قراءة سريعة لما قبل الضربة الامريكية

حجم الخط
0

اخيرا قررت الادارة الامريكية توجيه ضربة قد تكون موجعة او جراحية الى النظام السوري، ولكن لا أحد يعلم تماما ماذا يدور في خلد هذه الادارة وما قد تتمخض عنه من خلط للاوراق أو هيمنة، خصوصا ان التخطيط لضربة عسكرية محتملة يشارك فيها العديد من الدول جاءت بعد مجزرة الكيماوي، التي قامت بها قوات النظام السوري بأمر من القيادة العسكرية السورية، التي راح ضحيتها الآلاف من أطفال ونساء وشيوخ كانوا يحلمون بغد أفضل، ولكن السؤال الذي يتبادر الى الاذهان، هل ادارة اوباما تقاعست عمدا عن انقاذ الشعب السوري ودعم ثورته منذ بداية انتفاضة الشعب السوري التي أجبرت على حمل السلاح من قبل الادارة السورية، وكانت قاب قوسين او ادنى من تحقيق انتصار ساحق على النظام الطائفي في سورية، تحسبا لتطور مفاجئ يتيح لها التدخل ولو بشكل مبدأي وغير مباشر في الأزمة السورية.
هذا التطور الذي أفرز أبشع مجزرة يرتكبها نظام دولة عصرية في تاريخ البشرية، فقد اطلق الرئيس اوباما جملته الشهيرة قبل عام وبعض العام عن الخطوط الحمر في ما يتعلق بالاسلحة الكيماوية، ولكنه تجاهل تماما جميع اسلحة النظام ما دون الكيماوي، وإن كان قد علم مسبقا بان النظام السوري على مدار تلك الفترة استعمل الاسلحة الكيماوية في أكثر من موقع على الأرض، تجاوزت الخمسة والعشرين مرة. وللعلم ان الضربة القادمة ستأتي ليس حبا في الشعب السوري وانقاذه من مجازر قادمة، وانما قد تأتي لحفظ ماء وجه الادارة الامريكية التي كادت أن تفقد مصداقيتها واخلاقيتها في العالم، نتيجة سكوتها لمدة عامين على نزيف الشعب السوري.
فادارة اوباما تريد الآن تقليم أظافر الرئيس السوري وقصقصة بعض من أجنحته القاتلة لشعبه، لاعتقادها بأن هذا النظام ورموزه يعدون صمام الأمان الوحيد للكيان الصهيوني ومحاصرة الحركات الراديكالية الاسلامية، كجبهة النصرة وتوابعها من حركات تنتمي للتنظيم الارهابي العالمي، او ما يسمى ‘القاعدة’، وهذا سيسهل الأمر نوعا ما على الجيش السوري الحر، في ما لو حقا أرادت الادارة الامريكية دعمه بشكل كامل من أجل ترتيب مرحلة ما بعد سقوط الأسد وعرينه بالكامل، فالجيش الحر أطلق وعدا حرا وشريفا للمجتمع الدولي والاتحاد الاوروبي وبشكل خاص الامريكيين بأنه سيقضي على فلول ‘القاعدة’ في سورية، ريثما ينتهي من هدفه الرئيسي والأساسي وهو اسقاط نظام دمشق بكل رموزه وتقديمهم جميعا للمحاسبة القانونية.
لقد اعلن الجيش الحر منذ البداية أنه قادر على الحاق الهزيمة بالنظام وتحقيق انتصار عليه، في ما لو استطاع الحصول حقا على دعم عسكري حقيقي لملاحقة الطيران الحربي السوري، من دون أي تدخل خارجي، وايضا كل اطياف المعارضة السورية طلبت مرارا وتكرار من المجتمع الدولي ان يعمل على اقامة حظر جوي، فقط لتحييد آلة القتل الجوية للنظام، ولكنها سوفت وخذلت الى ان جاء يوم الاربعاء الدامي بحق الموافق 21 آب/اغسطس 2013،هذا اليوم المشؤوم للانسانية والبشرية معا التي ارتكبت فيه مجازر حركت ضمائر كل الكائنات الحية وقضت فيه على الفيتو الصيني والروسي والايراني، وكل فيتو قد يولد من جديد.

