قبل ثلاثة أيام استضافت وكالة المغرب العربي للأنباء رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب الدكتور عبد الله بووانو، وقد كانت مناسبة لاستعراض مجموعة من التصورات والأفكار السياسية بعد مرور حوالي سنة ونصف على تجربة الحكومة الجديدة التي يقودها ،لأول مرة في تاريخ المغرب، حزب ينحدر من الحركة الإسلامية..
القراءة التي قدمها بووانو تجد مفتاحها في الانعطافة السياسية الكبرى التي حدثت في المغرب بعد مظاهرات 20 فبراير 2011، المتمثلة في الاستجابة الملكية الرصينة لها عبر خطاب 9 مارس أولاً، ثم طرح مشروع دستور جديد للاستفتاء في فاتح يوليو ثانياً..
الاحتجاجات الشعبية كانت بمثابة إعلان عن فشل حقل الوساطة السياسية عن القيام بدوره التقليدي، حيث بدت كل الأحزاب السياسية العاملة في الحقل السياسي الرسمي عاجزة عن استيعاب متطلبات اللحظة السياسية التي سبقت 20 فبراير، وأخفقت في الإنذار المبكر عن حالة الاحتقان السياسي والاجتماعي التي تراكمت عند فئات واسعة من الشعب المغربي، وعجزت عن تصريف هذا الاحتقان إلى مطالب سياسية معقلنة، تكون محل تفاوض ضمن المؤسسات السياسية وتفضي إلى إجابات تلبي التطلعات، ولاسيما بعد التراجعات الملحوظة التي عاشها المغرب بعد الأحداث الإرهابية الأليمة التي عرفتها مدينة الدار البيضاء سنة 2003، والتي توجت بصناعة حزب سياسي جديد موالي للسلطة سنة 2008، استطاع في ظرف أقل من سنة أن يهيمن على الساحة السياسية، في تجربة كانت تطمح لاستنساخ التجربة التونسية على عهد الرئيس الهارب زين العابدين بن علي..
إن عجز الوسطاء السياسيين عن القيام بأدوارهم التقليدية، هو الذي يفسر نزول آلاف المغاربة للشارع وأخذ زمام المبادرة لبلورة جملة من المطالب السياسية، بعد أن لمس عجز الطبقة السياسية وفشلها أمام المعطيات السياسية القائمة، فحمل مطالبه السياسية والاجتماعية وخرج بها إلى الشارع بشكل مباشر يوم 20 فبراير.
وهكذا توجه الذين خرجوا إلى الشارع بمطالبهم إلى المؤسسة السياسية الوحيدة التي استمرت في التمتع بثقتهم، إنها المؤسسة الملكية، (رفعت مطالب آنذاك بإسقاط الحكومة وحل البرلمان) ونادوا بتطوير مؤسساتهم السياسية نحو مزيد من الديمقراطية، وربط المسؤولية بالمحاسبة وتقوية الشفافية، كما فضل البعض عدم النزول إلى الشارع وفضل مساندة هذه المطالب من بعيد..
لقد نتج عن هذا التفاوض المباشر بين الملك والشارع، بدون وسطاء، رد فعل سريع ومتميز يوم 9 مارس، أظهر قدرة كبيرة لدى المؤسسة الملكية على التكيف السريع والتجاوب مع دعوات الإصلاح والتطوير تجاوزت قدرات المؤسسات السياسية الأخرى ومختلف الفاعلين السياسيين الآخرين، في استيعابها لمطالب الشعب وتطلعاته.
وسيتوج هذا التفاوض بتعاقد سياسي واجتماعي جديد تمثل في دستور فاتح يوليو، الذي استجاب بشكل متقدم لمطالب الإصلاح والتطوير، والذي ستظهر أولى نتائجه غداة انتخابات 25 نوفمبر، بحيث اختفت حالة الاحتقان السياسي والاجتماعي لفائدة حالة عامة من الارتياح والأمل في انطلاق مرحلة جديدة.
إنه أول تناوب سياسي مبني على إرادة الناخبين وليس على أساس التوافق القبلي..لقد عرف المغرب عملية التناوب التوافقي مع حكومة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي سنة 1997، وهو تناوب سرعان ما تعرض لانتكاسة حقيقية سنة 2002 مع تعيين وزير أول تكنوقراطي في أعقاب الانتخابات التشريعية التي أعطت الرتبة الأولى لحزب الاتحاد الاشتراكي بفارق بسيط عن حزب الاستقلال.
إن تناوب 2011 ينفرد بكونه حمل المعارضة إلى رأس السلطة التنفيذية بصلاحيات موسعة، وهي التي كان بعض قياداتها إلى حدود الأمس القريب مهددون بالسجن.’
لقد ظهرت في المغرب ديناميتان: واحدة تعمل من أجل الإصلاح والتطوير، وأخرى تعمل من أجل الجمود والتبرير، فالتحول الذي عاشه المغرب كان عنوانا واضحا على غلبة دينامية الإصلاح والتطوير على دينامية الجمود والتبرير، وهما ديناميتان موجودتان في بنيات المجتمع على كل المستويات،’فهذه الثنائية موجودة داخل المحيط الملكي وداخل الأحزاب السياسية ووسط الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وحتى داخل الأوساط الاجتماعية الهشة.
غير أن الملاحظة الموضوعية تفرض علينا أن نقر بأن حقل الوساطة السياسية الحالي واقع تحت تأثير دينامية الجمود والتبرير بشكل شديد، مما جعله عاجزاً عن صياغة ملامح الانعطافة السياسية المتمثلة في دينامية 20 فبراير، وذلك خلافاً للمرونة التي أبدتها المؤسسة الملكية والتي قبلت بتطوير بنيتها عبر التخلي عن صلاحياتها التنفيذية الإجرائية لفائدة الحكومة المنتخبة، وأشركت هذه الأخيرة في المستوى التنفيذي الإستراتيجي.
وهنا لابد أن نقر بأن المؤسسة الملكية حتى وإن تعرضت لجذب قوى الجمود والتبرير المرتبطة بها فإن النفس التطويري والإصلاحي داخلها حسم الأمر في النهاية لصالحه.
إنه من الواضح أن الملك محمد السادس هو صاحب هذه الروح التطويرية والإصلاحية، بما أنه هو الذي حسم توجهه عندما اختار التجاوب مع اتجاه التطوير والإصلاح، قام بعرض دستور 2011 بصيغته الحالية على الاستفتاء استجابة للتطلعات الديمقراطية للشعب المغربي.
في نفس السياق، لابد من الانتباه أيضاً إلى أن حقل الوساطة السياسية وإن كانت السمة الغالبة عليه هي المحافظة، فإنه لا يخلو من قوى إصلاحية داخله.
وهو ما يفسر وجود قيادات حزبية، تنتمي إلى حقل الوساطة السياسية، فضلت أن تنحاز إلى الحراك الشعبي منذ بداياته، وعبرت بذلك عن عدم انفصالها عن تطلعات الشعب ومطالبه الديمقراطية، وفي نفس الوقت ساهمت بشكل متواضع في ضبط إيقاعه وعقلنة مطالبه، من أجل إنجاح عملية التفاوض المباشر من أجل عقد اجتماعي وسياسي جديد.’
لقد أنجز المغرب انعطافته السياسية المتميزة، عندما تلاقت ديناميات الإصلاح والتطوير لدى المؤسسة الملكية بقيادة الملك مع تلك التي تعتمل في المجتمع بمواكبة من القوى التجديدية في حقل الوساطة السياسية.
لا بد من التذكير أن مشاريع إصلاحية مثل هيئة الإنصاف والمصالحة وجبر ضرر سنوات الرصاص والعمل على التطبيع مع ثقافة حقوق الإنسان ومدونة الأسرة لم تلق دائماً القبول من الجهات المحافظة والمؤثرة داخل المحيط الملكي، تماماً كما لم يلق هذا الانفتاح من قبل الملك المؤازرة الضرورية من جل النخب السياسية آنذاك’التي عاشت’في ظل ثقافة سياسية محافظة في كنف البلاط الملكي على عهد الملك الراحل الحسن الثاني.
إن الدوائر المحافظة والسلطوية الموجودة داخل مراكز القرار، ووسط الأحزاب السياسية، وفي نسيج الاقتصاد والإدارة، ستحاول إخماد نزوعات الاصلاح والانفتاح والتحديث ‘إما خدمة لمصالحها ومواقعها وامتيازاتها متدثرة بالدفاع عن الملكية، أو عن قناعة نظراً لميلها الطبيعي للجمود والتبرير.
هذه القراءة صالحة لتفسير الوضع السياسي الراهن، وهي قراءة تدعو إلى بلورة تفكير جديد داخل الحركة الإسلامية قادر على الانفتاح على مختلف القوى الإصلاحية في مختلف المواقع وتطوير منظور جديد لخوض معركة الإصلاح بنفس فكري وسياسي متجدد..
