الخرطوم- عادل عبد الرحيم ـ بهرام عبد المنعم:
بينما توشك إثيوبيا على بدء الملء الثاني لسد “النهضة” بالمياه، بداية يوليو/ تموز المقبل، يشهد ملف الأزمة الثلاثية تطورات متسارعة، ربما تقود إلى اتفاق ما في اللحظات الأخيرة يغلق الباب أمام أي خيار آخر، سوى التفاوض.
فالأحد، كشف السودان عن تلقيه من إثيوبيا مقترح “اتفاق مرحلي” بشأن ملء وتشغيل السد، معربا عن استعداده للقبول به، من دون الكشف عن تفاصيله.
إلا أن عضوا بوفد التفاوض السوداني حول السد، طلب عدم نشر اسمه، قال الاثنين إن “المقترح الإثيوبي يتكون من جزأين، الأول خاص بالاتفاق الجزئي للملء الثاني، والثاني خاص باتفاق التشغيل وتبادل المعلومات في المستقبل”.
وأبدت الحكومة السودانية، الأحد، استعدادها للقبول باتفاق مرحلي، شريطة “التوقيع على كل ما سبق التوافق عليه من القضايا الفنية بشأن ملء وتشغيل السد، ووجود ضمانات سياسية وقانونية وبمباشرة من المجتمع الدولي، وأن يستمر الالتزام الجزئي من قبل إثيوبيا حتى الوصول لاتفاق شامل وقانوني وملزم”.
وأضاف مسؤول حكومي، في حديث مغلق مع إعلاميين بالخرطوم، أن الشروط تتضمن كذلك “أن لا يشمل الاتفاق المرحلي اتفاق تقاسم المياه، بجانب وضع مدى زمني للتوصل إلى اتفاق شامل حول أزمة السد لا يتعدى 6 أشهر، والتوقيع على كل ما تم الاتفاق عليه في الفترة السابقة”.
صمت مصري
وفق مراقبين، فإن المقترح الإثيوبي المدعوم من الاتحاد الإفريقي، هو تطبيق حرفي لمبادرة أمريكية.
لكن المتحدث باسم الوفد السوداني عمر الفاروق، نفى في تصريح لقناة “الجزيرة” القطرية، الإثنين، علم بلاده بوجود دعم من واشنطن ولا الأمم المتحدة للاتفاق في صورته الراهنة.
والتزمت مصر الصمت بشأن ما أعلنته الخرطوم حول مقترح “الاتفاق المرحلي” الإثيوبي.
وردا على سؤال بشأن التنسيق بين الخرطوم والقاهرة حيال مقترح الاتفاق المرحلي، أجاب الفاروق: “هنالك شكل من أشكال التنسيق، لكن ما أريد أن أركز عليه هو أن مصر لا تتضرر من الملء الثاني”.
واستطرد: “بينما المتضرر المباشر هو السودان، بشهادة وزير الخارجية المصري سامح شكري، ولذلك نحاول قدر الإمكان أن نتوصل إلى صيغة مرضية للأطراف الثلاثة”.
وتخشى الخرطوم من تهديد مباشر يشكله ملء السد الإثيوبي على سد “الرصيرص” (سوداني على النيل الأزرق)، وعلى مشروعات الري ومنظمات توليد الطاقة والمواطنين على ضفة النيل الأزرق.
وخلال السنوات العشر الماضية، عُقدت عشرات الجولات التفاوضية بين إثيوبيا ودولتي مصب نهر النيل، السودان ومصر، دون التوصل إلى اتفاق نهائي، مع تبادل للاتهامات بشأن المسؤولية عن تعثر المفاوضات.
وحتى لو لم يتم التوصل إلى اتفاق ثلاثي بشأن الملء والتشغيل، تُصر أديس أبابا على تنفيذ الملء الثاني للسد، الواقع على النيل الأزرق، وهو الرافد الرئيس لنهر النيل.
بينما تتمسك الخرطوم والقاهرة بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي، للحفاظ على سلامة منشآتهما المائية، ولضمان استمرار تدفق حصتيهما السنوية من مياه النيل، وهي 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليارا للسودان، وفق اتفاقيتي 1902 و1959، اللتين تراهما إثيوبيا مجحفتين بحقها.
