في الأسابيع الأولى من الحرب الأهلية اللبنانية، كتب نزار قباني مقالاً محذراً فيه من التمادي في العنف، وكان عنوان المقال «ستقتلونه وستندمون» ويقصد بذلك لبنان!
لقد قتلوا لبنان يا نزار، وهم يتابعون قتله كل يوم ولم يندم أحد، كما كنت تظن. قتلوا لبنان مالياً؛ حيث أفلست البنوك (أو لم تعد تدفع لأصحاب الودائع أموالهم) وقتلوه فكرياً؛ فقد غادره الكثير من أصحاب الأدمغة إلى الغرب، وقتلوه كمصيف للعرب، وقتلوه «كسويسرا الشرق» كما كان ملقباً، وصار «فجيعة الشرق» وهم يمعنون قتلاً، وحتى تشكيل وزارة من الخبراء قد تنقذ البلد أضحى أحجية عسرة على الحل.. والأدهى من ذلك كله أنه ما من مسؤول عن ذلك الاغتيال يشعر بالندم.
البلدان الأوروبية تعي حجم الكارثة اللبنانية، وتبالي بها أكثر من مبالاة المسؤولين عنها لبنانياً.. وحتى رئيس جمهورية فرنسا جاء إلى بيروت واعداً بالمساعدة في إحياء (القتيل) شرط أن لا يذهب (العلاج المالي) إلى جيوب البعض.
لقد صدق قولك يا نزار: «ستقتلونه» لكنهم لم يندموا.. كما كنت تتوقع! وهنا جوهر المأساة اللبنانية.
أعياد دامعة ومناسبات تجارية!
منذ أسابيع مر «عيد الأب» وقبله بأشهر «عيد الأم» وتلك مناسبة عاطفية جميلة ليقوم الأبناء والبنات بإبداء امتنانهم لما قدمه لهم الآباء (والأمهات) من رعاية حتى كبروا. ولكن هذه الأعياد هي من فئة الأعياد الدامعة، حيث يتذكر الذين فقدوا الأمهات والآباء مدى لوعتهم لمرارة الفقد.
لي جارة فرنسية تكره «عيد الأم» ويبكيها لأنها فقدت أمها وهي في الخامسة من العمر.. وتكاد لا تذكر شكلها أو صوتها.. وجارة أخرى فقدت والدها وهي مراهقة وتكره زوج أمها. إنها الأعياد الدامعة. لكنها مناسبة تجارية لرجال الأعمال، إذ يتم التذكير بضرورة شراء هدية للأم في عيدها وللأب في عيده، ونقرأ عشرات الإعلانات التي تقترح عليك شراء هذه الهدية أو تلك، والمهم أن تسدد ثمنها! وهكذا يتم تحويل الكثير من الأعياد إلى مناسبة تجارية.. وبالذات عيد الميلاد المجيد، حيث يفترض أن (البابا نويل) يحضر الهدايا للصغار ويتركها أمام شجرة الميلاد (لكنه لا يسدد فواتيرها وليس لديه دفتر شيكات، فتلك مهمة الآباء والأمهات)!
لكل أحزانه وذاكرته
عيد الأب ذكرني بأبي وبأنه كان يذهب مشياً إلى الجامعة السورية.. توفيراً لنقود المواطنين بدلاً من ركوب سيارة الوزارة كرئيس للجامعة ووزير. تذكرت أيضاً كم شجعني حين بدأت كتابة القصص. أتذكر مرة سعادته بندوة مشتركة لنا في «منتدى سُكينة» وصاحبته الأديبة ثريا الحافظ. يومها وقف على المنبر قبلي وقال للحاضرين: قررت أن أقرأ محاضرتي قبل أن تقرأ ابنتي قصتها خوفاً من أن تذهبوا جميعاً بعد الاستماع إليها، ولعلكم جئتم خصيصاً لذلك!!
وضحك الحضور لخفة ظله وشعرت بالفخر. ويذكرني «عيد الأب» كم أنا مدينة لأبي.. وكم أفتقد دمشق.
أحزان «عيد الأم»
عيد الأم يذكرني بأمي التي لم أعرفها.. وكانت فيما يبدو أديبة تكتب باسم مستعار على عادة ذلك الزمان.. وحين رحلت صبية في الثلاثين، رثاها نزار قباني بقصيدة من أربعين بيتاً ألقاها في حفل تأبينها في «مدرج جامعة دمشق» ونشرتُها كاملة بخط يده في «مجلة الحوادث». بعد ذلك بأعوام طويلة، وقفت على منبر «المركز الثقافي» في اللاذقية، مدينة أمي، وقرأت قصتي، وكان صوت أمي يخرج من حنجرتي.. كما لو كانت قد عادت حية عَبري.
أعياد تنبش أحزان البعض
عيد الأب.. عيد الأم، كلها مزدحمة بالذكريات للذين فقدوا حظ إيداع قبلة على خد الأم أو جبين الأب.. يوم عيدهم.
إنها أعياد تتحول أحياناً إلى مأتم في بعض القلوب.. ولكن لا يحق لنا المطالبة بإلغائها.. فمن حق سعداء الحظ بحضور أب وأم في حياتهم الاحتفاء بذلك!
ميلا: تجهل أم تتجاهل؟
ميلا شابة فرنسية قيل إنها تحاول الحصول على الشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي ولا تلقى المبالاة.
تهجمت مؤخراً على القرآن الكريم والدين الإسلامي الحنيف. وهنا نجحت في جلب الأنظار، ولعلها لم تفكر في ردة الفعل التي ستلقاها من المسلمين في فرنسا الذين يرفضون إهانة كتابهم المقدس «القرآن الكريم» ودينهم الحنيف، وتلقت الكثير من التهديد بالقتل على مواقع التواصل الاجتماعي رغم زعمها أنها كتبت ما كتبته بفضل «حرية الرأي كمواطنة فرنسية» وحاولت الربط بين ما يحدث لها وما حدث لمجلة (شارلي ايبدو) التي سخر كاريكاتيرها من سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام!
بل إنها أقامت الدعوى على الذين هددوها بالقتل لما اقترفته بحق الدين الإسلامي الحنيف. وها هي تلعب دور المظلومة السجينة، إذ تقول في مجلة «كلوسر» الفرنسية بتاريخ 24ـ7 وهي التي ترافقها كل يوم حراسة بوليسية مشددة (كي لا يتم اغتيالها) تقول: إن ذلك لخانق.. اذهب لشراء الخبز ويرافقني حارس!
لدي شعور بأنني سجينة لذنب لم ارتكبه! لم يعد بوسعي حتى الدراسة لشهادة البكالوريا. لقد تدمرت حياتي، وأتمنى ألا يزعج ذلك أهلي. هذا غير عادل. ولكن من غير العادل استعمال شتم الدين الإسلامي وسيلة للشهرة، وأعتقد أن الباحثات عن الشهرة عليهن البحث عنها في حقل آخر غير الاستخفاف بالقرآن الكريم وبالمسلمين.
ولعل ما حدث يكون درساً لعاشقات الشهرة بأي ثمن. بما في ذلك إهانة دين المسلمين!
لماذا دائما لبنان أما سوريا لا بواكي لها !! هل الشعب السوري ابن البطة السوداء ؟
(وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)
(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)
آيات كثيرة تدعو لبر الوالدين, فالعبادة لله وحده ثم بر الوالدين!
هل لاحظتم بأن الآيات التي تنهى عن الشرك تأمر ببر الوالدين؟
أي أن من لا يبر والديه كالمشرك!! ولا حول ولا قوة الا بالله
تنبيه للبعض:
إحذر يا أخي, واحذري يا أختي من غضب الوالدين, لأن المصير سيكون مرعباً بالدنيا والآخرة!
وتذكروا بأن رضا الله من رضا الوالدين!! ولا حول ولا قوة الا بالله
أخاف غضب الله, وأخاف غضب الوالدين!
حين غضبت أمي رحمها الله من زوجتي إستأذنت أمي بطلاق زوجتي!!
قالت لي: أتطلقها لأجلي؟ فأقسمت بالله أني سأفعل لو طلبتي من ذلك!!!
قلت لها: رضاك يا أمي يدخلني الجنة, وغضبك يدخلني النار, فقالت لا تطلقها!!!! ولا حول ولا قوة الا بالله
إشتكى شخص أمه للشيخ وقال بأن أمه تسكن عنده, فاستوقفه الشيخ وقال أعد ما قلت!
فكرر هذا الشخص للشيخ بأن أمه تسكن عنده والشيخ يقول له أعد, فقال هذا الشخص: وماذا أقول؟
قال الشيخ: قل أنك وزوجتك وعيالك تسكن عند أمك المتفضلة عليك, فأنت وما تملك لأمك!! ولا حول ولا قوة الا بالله
كان أبي رحمه الله يضربني بالشارع أمام الناس بسبب شقاوتي مع الآخرين, ولم أخجل من ذلك أبدا!
وحين يكون ذنبي كبير يبصق بوجهي فأقول له: ماء ورد يا أبي فيضحك رحمه الله!!
والله أني ما كنت أتوجع من ضربه, وكأنه يضرب نفسه!!! ولا حول ولا قوة الا بالله
قرأت قصتي، وكان صوت أمي يخرج من حنجرتي.. كما لو كانت قد عادت حية عَبري . هذا النص يعيدني إلى نصوص نجحت أدبياً في نحت وجه المرحومة سلمى وريحه والدة الاستاذة غادة السمان ( أمي التي ربما أحبتني ذات يوم .. لا أذكر وجهها ولا صوتها فقد ركضت إلى موتها وأنا طفلة لا تعي شيئا وقيل لي فيما بعد أن أمي ماتت قبل أن تبلغ الثلاثين من العمر وأنها كانت تحبني وتدللني .. والسيدة غادة استنتجت ذلك من خلال الغرفة وردية الاثاث التي اختارتها لها والدتها …
الارواح تتابع حضورها في الحياة … السيدة سلمى رويحه الآتية من الساحل السوري اللاذقية لتعمل في التدريس ، وتسكن البيت الكبير في الحي الشامي ، وتكتب في الصحافة باسم مستعار ، ثم تتابع حضورها من خلال ابنتها الاديبة غادة السمان . ولشخصية الاستاذة سلمى رويحه تأثير كبير في مسار حياة الايقونة غادة فلهن نفس العواطف الجامحة ، وتقديمهن متعة الكتابة على الواجبات النسائية ، وتقول الايقونة : لقد اخترقني حرفك بصدقه وحميميته فتعلمت منه أهمية الصدق في الكتابة .
تحياتي
نجم الدراجي – بغداد
ولك جزيل الشكر أخي نجم
إليك مقالي في الحياة هو الفصلُ
يميّز أخلاق العباقرة الفضلُ
أتينا إلى الدنيا (لتحيا )وغيرنا
أتاها( ليحيا )والعطاء هو الأصلُ
شعر
أبو تاج الحكمة الأول
يوم جاءني اتصال مفاجئ بأرقام فرنسية كل ما دار في رأسي لثواني وأنا أشاهدها وكأنها تتراقص أمامي أن هذا اتصال من السيدة غادة السمان رغم تخوفي حدوث ذلك فقد حاولت مرارا البحث عن أرشيف البرنامج الذي قدمته في الإذاعة السورية وفي كل مرة كنت أخشى الاستماع إلى صوتها مفضلا تخيله! لقد كان الاتصال من صديق عزيز يبدو أنه كان في مهمة في باريس.. بعد عدة أيام أرسل لي الصديق العزيز نجم الدراجي مقال منشور في صحيفة الدستور الأردنية بعنوان ” ألو.. أنا غادة السمان” للكاتب طلعت شناعة يروي فيه تفاصيل مكالمة السيدة غادة له بعد أن بعث لها برسالة عبر الفاكس متمنيا منها أن تكتب مقدمة كتابة وجاء ردها كالآتي: “اوعى تخلي حدا يكتب لك مقدمة.. قدّم نفسك للقارىء بنفسك. نزار قباني وهو شاعر كبير وقريبي عرض عليّ كتاب مقدمة اول كتبي « عيناكَ قدَري « و ما رضيت.
هذا مبدأ لا اكتب ولا اسمح لأحد أن يكتب لي مقدمة كتبي.
يتبع
وتذكرت مقال قديم لصحافية لبنانية تركت رقمها لدى البائع في قسم منشورات غادة السمان في معرض بيروت الدولي للكتاب لتفاجئ باتصال السيدة غادة الذي لم تتوقع أن يحدث بهذه السرعة والسهولة… كما أخبرتني الصحفية السورية الرقيقة عفراء ميهوب كيف أرسلت لها السيدة غادة مجموعة من كتبها إلى دمشق تقديرا لمقال نقدي تحليلي كتبته حول كتاب ” القلب العاري.. عاشقا”.
مقال انساني مبدع يحفز المتلقي على استذكار الاب والام بأزهى صورهم….. لحظات لا تقدر بثمن ولا استبدلها بكل ما في الارض طفلا سعيدا بعودة الاب بعد الاعتقال الاسرائيلي او لحظة ظهور امي من اول الشارع بعد يوم من العمل كمدرسة اوالجدة التي تقوم بدور المربية في غياب الاب والام فتحكي قصص غريبة عجيبة عن بقرة الايتام ذات القوة الخارقة…. هي اشياء لا تشترى …رحمهم الله اجمعين ورحم والدي الكاتية الانسانة وجميع اموات القارئيين لهذه اللفتة الانسانية