قبيل الذكرى السنوية الأولى لعملية المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر ٫٫٫ إيران تقصف بصواريخ فرط صوتية «مشروع الشرق الأوسط الإسرائيلي»

محمد نون
حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: توصلت الدوائر العليا لصناعة القرار الإيراني إلى خلاصة مفادها «أن إسرائيل أعلنت الحرب فعلياً على إيران» فردت بإطلاق 200 صاروخ فرط صوتي على قواعد عسكرية إسرائيلية تقع في الشمال قرب الحدود مع لبنان، وتمتد إلى الجنوب في صحراء النقب.
القراءة الإيرانية اعتمدت على ما قامت به إسرائيل في ثلاث محطات مفصلية:
المحطة الأولى: تمثلت في قيام الاستخبارات الإسرائيلية باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية في قلب طهران بتاريخ 31 تموز/ يوليو 2024 عندما كان ضيفاً عليها خلال مشاركته في مراسم تنصيب مسعود بزشكيان رئيساً لإيران خلفاً لإبراهيم رئيسي.
عندها اعتبرت إيران أن هذا الاغتيال كان انتهاكاً لسيادة إيران والعبث بأمنها وقتل ضيفها، وتوعدت برد قاس ومؤلم.
المحطة الثانية: تمثلت في قيام الطائرات الإسرائيلية بقتل الأمين العام لـ»حزب الله» اللبناني السيد حسن نصر الله في قلب الضاحية الجنوبية يوم الجمعة 27 أيلول/ سبتمبر 2023 عندما ألقت قنابل أمريكية الصنع تزن الواحدة منها 2000 رطل، خارقة للتحصينات تحت الأرض وبقوة تدميرية بلغ مجموعها 83 ألف كيلو غرام من المتفجرات، كانت أكثر من كافية لتدمير ستة مبان سكنية تدميراً كاملاً، ليتولها بعد يوم واحد أي يوم السبت 28 سبتمبر/ أيلول صدور بيان صاعق عن «حزب الله» عنوانه: استشهاد الأمين العام السيد حسن نصر الله.
المحطة الثالثة: قيام رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتوجيه خطاب مباشر للشعب الإيراني بعد يومين فقط أي في 30 أيلول، محذراً ومتوعداً فيه بأنه لا يوجد مكان في العالم لا تصلحه يد إسرائيل الضاربة.

شرق أوسط جديد

كان القاسم المشترك بين المحطات الثلاث هو تجاوز العدوان الإسرائيلي لقطاع غزة وأرض فلسطين، ليضرب في إيران ولبنان، وقبلها في سوريا واليمن على مساحة كبيرة من الشرق الأوسط.
وبالتزامن، رفع نتنياهو في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة -بعيد إعطائه الأمر باغتيال السيد حسن نصر الله – خريطة للشرق الأوسط الذي تريده إسرائيل، وتظهر فيه باللون الأسود خريطة إيران بالإضافة إلى حلفائها في محور المقاومة في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن، ووصفها نتنياهو بمحور الشر، في مقابل خارطة باللون الأخضر تكون إسرائيل وفي قلبها ممر للتجارة من الهند إلى الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل نحو أوروبا».
إنها باختصار الرؤية الإسرائيلية المعلنة التي كان كشف عنها بنيامين نتنياهو قبيل البدء بالحرب الشعواء على قطاع غزة يوم السابع من أكتوبر 2023 بعيد ساعات على الهجوم الكبير الذي شنته المقاومة الفلسطينية ضد مواقع عسكرية في مستوطنات غلاف قطاع غزة.
حينها تحدث نتنياهو عن حرب وجودية لإسرائيل يريد عبرها تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط «الجديد».

مخطط قديم متجدد

لكن هذا المصطلح كان ذاته الذي استخدمته عام 2006 وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس (في ذلك الحين) عندما زارت لبنان بعيد بدء الجيش الإسرائيلي حربه الواسعة ضد حزب الله إثر قيامه بأسر جنديين إسرائيليين لمبادلتهما بأسرى لبنانيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وكان واضحاً حينها أن الشرق الأوسط الجديد الذي أعلنت رايس عن الرغبة الأمريكية في تحقيقه عام 2006 انطلاقاً من لبنان، يستهدف تماماً ما أعاد طرحه بنيامين نتنياهو عام 2023 لكن انطلاقاً من غزة.
لذلك وعندما توقفت القيادة الإيرانية عن تطورات الحرب الإسرائيلية في غزة، والاغتيالات في بيروت وطهران، لم يعد لديها شكك أن الخطة الإسرائيلية تشملها، حتى إن القائد السابق للحرس الثوري محسن رضائي تحدث بوضوح أن إسرائيل تريد إكمال هجومها من غزة إلى لبنان فسوريا والعراق حتى إيران.