أهداف أديس أبابا
وقال عبد المنعم أبو إدريس، وهو باحث سوداني في شؤون القرن الإفريقي، إن “المقترح الإثيوبي يهدف إلى إخراج السودان وإثيوبيا من المأزق”.
وأضاف أن إثيوبيا تريد تحقيق عدة أهداف من هذا المقترح، منها “شرعنة الملء الثاني، وترحيل أزمة الاتفاق النهائي، وكسب وقت في بناء السد، وتخفيف الضغوط الدولية عليها”.
ورأى أن “الاتفاق في الوقت الراهن يُكسب حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ورقة داخلية بأنها ماضية في مشروع السد”.
وتابع أن “السودان مأزقه فقط في الملء الثاني؛ لأنه لن يتأثر بعد ذلك، فسيكون (منسوب مياه) النيل في أرضه قد أخذ مستواه وثبت عليه، وعلى ذلك يمكنه إدارة منشآته (المائية)”.
وفي أبريل/ نيسان الماضي، عرضت إثيوبيا توقيع اتفاق مرحلي مع السودان لتبادل المعلومات حول ملء السد، وآخر للتشغيل المستمر، لكن الخرطوم رفضته.
وأرجعت الخرطوم رفضها آنذاك إلى أن “معظم القضايا تحت التفاوض، وأهمها آلية التنسيق وتبادل البيانات، وسلامة السد والآثار البيئية والاجتماعية مرتبطة ارتباطا وثيقا ليس فقط بالملء الأول، وإنما بكل مراحل الملء والتشغيل طويل المدى، وبالتالي لا يمكن تجزئتها”، وفق بيان رسمي.
تقنين للأمر الواقع
أما خالد عبد العزيز ، وهو محلل سياسي سوداني، فرأى أن “المقترح الإثيوبي بخصوص الملء الثاني هو تقنين للأمر الواقع، وفي كل الأحوال إثيوبيا ستقوم بالملء الثاني، وكل أوراق الضغط لحكومة السودان ومصر لم تنجح في زحزحة الموقف الإثيوبي”.
وأردف عبد العزيز أن “الحكومة الإثيوبية تستخدم موضوع السد كرافعة استنهاض للشعور القومي الإثيوبي في ظل أزمات داخلية حادة”.
واستطرد: “هي تحاول الهروب من النزاع الداخلي عبر المشروع القومي للإثيوبيين، وهو سد النهضة، باعتباره قضية هوية في المقام الأول أكثر من قضية مياه”.
وتابع: “إثيوبيا بفرض سياسة الأمر الواقع تضغط على السودان، وهو أكثر تضررا من الملء الثاني، خاصة في الخزانات ومخزونه من المياه لهذا العام والعام المقبل”.
واعتبر أن “السودان بالتالي ليس أمامه خيار، فإما تسوية جزئية للملء الثاني أو يتضرر ضررا شديدا في حال ملأته إثيوبيا في فترة زمنية قصيرة، وهذه الشروط أقرب لشروط المنتصر”.
واستطرد: “إثيوبيا تنتصر في معركة الملء الثاني للسد، لكن ستخلق بيئة وسمعة سيئة في تعقيد التفاوض في المراحل المقبلة؛ لأنها ستكون قد أملت شروطها على دولتي المصب”.
ورأى أنه “سواء تم الاتفاق على الملء الثاني أم لا، ستفرض إثيوبيا شروط الأمر الواقع وستُعقّد التعاون المشترك المستقبلي بين الدول الثلاث بشأن كهرباء السد، والمشاريع المستقبلية الأخرى”.
وخلال يوليو وأغسطس المقبلين، تسعى إثيوبيا إلى تخزين حوالي 13.5 مليار متر مكعب من المياه في الملء الثاني لسد.
وأعلنت أديس أبابا في يوليو الماضي، اكتمال ملء السد بـ4.9 مليار متر مكعب في المرحلة الأولى من الملء.
وفي أبريل/ نيسان 2011، بدأت بناء هذا السد على مجرى النيل الأزرق في ولاية “بني شنقول قومز” قرب الحدود مع السودان.
(الأناضول)