كانت ليبيا في عهد العقيد معمر القذافي، تعتبر من اكثر الدول العربية والإسلامية التي تشدد الخناق والمتابعة الأمنية على ما كان يعرف وقتها في ليبيا، بالإسلاميين، بحيث كان نظام العقيد معمر القذافي ممثلا في جهاز مخابراته، لا يتوانى في محاربة كل ما له علاقة بالإسلام السياسي، خاصة المتشدد منه بوضعه تحت الرقابة، من خلال المتابعات ناهيك عمن زج بهم في السجون أو المعتقلات التابعة لأجهزة الأمن. وقد تورط وقتها في تلك الأنشطة والعمليات الإرهابية الكثير من أبناء ليبيا، سواء من بعيد أو من قريب، ما جعلهم محل متابعات وتم الزج بالكثير منهم في السجون، وتعرض البعض الاخر إلى التصفية بالقتل في حوادث مختلفة، على غرار حادثة سجن أبو سليم. وكان النظام الليبي من بين أكثر الدول العربية وربما الإسلامية الأخرى خوفا من التنظيمات السياسية، مهما كان اتجاهها وفكرها، سواء إسلامية أو غيرها لقد حرم النظام والقانون الليبي كل نشاط له علاقة بالسياسة خارج نشاط اللجان الشعبية والثورية. ولذلك ظلت تلك الفئة ذات الغالبية والتوجه الإسلامي بكل اختلافاته، بعيدة عن الحياة السياسية للجماهيرية الليبية في عهد حكم العقيد معمر القذافي، فلم تمارس أي نوع من السياسة لا في إطار قانوني، وهو غير موجود تماما، ولا خارج القانون بداعي الخوف من المتابعة والتصفية .رغم كل المحاولات التي اقل ما يقال عنها أنها كانت يائسة ، فقد حاولت بعض التنظيمات الإسلامية المكونة من الشباب الليبي المتحمس والحامل لأفكار إسلامية، يغلب عليها الطابع المتشدد، القيام بأعمال مسلحة ضد النظام الليبي قصد تغييره، بعد أن تشكلت جبهة أو تنظيم أطلق عليه اسم ا الجماعة الليبية المقاتلة ا منذ مطلع الثمانينات، وقد كان وراء تأسيسها ثلة من الشباب الليبيين العائدين من أفغانستان، كان النظام الليبي يقوم بعزل كل فرد ثبت انه زاول أو يزاول أي نشاط سياسي من شأنه تهديد النظام القائم، ولم يكتف النظام الليبي بعزل الفرد المعني وحده من الحياة المدنية، بل كذلك عزل كل أفراد عائلته، أو على الأقل وضعهم تحت المراقبة والتضييق والنظر إليهم على أنهم عائلة أنجبت متطرفا . لقد ظلت تلك الفئة ذات التوجه والفكر الإسلامي إبان حكم القذافي وحدها تعيش في عزلة عن الحياة السياسية ولم تتبوأ أي مناصب عليا، وهي أول فئة خرجت وحملت السلاح في وجه النظام بعد إعلان ثورة 17 فبراير من العام 2011، وكان في ذلك فرصة لها لا تعوض، والحقيقة أن اغلب الشباب الذي حمل السلاح كان يعلم انه سيلقى مواجهة شرسة من قبل النظام، لكنه خرج ليس لتحقيق مطالب اجتماعية أو حتى سياسية، على غرار ما قام به الشباب في تونس أو في مصر وغيرها، كما قد يعتقد البعض، بل خرج بدافع الانتقام، ولعل حادثة توقيف العقيد معمر القذافي وطريقة قتله والتخلص منه كانت دليلا قاطعا على ذلك، وهي الحادثة والطريقة التي استغرب لها الكثير ولم يجدوا لها أي تفسير، وكذا الانتقام من كل رموزه خاصة كبار المسؤولين في نظامه، لذلك لا نستغرب كل ما يقوم به الثوار اليوم المدججون بالأسلحة، وهم في الغالبية من الفئة التي ظلت محرومة من الحياة السياسية إبان حكم العقيد القذافي، وهي تشكل اليوم القوة في الحكومة والنظام الليبي، إذا وجد اليوم نظام أصلا. وبما أن الثوار الذين هم في الحقيقة أصحاب القرار في ليبيا، يعلمون ويدركون أن قانون العزل هو سلاح أخر للتصفية، لا ولن يمسهم ولا يخصهم، بل يفتح لهم الباب والنار لمتابعة كل من شارك في الحياة السياسية في عهد العقيد القذافي، وتلك الفئة طبعا هي من خصومهم، وسيكون بذلك قانون العزل بمثابة الانتقام الآخر من باقي أزلام العقيد معمر القذافي ورموز حكمه، وإذا ما تم عزل تلك الفئة أو الأزلام، فان الباقي من المجتمع الليبي الذي يمكن أن يشغل مناصب في الحكومة ويتقلد مناصب أخرى في تسيير البلاد، هم طبعا من تلك الفئة التي سبق ان عزلها العقيد معمر القذافي، وهي طبعا الفئة ذات توجه وفكر إسلامي والحاملة بالنهاية لمشروع إسلامي ترغب تجسيده داخل ليبيا ووسط المجتمع الليبي. وبما أن هذا القانون حساس جدا وأثار الكثير من الجدل، سواء داخل أو خارج ليبيا، وهو يشكل مفترق طرق بالنسبة للشعب الليبي ويرسم الطريق الصحيح لليبيا وقد يعبر عن مدى نية الثوار في بناء ليبيا وإخراجها من هذه الدائرة، كان يجب على أصحاب القرار في ليبيا في هذه الحالة، وهم طبعا الثوار أو االميليشيات المسلحة ا الذين يضغطون على تمرير قانون العزل، وإذا كانوا حقا يريدون لليبيا خيرا، كان عليهم أن ينزلوا بهذا القرار إلى الشعب الليبي للاستفتاء عليه. لا يستبعد صراحة أن تكون موافقة أعضاء المؤتمر الليبي العام بتمرير هذا القانون والمصادقة عليه، جاءت بعد ممارسة ضغوطات وربما تهديدات وهي الوسيلة الأنجع الآن في ليبيا، وهذا يحدث في ليبيا، طبعا ليبيا التي أصبحت ساحة مفتوحة ومرتعا مهما ذا كلأ وفير ومنبرا بارزا ومفتوحا يعتليه من أراد. خليفة فهيم ـ كاتب وصحفي جزائري