انزواء الدب الروسي الى جحره الطبيعي

لقد استفحلت الأزمة السورية وتضخمت ووصلت الى ما وصلت عليه الآن بسبب تعنت الموقف الروسي واستعماله الفيتو في مجلس الأمن لثلاث مرات لحماية النظام السوري، فروسيا ارتبطت مع هذا النظام بعقود تقدر بمليارات الدولارات، ثمن الأسلحة الفتاكة التي وصلت الى نظام دمشق ليقتل بها شعبه الأعزل، وآخر صفقة كانت لصواريخ أس أس 300 المرعبة الذائعة الصيت، التي يهدد النظام باستعمالها اذا ما حوصر وشنت عليه ضربات عسكرية من الغرب والمتحالفين معه من الدول العربية، فلم يعد الآن بمقدور الروس انقاذ ما يمكن انقاذه لضمان حصولهم على ثمن هذه العقود، أي علاقتهم كانت بالنظام من اجل العقود وتوريد الاسلحة وليس من اجل اقامة علاقات مع بشار الابن وحافظ الاب فمصالحهم ارقى من اقامة علاقات خاصة انسانية ودية مع هؤلاء، لذا هم لا يستطيعون فعل اي شيء وأصبحوا يريدون السلة السورية من دون عنب، لأن الأمر وصل بالأزمة السورية، ما بعد مجزرة الغوطتين، الى أبعد بكثير مما اعتقدوا، فتصريح لافروف على خلفية التصريحات الامريكية والغربية لضرب وشل حركة الطيران الحربي السوري ودفاعاته الجوية، قال بأن روسيا لا يمكن لها وسوف لن تتدخل في أي حرب قادمة قد تحصل في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا في سورية، وهذا دليل قاطع على أن كل خيوط الأزمة السورية كانت تحيكها الادارة الامريكية بدقة مع حلفائها الغربيين من أجل البدء بتنفيذ ما سمي منذ سنوات بالشرق الأوسط الجديد، أو ما يعرف أيضا بالفوضى الخلاقة، التي نادى بها الغرب وامريكا بقيادة الكيان الصهيوني، ولا ننسى أن الموقف الصيني قد ابتعد كثيرا جدا عما يخطط له الغرب قبل توجيه ضرباته للنظام، وقد صرح أحد مسؤوليه بالأمس بهول هذه المجازر التي ارتكبت بحق السوريين الابرياء وهم نيام، بخنقهم بأسلحة كيماوية اطلقت من عدة مناطق سورية، فالصينيون لهم علاقاتهم الوطيدة جدا مع الغرب ومصالحهم أكبر كثيرا من أن يتجرأوا مرة اخرى برفع الفيتو لحماية نظام بشار الأسد بعد مجزرة الكيماوي الدمشقية. ونذكر بأن الرئيس الروسي بوتين الذي كان يخطط لاحتواء المظاهرات المناهضة لسياسته الحمقاء بعد أن زج بأحد قادتها في السجن قبل يومين، والتي جاءت فقط بعد ثلاثة أيام من ارتكاب مجزرة الغوطتين قد ألقى بالملف السوري على طاولة نائب رئيس وزير خارجيته، متناسيا الفيتو الروسي أمام احتمالات الضربة الامريكية لنظام بشار الأسد في دمشق .
الكل يعلم أن سورية ما بعد اذار/ مارس 2011 قد تحولت الى بؤرة لاستقطاب أجهزة المخابرات العالمية، أي بمعنى آخر الادارة الامريكية على علم مسبق بكل شيء يتعلق بالأزمة السورية وتداعياتها، وهي ليست بحاجة لتقارير بعثة الأمم المتحدة وللجان التحقيق وللمبعوثين الدوليين من السيد عنان الى الابراهيمي، فهم كانوا كلهم ادوات للتمويه وأكبر دليل على ذلك كيف للمجتمع الدولي التي تقوده الولايات المتحدة أن يصمت لأكثر من سنتين على قتل وابادة شعب بكامله من قبل نظامه، من دون أن يحركوا ساكنا، وهل يعقل أن يكون بلد في العالم حضاري كسورية يهجر أكثر من مليونين من شعبه الى الخارج تحت السلاح، وأكثر من سبعة ملايين يهجرون داخله ويقتل منهم أكثر من ربع مليون ويعتقل أكثر من مليون ويفقد المليون بحجة العصابات الارهابية، ولم يستطع هذا المجتمع الدولي حامي الشعوب التحرك لوأد هذه التراجيديا المستمرة لأكثر من سنتين ونصف السنة بحجة البحث عن التوازن الداخلي بين المعارضة السورية والنظام لجلبهم الى طاولة الحل السياسي ومؤتمر جنيف، وما أدراك ما مؤتمر جنيف. هل هذا معقول فما حصل في البوسنة وكذلك رواندا لا يشكل ربع بالمئة مما حصل ويحصل في سورية، فالى متى هذه المكابرة ومن اجل من؟
اما في ما يتعلق بالموقف الايراني وأذرعه في منطقة الشرق الأوسط، فلم نعد نسمع تصريحا له بعد قرار الادارة الامريكية بضرب القوة الحربية السورية لشل فاعليتها، سوى خفض الصوت والابتعاد قليلا عن أصوات مجازر الغوطتين، باتجاه سلطنة عمان والترتيب لما بعد مرحلة احمدي نجاد المثقلة بالملفات الشائكة، وابرزها الملف النووي
والاستحقاقات الدولية والالتفاف الى تنظيم وضعها الاقتصادي الذي أنهكته الحرب الدائرة في سورية والتي استنزفت اكثر من 30 بالمئة من طاقاتها بسبب دعمها الأعمى لنظام مهترأ متآكل آيل للسقوط .
مرحلة ما بعد الأسود الأب والابن ستظهر الكثير من الملفات السرية منذ ما يقارب الخمسين عاما وستحرقها أجيال سورية القادمة. فمجازر الغوطتين جاءت رغم أنوف أعداء سورية وألدها النظام السوري الحاكم لتكشف عورات المجتمع الدولي وتباطؤه وخيانته ولتضع أيضا حدا لكل ما قد يأتي على حساب الدماء السورية.
هناك ضربة ما او ضربات في سورية ولكن لا نعلم حتى كتابة هذه السطور ما سيتمخض من سيناريو تعده ادارة اوباما وحلفاؤها، ولمن وكيف ستكون هذه الضربة فهناك مدنيون سوريون ابرياء، وهناك نظام فاشي دموي وهناك أخطر تنظيم ارهابي في العالم يبث سمومه ويضخ دماء جديدة لجيل جديد من السوريين، وايضا بينهم حاملو شعلة الثورة السورية العظيمة الجيش الحر، فتصريح وزير خارجية امريكا كيري الأخير كان فصيحا جدا، ولكنه ليس واضحا في ما يخص الضربة القادمة هل ستكون على الرأس، في القلب ام على الأذناب، فتنين النظام له أكثر من رأس وأكثر من ذيل ولكن له قلب واحد امتلأ حقدا وبغضا وكراهية لكل ما هو ثائر وحر في العالم .

‘ كاتب عربي مقيم في المانيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية