البيانات الرسمية المدونة في أوراق الدورة 42 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، تؤكد أن هناك استعدادات جادة لإقامة فعاليات متميزة هذا العام وهو أمر محمود ومطمئن، لو صحت كل المعلومات الواردة في تلك الأوراق، ولنبدأ من الشعار الذي يرفعه رئيس المهرجان محمد حفظي، وهو عودة النور للسينما بعد ظلام كورونا، حيث جرى تصميم اللوغو الخاص، بناءً على هذه الافتراضية، ونقول افتراضية لأن مسألة عودة النور للسينما المصرية تتطلب القضاء على كافة المعوقات الحائلة دون نهوضها، وليس فقط إضاءة الشموع في الفعاليات والاحتفالات، فما تعانيه السينما في ظل واقعها المأزوم لا تتم معالجته بالشعارات والأماني والأغاني.
أما ما يتصل بنشاط الدورة 42 للمهرجان هذا العام فهو مربط الفرس ومفتاح الفرج لعملية التجديد والتطوير، التي من المتوقع أن نشاهدها خلال الأيام المقبلة مع بداية الفعاليات في الثاني من ديسمبر/كانون الأول المقبل، وحتى العاشر منه، فحسب ما ورد من معلومات، أن هناك تمثيلا قويا للسينما المصرية في جميع المسابقات، لكن السؤال الملح.. ما هي نوعية الأفلام المشاركة وطبيعتها؟ والإجابة المستوحاة من واقع الأوراق، أن فيلماً روائياً طويلاً، فقط هو ما حظي بالمشاركة في المسابقة الدولية وعنوانه «حظر تجول» للمخرج أمير رمسيس.
وبغض النظر عن علامات الاستفهام والتعجب الكثيرة التي وضعت في الفترة الماضية أمام اسم أمير رمسيس، وما أثير حوله من جدل لأسباب لا تخفى على المتابعين للحركة السينمائية، فإن التمثيل المصري بفيلم واحد فقط داخل المسابقة الدولية، مسألة تدعو للاستغراب والدهشة، لاسيما في ظل الضجة المثارة والدعاية المكثفة للمهرجان، التي بدأت قبل شهرين تقريباً من انطلاقة !
يعكس هذا الحضور القوي للأفلام التسجيلية والوثائقية والقصيرة، أزمة الفيلم المصري الروائي الطويل، الغائب منذ عدة دورات والمُتسبب في وجود فراغ شاسع في المساحة المُخصصة له داخل المسابقات الرسمية وغير الرسمية.
هذا هو الملمح الأول والمهم، تضاف إليه بالطبع ملامح أخرى ليست أقل أهمية، من بينها أن معظم الأفلام المصرية المُراهن عليها، وعددها يصل إلى نحو ستة أفلام تقريباً، تتنوع بين التسجيلي والوثائقي والروائي القصير، كفيلم «عاش يا كابتن» للمخرجة مي زايد و»على السلم» لنسرين الزيات و»ستاشر» لسامح علاء وفيلم «واحدة كده» للمخرج مروان نبيل وفيلم «عنها» لإسلام العزازي و»الأحد الساعة خمسة» للمخرج شريف البنداري، ومعظمها تتراوح أزمنتها من 20 إلى 80 دقيقة فقط.
ويعكس هذا الحضور القوي للأفلام التسجيلية والوثائقية والقصيرة، أزمة الفيلم المصري الروائي الطويل، الغائب منذ عدة دورات والمُتسبب في وجود فراغ شاسع في المساحة المُخصصة له داخل المسابقات الرسمية وغير الرسمية، ما يستدعي الاستعانة في كل عام بالنوعيات السينمائية المتباينة والمختلفة، لملء الفراغ للتقليل من حجم المشكلة، ورفع الحرج عن المنتجين والمخرجين والمُطلعــــين على صناعة الأفلام من الكبار والشباب.
ما يزيد من الحرج ويضاعف من حجم المسؤولية أن المهرجان مصري والمنظمين مصريون والمكرمين مصريون، والأسماء الكبرى المانحة للجوائز أسماء مصرية، ومع ذلك تأتي المشاركات متهافتة وضعيفة ومتناقضة مع تاريخ السينما المصرية وحجمها الكبير ودورها الرائد، وهو سر الانزعاج من لغز الغياب الغامض للفيلم المصري، بعيداً عن البروباغندا، التي تعمل على تحسين الصورة للتغطية على العجز والتراجع.
وتأتي قصة التكريمات والجوائز، حلقة مُتصلة مُنفصلة تسهم في تكوين الانطباع العام عن الشكل والمضمون، وأولها اختيار الكاتب والسيناريست وحيد حامد، كأحد صُناع السينما الكبار في مصر للفوز بجائزة الهرم الذهبي، وهو تكريم مُستحق لرجل أفنى ما يقرب من نصف قرن في الإبداع، وله بصمات واضحة في مجال الصنـــــاعة الســــينمائية، المتميزة، وهي الجائزة نفسها المهداة للكاتب والسيناريست البريطاني كريستوفر هامبتون، وأيضاً منى زكي التي وقع عليها الاختيار كواحدة من جيل التسعينيات للفوز بجائزة فاتن حمامة في التمثيل المتميز، وإن كانت أكثر حظاً من غيرها لأن هناك من يستحق أن يكرم مثلها، ويشار إليه بعلامة التميز عن جدارة.
أما الجوائز الممنوحة بأسماء المبدعين الراحلين فهي كما هي للشخصيات الشهيرة، سعد وهبة ويوسف شاهين وصلاح أبو سيف وبركات وفاتن حمامة، وقد أُدخلت عليها أسماء أخرى كاسم الناقد الكبير يوسف شريف رزق الله، وهناك ما يجدر بالذكر في هذا الخصوص ويتعلق بجوائز مُستحدثة، كجائزة أفضل فيلم يعالج قضايا الاتجار بالبشر مقدمة من اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتبلغ قيمتها 50 ألف جنيه مصري، بالإضافة إلى جائزة أفضل فيلم يمثل المرأة وقيمتها عشرة آلاف دولار مقدمة من صندوق مشاريع المرأة العربية. وهناك الجائزتان المقررتان منذ الدورات القريبة الماضية، وهما جائزة أفضل فيلم غير روائي، وجائزة أحسن أداء تمثيلي.
تلك معطيات وتفاصيل ما انطوت عليه الأوراق الخاصة بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته 42، والبقية تأتي.
٭ كاتب مصري