباً. والأدب الرديء، وحتى الجيد منه، لا يُبرّر سلوك الكاتب المستَوْعَب، ولا يحميه من مغبّة الممالأة والانسلاب. الكتّاب محكومون بالتاريخ، مرتبطون بقِيَم الوجود الحرة، ولا يُعْلي من شأنهم إلاّ مواقفهم الرافضة للهيمنة. هُم جوائز الإنسانية عندما يكونون أحراراً. لا تصنعهم الجوائز، بل يصنعونها. تذكروا يوسف إدريس، ونجيب محفوظ، والشرقاوي، والطيب صالح، وحنا مينا، ورشيد بوجدرة، والطاهر وطار، وغائب طعمة فرمان، وجبرا إبراهيم جبرا، ومحمود المسعدي، على سبيل المثال لا الحصر، أولئك الذين لم يصلوا إلى ضمائرنا عبر الجوائز، وإنما عبر إبداعهم الملْهم.
فكرة الجوائز تقتل الإبداع، ترهق عقل المبدع، تقيّد حرية الابتكار عنده، إنْ لمْ تُحوّلْه إلى دجاجة تبيض كُتُباً لا ضرورة لها، في أغلب الأحيان. وخير مِثال لها جوائز دول التطبيع العربية المبنيّة على الزيف والبهرجة وتجاهل الوقائع الاجتماعية الأساسيّة، فهي لا تؤمن بحرية الأبداع، ولا تقيم للفرد اعتباراً. والوَضْع العربي، اليوم، يتطلّب من الكتّاب نقداً صارماً، وموقفاً مناهضاً لا مهادنة فيه. وإذن، كونوا كُتّاباً حقيقيين «من أجل أدب بلا جوائز» لا كَتَبة جوائز بلا طموح. فروح الإبداع، كما تعلمون، تتغَذّى بالنفور من المؤسسات، وبقول لا حتى عندما يمكن أن نقول نعم.
كاتب سوري