‘ كاتب من المغرب
في واقع الامر ان الاحزاب السياسية التي من المفترض ان تدافع عن المصالح العامة للشعب قد تم تدجينها منذ عقود لفائدة النخب الحاكمة التي تتقدمها البرجوازية والراسمالية ،هذه الاخيرة التي اصبحت تتمسك بزمام الامور والشؤون السياسية والقانونية والتشريعية ناهيكم عن الشؤون الاخرى الاقتصادية والاجتماعية وختى الثقافية والدينية، بل واضحت تتحكم في رقاب الناس ،في القضاء والعدل والادارات العمومية وفي التعليم والصحة والثقافة وفي كل مرافق الدولة العامة والخاصة، رغم ان اصابع الاتهام كانت موجهة ،عن قصد او عن غير قصد لوزارة الداخلية التي كانت تسمى في عهد ادريس البصري بام الوزارات؟ هذه الاحزاب ،بدون استثناء كانت تختفي حلف هذه الام الشهيرة التي حملت كل الاوزار والادران المتراكمة على مر السنين .واليوم نسمع كلاما غير صحيح من قبيل ما ذهب اليه المحلل الذي اكن لشخصه التقدير والاحترام ،لكن مثل هذا التحليل او الراي مردود ،فالواقع لا زال بعيدا عن ما ذهب اليه الاستاذ المحترم.
أتفق مع هذا التحليل، وأعتقد بأنه لا ديموقراطية بدون أحزاب سياسية وبالتالي لابد من فرزحقيقي داخل المشهد الحزبي وداخل الأحزاب السياسية نفسها..
بالفعل، إنها قرائة رصينة و تنطلق من تصورات جديده تروم عقلنة المشهد السياسي بالمغرب، لكن هل نفهم من خلال هذه القراءه أن حزب العدالة و التنمية يقترح نفسه كوسيط جديد و مؤتمن بين الشعب والقصر الملكي يقود المغرب نحوة ثورة جديدة للشعب و الملك ؟ و إلى أي حد يمكن اعتبار هذه القراءة بعيدة عن كل تصور جديد يريد حزب العدالة و التنمية من خلاله ممارسة الوصايا على الشعب المغربي باعتبارأن هذا الأخير هو الذي لعب لاعب العراب إلى دواليب الحكم بالمغرب؟ ألا تشكل هذه الرؤيا و هذه الوساطة خطرا على الذيمقراطية نفسها باسم حكم الشعب باسم الشعب ؟ وهل لحزب العدالة و التنمية المقومات اللازمة التي تتوفر عليها الأحزاب العصرية لقيادة التغير وحده ؟ وهل بالفعل يتوفر الحزب على هياكل حقيقية تمكنه من الثمثيلية الشعبية أم أن الأمر لا يعدو أن يكون ا ستنساخ لهياكل الأحزاب الكلاسيكية مع فارق صغير؟ وهل استطاعر حزب العدالة و التنمية أن ينسج و أن يخلق لوبيات جديدة في مختلف الميادين السياسية، الإقتصادية، الأجتماعية، و الثقافية، لمواجهة العفاريت و التماسيح، و جيوب المقاومة، و الباترونا المتمردة و حليفتها الإعلامية الفرنكوفونية؟ و كيف يمكن للحزب محافظ فشل في العلاقات الخارجية خصوصا أمام الدور الخافت الذي يؤديه وزير الخارجية السيد سعد الدين العثماني أن ينسج غلاقات صداقات توفر له الدعم السياسي و الإقتصادي في محيط جيو سياسي يتسم بالمتغيرات و المتقلبات، فزيارة هولاند كانت فاشلة،ومثيلتها التركية حدت حدوها،و اسبانيا تتخبط في أزمة عميقة، و أوباما استثنى المغرب من أجندته الخاصة بالزيارة التي ينظمها حاليا في إفريقيا، و برنامج أمريكا للألفية ينذر بدعم لا يرقى إلى المستوى المطلوب.
لست أدري كيف سيواجه حزب العدالة و التنمية كل هذه التحذيات؟ و هو الذي فشل في بنناء إجوء الثقة بين الأغلابية الحكومية التي شكلها على ما يزيد سنة و نصف ، وفشل كبح جماح حليفه الأغلبي الأساسي حزب الإستقلال.
أسئلة نطرحها عليك استادي عبد العالي حامي الدين نحاول من خلال أجوبتكم استقراء ملامح مشروعكم المستقبلي و الذي يوصي بضرورة إعادة قراءة المشهد السياسي بالمغرب و فق رؤيا جديده ة متطوره، و ابداع فكر جديد يؤسس لمرحلة جديده، مرحلة ما بعد الحركة الإسلامية ، وهل ستكون إحدى مرتكزاتها علمانية
و اضحة كما سبق و أن حذر من ذلك العالم المقاصدي السيد أحمد الريسوني؟
مع تحياتي الخاصة
نور الدين بوشيخي مناضل سابق بحزب العدالة و التنمية.