‘وقع قتل الجندي في الضفة الغربية على خط التماس بين القومي والجنائي. يبدو أن الباعث الرئيس على الفعل قومي: فقد قال الفلسطيني المشتبه فيه بالقتل، نضال عامر، في التحقيق معه إنه اختطف وقتل الجندي بغرض اجراء تفاوض في اعادة الجثة التي سيجيء بها للافراج عن أخيه السجين الأمني من فتح، المسجون في اسرائيل. لكن الظروف التي اغرى فيها الجندي للمجيء الى الضفة لا تتعلق بأية حال من الاحوال بعمله العسكري ويوجد احتمال معقول لأن يكون الاتيان به الى المناطق قد تم في سياق نشاط غير قانوني. راجت هذه العمليات في السنتين الأوليين من الانتفاضة الثانية، فقد كانت المنظمات الارهابية تبحث عن أهداف عتيدة: عن مواطنين اسرائيليين دُفعوا الى ارض فلسطينية، وكان يمكن الامساك بهم بسهولة نسبية. وكلما كثرت العمليات ادركت الكثرة المطلقة من الاسرائيليين أنه يحسن الابتعاد عن المنطقة خشية على حياتهم. وقُتل في عدد من الحالات اسرائيليون تم إغراؤهم بالمجيء الى الضفة بذرائع مختلفة مثل: علاقة غرامية على الانترنت وزيارة مطعم حمص في طولكرم وغير ذلك. لكن راجت في تلك الفترة في الأساس عمليات تمت مع استغلال الفرصة على خلفية جنائية كاسرائيليين جاؤوا الى الضفة لأجل صلة بمخالفي قانون (سرقة سيارات وتقاسم نهب سطو على البيوت وصفقات مريبة وغير ذلك) ووجدوا أنفسهم هدفا لعملية تخريبية. إن الوضع الامني في المناطق اليوم يختلف تمام الاختلاف. فقد ذوت الانتفاضة في الضفة حوالي 2005 2006. والسيطرة الاستخبارية لـ’الشاباك’ والجيش الاسرائيلي ولاجهزة أمن السلطة الفلسطينية ايضا عميقة جدا. ويفضي الهدوء الجديد الى دخول مواطنين اسرائيليين كثيرين الى الضفة، وهو يهيئ في الهامش ايضا أهدافا جديدة للعمليات. لا يوجد في اعلان ‘الشاباك’ لعملية القتل الذي نُشر في يوم السبت بعد الظهر، تحديد قاطع لسبب الفعل. ويكتفي الجهاز بنقل كلام المخرب في التحقيق الأول معه. وما زال سؤال أتمت هنا عملية خُطط لها بصورة دقيقة مسبقا أو لقاء في ظروف مختلفة؟ ويضيف اليه الآن المتهم بالقتل سياقا قوميا بصورة متأخرة، ما يزال بلا جواب بقدر ما على الأقل. إن اتجاه التحقيق المتقدم الآن قومي، لكن من الواضح ايضا أن للقاتل نفسه منذ اللحظة التي اعتُقل فيها مصلحة بأن يقول إنه عمل عن بواعث تخريبية لأن هذا الاعلان يُحسن مكانته في الجانب الفلسطيني، اذا قيس بمخالف جنائي، ويُحسن في الأمد البعيد ايضا احتمالات أن يُفرج عنه مبكرا في اطار صفقات محتملة لتبادل أسرى وسجناء في المستقبل. يبدو الاختطاف نفسه مبادرة محلية وعمل انسان فرد أو مجموعة صغيرة. وليس معلوما في هذه المرحلة وجود منظمة ارهاب ما تقف وراء العملية. إن السجين الأمني وهو شقيق المشتبه فيه بالقتل، نشيط من فتح مسجون في اسرائيل بسبب مشاركة في إرسال مخربة منتحرة، وفي سلسلة عمليات اطلاق نار في 2003. ولم تشتمل قائمة السجناء الذين أُفرج عنهم في صفقة شليط قبل سنتين على الأخ مثل ناس كثيرين آخرين من فتح. عند الجيش الاسرائيلي و’الشاباك’ إنذار دائم بمحاولات اختطاف مواطنين اسرائيليين وجنود في الضفة في اطار جهد لفرض الافراج عن السجناء، على اسرائيل. وقد أُحبط في السنة الاخيرة عدد من هذه الخطط لخلايا من حماس في الضفة عملت على نحو عام بناء على توجيهات من قيادة المنظمة في قطاع غزة. وإن نجاح حماس في الافراج عن 1027 سجينا فلسطينيا بصفقة شليط يحفز الى محاولات اخرى من قبل المنظمة ومن قبل فصائل اخرى، والى مبادرات محلية احيانا، كما في هذه المرة. على هذه الخلفية على الخصوص يكون من المهم بالنسبة للمواطنين الاسرائيليين الحذر، ولا سيما في حال ما يبدو أنه عمل مُغرٍ قانونيا أو غير قانوني. وينطبق على المناطق ايضا المبدأ المستعمل في حيل البريد والانترنت: اذا بدت صفقة ما أفضل من أن تكون حقيقية فيبدو أنها غير حقيقية. لا يتوقع أن يؤثر قتل الجندي في العلاقات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، رغم أنه سيثير بيقين دعوات الى عملية حازمة من قبل المقاعد الخلفية في احزاب اليمين الاسرائيلي. إن الجانب المشترك في كل محاولات الاختطاف في الضفة هو أن الخاطفين يدركون أنهم لا يستطيعون احتجاز مختطف حياً (لأن الشخص الحي يوجب انشغالا دائما حوله يثير الانتباه الاستخباري)، ولهذا يسارعون الى قتله. وهذا وضع يختلف تمام الاختلاف عن الوضع في القطاع، حيث نجحت حماس في الابقاء على شليط حيا أكثر من خمس سنوات، من دون أن تنجح اسرائيل في معرفة موقعه وتخليصه. تعتمد السيطرة الاستخبارية الاسرائيلية في الضفة ايضا على تنسيق أمني وثيق مع السلطة الفلسطينية، لكنها تعتمد قبل كل شيء على حرية عمل كاملة في الميدان وهي القدرة على الدخول سريعا وقت الحاجة الى كل مكان في الضفة واحتجاز مشتبه فيهم من اجل التحقيق. وتشهد على ذلك ايضا أحداث نهاية الاسبوع. مرت ساعات قليلة فقط منذ كانت الشكوى التي قدمتها عائلة الجندي من غيابه الى العثور على المشتبه فيه واعتقاله ووجود الجثة بعد ذلك. وهذا فرق بارز في الواقع الأمني بالقياس بالوضع الذي كان يسود الميدان قبل عشر سنوات.