فجأة ظهر عملاق ضخم يقف قبل نهاية شارع طلعت حرب يفتح ذراعيه علي اتساعهما يبعد بهما عمارتين عن مكانهما. صرخت الفتاة كوثر ” يالهوي . إيه اليوم دا ” بينما تجمدت أنا في مكاني غير مصدق. ثم رأيته يلتفت لنا ويبتسم ويترك العمارتين فتعودان إلى مكانهما. اقترب منا وهو يتضاءل ويضحك وأنا لازلت اتخيل أن ما أراه فيلما من أفلام الخيال العلمي أوالأساطير القديمة. ماذا سيحدث لو اقترب مني وخطف الفتاة. لن استطيع منعه أبدا. لكنه ابتسم وقال وهو يقترب:
– لا تخْفِها عني فهي الحياة الحلوة ولن أخطفها منك. فقط أحببت أطمنئكما. لو عاملكما البوليس معاملة سيئة سآخذكما في يدي أضعكما أعلى عمارة وأترك البوليس في رعب.
أصابني الصمت والرعب الحقيقي. غناء وبوليس ثم وحش أسطوري لا أعرف من أين أتى. لم أفكر قط فيه فكيف ظهر؟ اشتقت إلى البيت كحلٍ للمسألة، فوجدت نفسي فيه ومعي الفتاة كوثر التي ما إن رأتها زوجتي حتي انفعلت وقالت:
– كيف تأتي بضيفة دون أن استعد لاستقبالها. الشقة محتاجة على الأقل إلى تنظيف، وعيب أن تراها فتاة غريبة على هذا النحو.
وجدت من الأفضل أن اترك البيت من جديد. ستعيدني زوجتي إلى الحقائق حولي وأنا في ملكوت من الخيال. ثم أني جالس معها نشاهد فيلم “كينج كونج”. سأتركها مع كينج كونج وأعود بينما أظل معها وحدي!.
قلت للعملاق الذي تضاءل وصار في حجمي:
– من أنت وكيف أتتك هذه القوة؟
ابتسم وقال:
– حكاية معقدة جدا لن تستوعبها.
ظللت صامتا. قال:
– كثير في بلدنا في أعياد ميلادهم يطلقون النكت ويقولون “ليه يابابا قبل ما اتولد بتسع شهور ما راحتش عليك نومة”.
ضحكت. قال:
– أنا لم أولد. في الليلة التي قرر فيها أبي أن ينام مع أمي راحت عليه نومة فلم تحمل بي. ظللت في مكان لا يعرفه أحد من البشر. برزخ بين السماء والأرض اتركه بين حين وحين وأنزل إلى الأرض قليلا.
ظللت صامتا مندهشا فقال:
– إياك أن تعتقد أن اللقاء الجنسي هو سبب الحمل. نحن موجودون خلقنا الله قبل اللقاءات الجنسية كلها. اللقاء الجنسي سبب في الظهور فقط.
ماذا يقول هذا العملاق. هل درس الفلسفة التي درستها أنا زمان وفيها كل شيئ في العالم موجود بالقوة كما يقول أرسطو، ويأتي السبب لإظهاره ليكون موجودا بالفعل. إنها القضيىة الفلسفية التي شغلت علماء الكلام المسلمين أيضا. ليس معنى أن كل شيئ مُقدّر سلفا أن لا يكون للإنسان دور في العالم. طبعا الفريق الأكبر نزعوا عن الانسان أيّ دور، ووصلوا بالأمر من طاعة الله والرضاء بمصائرنا، إلى طاعة الحاكم وولي الأمر والرضا بما يفعله، فهذا قدرنا. تلفت حولي خشية أن يسمعني أحد فابتسم هو وقال :
– لا تخشَ أحدا. كل ما تفعله اليوم كان مقدرا لك. حدثت الدعوة للتظاهر ولم يلبها أحد لتترك أنت البيت وتعيش ماكان مقدرا بالفعل.
وقفت شاردا أفكر ماهذا الحديث الجميل. لأنه كان مقدرا لي أن أترك البيت إلى الشوارع الخالية قام الحمقى في الخارج بالدعوة إلى التظاهر، ولم يلبها أحد لأترك أنا البيت. كل هذا جرى في الميديا ومصر ليصبح ما كان بالقوة موجودا بالفعل. كم تكلفت الدولة اليوم في نشر البوليس في كل مكان، وكم خسرت المحلات والسينمات المغلقة وأدوات المواصلات المتوقفة ليتحقق هذا لي. كدت انطلق ضاحكا متخيلا أني قابلت أرسطو نفسه لكنه قال:
– قبل أن اختفي أحب أن أقول لك أني لا أحمل اسما انتمي به لأيّ أب أو أم . أنا كبرت في البرزخ، وفي البرزخ لنا طاقات أخرى. نحن كثيرون في البرزخ لأن من أخذهم النوم ولم يعاشروا زوجاتهم كثيرون. نحن لو نزلنا من البرزخ سنفني العالم. هل تريد مني شيئا قبل أن اختفي؟
– لا.
قلت ذلك بصوت لا يكاد يخرج. وضعت ذراعي حول كتفيّ الفتاة كوثر ومشينا في صمت، بينما اختفي العملاق وتلاشى بعد أن قال:
– كل يوم يولد في مصر ألالف الأطفال، لكن من لم يولدوا كثيرون جدا ولا زال الزحام كثيرا بيننا. لا أعرف ماذا جرى لرجالكم. الأغلبية تروح عليها نومة الآن رغم أنه لا يوجد أجمل من نسائكم يابهايم.
وقفت مرتبكا لا أعرف ما أقول وهو يختفي، لكن الفتاة كوثر قالت:
– أنا في ذهول من رؤية هذا الكائن. هل بلغت قوتك أن تستدعي حتى الوحوش؟
– أنا الذي في ذهول. هل فهمتِ شيئا مما قال؟
– لا طبعا. وكدت أدخل في بعضي حتي اتلاشى.
– ما يحدث هو من كراماتِك انتِ ياكوثر. لا أظن أن أحدا سيؤذينا اليوم.
– إذن دعنا ننظر إلى العمارات لتحدثني عمن بنوها.
فصل من رواية ستصدر بعد أيام في معرض القاهرة الدولي للكتاب عن دار المتوسط .
كاتب مصري