الجلبي يكشف خطة غزو إيران 2007

وقد يكون من المفيد التذكير بما سمعته في لقاء بعض الصحافيين- وكنت واحداً منهم – مع رئيس المؤتمر الوطني العراقي المرحوم أحمد الجلبي عندما كان في زيارة للبنان عام 2009. وتكمن أهمية ما قيل، مع طلبه عدم النشر حينها، في أن الجلبي كان معروفاً بعلاقاته الواسعة في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي ذات الوقت كانت له علاقات قوية مع إيران.
قال المرحوم الجلبي حينها «إن البنتاغون الأمريكي كان وضع خطة لغزو إيران على أن يبدأ تطبيقها عام 2007، وذلك استكمالاً للغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001 وغزو العراق عام 2003».
وأضاف: «لكن كان هناك معضلة تأمين الأمن لإسرائيل في ظل وجود قوات حزب الله على الحدود وتمتعهم بقوة صاروخية وقتالية قوية، وإمكانية قيامهم بفتح جبهة مع إسرائيل إذا هاجمت الولايات المتحدة الأمريكية إيران».
لذا استقر الرأي الإسرائيلي – الأمريكي على قيام إسرائيل بتدمير وسحق «حزب الله» اللبناني، تمهيداً لتنفيذ خطة البنتاغون في غزو إيران، ورسم خارطة جديدة للقوى في الشرق الأوسط، لكن الذي حصل هو أن إسرائيل لم تستطع هزيمة «حزب الله» رغم قتالها ضده على مدى 33 يوماً في لبنان الذي تبلغ مساحته الجغرافية الصغيرة 10452 كيلومتراً، وهناك ظهرت خشية أمريكية من عدم إمكانية نجاح غزو إيران التي تمتلك قوة عسكرية ضاربة ممتدة على مساحة شاسعة تتجاور مليوناً وست مئة ألف كيلومتراً مربعاً، ولذلك تم إلغاء خطة غزو إيران عسكرياً في ذلك الحين».

خامنئي يتوعد بهزيمة إسرائيل

ما بين حرب 2006 في لبنان وحرب 2023 – 2004 في غزة، لم يتغير المشهد بالنسبة لإيران، إذ إن المرشد الأعلى آية الله على خامنئي كان بعث برسالة للأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله عام 2006 قال له فيها إنكم منتصرون، ثم أعاد تأكيد ذات الموقف في مناسبة تأبين السيد نصر الله خلال صلاة الجمعة في طهران يوم الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2024، حيث اعتبر أن ما قامت به المقاومة الفلسطينية في طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر كان رداً طبيعياً على الاحتلال الإسرائيلي عندما قال: «إن طوفان الأقصى هي حركة منطقية وصحيحة، وهي من حق الشعب الفلسطيني الذي يمتلك كامل الحق في أن يقف بوجه هؤلاء المحتلين، وأيضاً كامل الحق بأن يدافع عن سيادته ووحدته وأرضه أمام المحتلين وأمام الغاصبين» .
كذلك رأى خامنئي أن ما قامت به المقاومة في لبنان من فتح جبهة المساندة لغزة هو واجب كما واجب بقية أطراف محور المقاومة والعالم الإسلامي، حيث قال: «إن الذين يساعدون الشعب الفلسطيني يقومون بواجبهم الديني ولا أحد يمكنه أن يحتج على هذا الأمر أو يسأل لماذا يتم الدفاع عن غزة، إذ إن الدفاع المستميت للشعب اللبناني عن الشعب الفلسطيني هو شرعي وقانوني ولا يحق لأي أحد ينتقد دفاعهم الإسنادي لغزة».
وعلى مدار عام كامل كانت إيران في صلب تطورات حرب غزة، وطالتها النيران الإسرائيلية في قنصليتها في دمشق، وصولاً إلى اغتيال هنية في طهران، وبلغت الذروة باغتيال أمين عام حزب الله في بيروت».
ويبقى السؤال حول كفية رد إيران على قيام إسرائيل باستهدافها مباشرة؟
بعض الجواب جاء على لسان المرشد خامنئي أيضاً بوصفه القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية بالقول: «إن إيران لن تتأخر في أداء واجب الدفاع ولن تقوم بالانفعال ولن تتسرع ولن تقصر أيضاً في هذا الخصوص».
أما بقية القادة العسكريين فأعلنوا أن هناك قوائم بأهداف جاهزة لا تقتصر على الأهداف العسكرية الإسرائيلية إنما تتجاوزها إلى استهداف البنية التحتية.
وماذا عن الدور الأمريكي المساند علناً لإسرائيل؟ قد يكون الجواب فيما قاله علي لاريجاني، مستشار المرشد الأعلى، نقلاً عن المرشد: «يبدو أننا لا نواجه الكيان الصهيوني بالدرجة الأساس، فغرفة قيادة العدو في المنطقة هي في أيدي الإدارة الأمريكية… فالمنطقة تواجه الأعمال الشريرة للكيان الصهيوني بقيادة أمريكا، وعلينا أن نتحلى بالدقة الكافية في العمل، إذ إن المنطقة تعيش وضعاً معقداً لا يمكن حله بسهولة.
وأكد لاريجاني أن سلوك واشنطن مزدوج. إذ إنها لا تدفع الثمن هي نفسها، بل تعطي الأسلحة لكن قواتها لا تتكبد خسائر. فهي من ناحية تخلق الفوضى، لكن من ناحية أخرى تنصح الآخرين بالحفاظ على الهدوء».
يتوافق هذا الموقف مع ما كان أعلنه الرئيس مسعود بزشكيان من أن الوعود الأمريكية والأوروبية لإيران بأن عدم ردها على اغتيال هنية سيؤدي إلى وقف إطلاق النار في غزة، كانت وعوداً كاذبة».
وخلاصة الأمر أن طهران التي تتوعد بإسقاط ما تراه «مشروع الشرق الأوسط الإسرائيلي – الأمريكي» باتت تجد أن حفظ أمنها القومي لا ينحصر بجغرافيتها، بل ينطلق من شواطئ المتوسط والبحر الأحمر وصولاً إلى الخليج وبحر قزوين.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية