قد يستمر الصدام بين التيارين الرئيسين في مصر القومي والديني

حجم الخط
0

إن مصر بلد متعب مرهق. وأشعة الفجر التي لفت ميدان التحرير بدفء بداية جديدة خفتت ويجب على مصر الحديثة ان تستمر في بحثها السيزيفي عن الحداثة والهوية والقوة الوطنية. ليست الثورة المفاجئة هي الخطر هنا بل سقوط مصر مرة اخرى في مهد تاريخ خيباتها. كيف سيرد الشعب المصري الذي قد شبع من الايديولوجية، لكنه جرب الاحباط وخيبة الأمل من السياسة ومن الاقتصاد الاقليمي، على ذلك هذه المرة؟ يبدو ان ذلك سيكون بعنف مستمر.
تعتمد مصر المتهاوية على شعور بهوية قومية مميزة. لكن التصورات الدينية لم تُخل الميدان تماما لافكار وأنماط تفكير قومية عصرية. فهذه وتلك تتنافس في السوق الفكرية بلا انقطاع.
كانت القومية فترة طويلة حاملة رئيسة لافكار غربية كالحداثة والتقدم والحق في تقرير المصير وسيطرة الانسان على مصيره ايضا. وهذا لب لباب الفكرة العلمانية. فالقومية هي التي تؤكد اللغة أو الارض باعتبارهما عاملين مُجمعين للمجتمع السياسي. ونُحي الدين جانبا وأصبح عاملا واحدا من عوامل كثيرة في تراث مصر الثقافي. ولا يعني هذا انه لا مكان للدين في التراث الثقافي وفي النموذج القومي لعبد الناصر، بل يعني أنه انتقل الى هامش الهوية.
إن محاولة الحركات الاسلامية لـ’التطبيع’ ومهادنتها للنظام الحاكم انشآ جماعات هامشية لم تتطرف بوسائل العنف والارهاب فقط بل بالممايزة بين الاسلام والغرب ايضا. فقد تركت الحركات الجديدة الرسالة العامة للاسلام في بدء طريقه والتي أرادت ان تلغي الدولة القومية وتوحد صفوف الأمة باعداد القلوب وبالتربية، واختارت التحديد القومي والمهادنة مع وجود الدولة القومية. ورغم ذلك فان قبضة الهوية الاسلامية على المجتمع المدني أقوى كثيرا. والدليل على ذلك نتائج الانتخابات واستفتاء الشعب في’مصر في السنة الماضية، اللذان فازت فيهما حركة الاخوان المسلمين. وقام سبب آخر لفوز الاخوان المسلمين على توجه أخذ يعود في العالم الاسلامي في اوقات الشدة وهو الميل الى العودة الى المصادر، أي الى كيان يحدده الاسلام لا القومية. إن الاسلامية الجديدة التي جاءت هذه المرة من ‘أسفل’ ايضا هي قبل كل شيء طريقة لبناء هوية من جديد في عالم فقد من معناه وأصبح غير معروف وغريبا.
هل يمكن’توحيد وادي النيل؟ وهل ستثبت القومية المصرية الحديثة وشوقها الى الوحدة لعبء التراث الديني الاسلامي؟ إن الطريق لتغيير الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي دامٍ مرصوف بتطرف العنف. إن عشرات القتلى في الاسبوع الماضي هم نتاج صراع تاريخي بين تيارين كانت نتيجة صدامهما على مر السنين عنيفة وخطيرة. واذا استمر الوضع على هذا النحو فستخسر مصر مرة اخرى فرصة حقيقية للتغيير فيلف الظلام البلد مرة اخرى ويتحول الماء في النيل الى دم وتضحي بأبنائها مرة اخرى في صدام بين الهويات والايديولوجيات من دون ضمان مستقبل أفضل للجيل التالي.

‘ باحث في معهد بحوث الامن القومي
اسرائيل اليوم 14/7/2013

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية