القاهرة ـ «القدس العربي»: أثار قرار زيادة رسوم الإقامة للمهاجرين وملتمسي اللجوء قلق ملايين السودانيين والسوريين واليمنيين في مصر.
وقد قررت السلطات، الأسبوع الماضي، بشكل مفاجئ زيادة رسوم تجديد الإقامة بنسبة 300 في المئة، من 1870 جنيهاً مصرياً (ما يعادل 40 دولاراً) إلى 7095 جنيهاً (147 دولاراً) للفرد الواحد.
تدقيق وحصر
وكان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أعلن في أبريل/ نيسان الماضي، أن حكومته ستجري تدقيق لأعداد اللاجئين في مصر، وحصر وتجميع ما تتحمله الدولة مقابل ما يتم تقديمه من خدمات في مختلف القطاعات، مشدداً على ضرورة توثيق مختلف جهود الدولة لرعاية هذه الملايين.
وحسب مدبولي، فإن بلاده تستضيف أكثر من 9 ملايين ضيف ولاجئ يعيشون في مصر من نحو 133 دولة، بنسبة 50.4 في المئة ذكور، و49.6 في المئة إناث، وبمتوسط عمري يصل إلى 35 سنة، يمثلون 8.7 في المئة من حجم سكان مصر.
ووفقا للمفوضية شؤون اللاجئين، فإن مصر تستضيف أكثر من 756 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين من 62 جنسية مختلفة. ومع نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أصبحت الجنسية السودانية هي الأكثر عدداً يليها الجنسية السورية، تليها أعداداً أقل من جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا، واليمن، والصومال، والعراق.
8 ملايين شخص
وطبقا للتعداد الحكومي، فإن أكثر من 8 ملايين شخص سينطبق عليهم الزيادات الجديدة في رسوم الإقامة.
القرار أثار قلق ومخاوف العديد من المقيمين في مصر، وقال أحد السوريين المقيمين في القاهرة لـ«القدس العربي» دون كشف هويته، إن أسرته المكونة من 5 أفراد تحتاج سنويا 750 دولارا لتجديد الإقامة، لافتا إلى أن هذه المبلغ لا يمكن لأسرته تحمله وسيزيد من مصاعب الحياة في مصر.
ووفقا للتقديرات الرسمية، فإن أعداد السوريين في مصر تتجاوز المليوني شخص جاؤوا إلى مصر مع بدء الثورة السورية والعنف الذي قابلها به النظام الحاكم عام 2011.
لم تقتصر الأزمة على السوريين، فالقلق طال كافة الجاليات في مصر خاصة اليمنية والسودانية اللتين تمثلان العدد الأكبر بين المقيمين في مصر.
وارتفع عدد السودانيين في مصر، إلى ما يقرب من حوالي 5 ملايين مواطن سوداني، بعد اندلاع الحرب في السودان، وفق وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي.
القلق سيطر أيضا على اليمنيين في مصر الذي يبلغ عددهم نحو مليون شخص، الذي يتركز معظمهم في مناطق الدقي والهرم وفيصل في محافظة الجيزة.
الفارون من العدوان
وقال أحد اليمنيين لـ«القدس العربي» إن تكلفة الإقامة باتت كبيرة وكثير من الأسر اليمنية لن تستطيع تحملها، خاصة أن معظمهم فارون من الحرب في اليمن ولا يملكون عملا ويعتمدون على أقاربهم في الخارج الذين يرسلون لهم أموالا لتساعدهم على المعيشة.
الحكومة رفعتها 300 في المئة… والسوريون واليمنيون والسودانيون أكثر المتضررين
يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للفلسطينيين من أبناء غزة الذين دخلوا مصر في الشهور الأولى من بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، الذين يبلغ عددهم قرابة المئة ألف شخص، حسب تصريحات السفير الفلسطيني في القاهرة دياب اللوح.
ويقول أحد أبناء قطاع غزة الذين دخلوا مصر في الشهور الأولى من بدء العدوان عبر تنسيق شركة «هلا» للسياحة المملوكة لرجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني، إنه حاول الحصول على إقامة مؤقتة لعائلته لكن طلبه قوبل بالرفض دون إبداء أسباب.
وتحدث عن المعاناة التي يواجهها بسبب عدم امتلاكه أوراق إقامة قائلا، دون ذكر هويته: «لا يمكنني فتح حساب بنكي أو الحصول على هاتف محمول أو إلحاق أبنائي بالمدارس».
وكان السفير الفلسطيني لدى القاهرة، دياب اللوح، ناشد السلطات المصرية، ضرورة استصدار تصاريح إقامة مؤقتة للفلسطينيين الذين وصلوا إلى القاهرة خلال الحرب على غزة.
وقال: «هناك ما يقرب من 100 ألف من سكان غزة في مصر عبروا قطاع غزة منذ بدء الحرب، ويفتقرون إلى الوثائق اللازمة لتسجيل أطفالهم في المدارس أو فتح شركات أو حسابات مصرفية أو السفر أو الحصول على خدمات صحية».
وترفض القاهرة منحهم تصريح إقامة مؤقت، وتبرر ذلك حسب مسؤولين أمنيين، بأن ذلك، سيفتح الباب لبقائهم في مصر وعدم عودتهم إلى القطاع بعد انتهاء الحرب.
استنزاف مادي
وانتقدت «المفوضية المصرية للحقوق والحريات» قرارات الحكومة التي تفرض زيادات متكررة في رسوم الإقامة للمهاجرين وملتمسي اللجوء في مصر، واعتبرته استنزافا ماديا للمهاجرين.
وقالت في بيان، إنها تراقب بقلق، ما يصدر من قرارات بشأن الزيادات المتتالية وغير المبررة التي فرضتها الحكومة المصرية على رسوم الإقامة للمهاجرين وملتمسي اللجوء والطلاب الوافدين، بمن فيهم ملتمس اللجوء الذين لم يحصلوا بعد على بطاقة اللجوء الرسمية.
واعتبرت أن هذه الرسوم المرتفعة عبئا ماليا غير عادل على الفئات الضعيفة من المهاجرين والأجانب في مصر، الذين يواجهون بالفعل تحديات مالية كبيرة.
وبينت المفوضية كيف زادت الرسوم فعلى مدار السنوات الثلاث الماضية: فرضت الحكومة المصرية زيادات متتالية على رسوم الإقامة، بالنسبة لحاملي بطاقات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أصبحت رسوم التجديد ثابتة عند 105 جنيهات مصرية للإقامة لمدة 6 أشهر، أما فيما يتعلق بتوفيق الأوضاع، مازال قرار فرض رسوم بقيمة 1000 دولار نافذا قانونا، إلا أن الحكومة قررت مد مهلة التطبيق حتى شهر سبتمبر/ أيلول من العام المقبل، ولكنها في المقابل أصدرت هذه الزيادات بشكل يوضح إصرارها على جلب موارد مالية لخزينتها من المهاجرين بأي طريق.
وتابعت: في عام 2021 تم تحديد رسوم الإقامة بمبلغ 600 جنيه مصري، ثم في سبتمبر/ أيلول 2023 تم رفع الرسوم إلى 25دولارًا، مع اشتراط وجود إيصال تغيير عملة بالمبلغ عبر صرافة أو بنك، وتقديم إيصال الصرافة مع كل جواز سفر، ثم دفع المبلغ المقابل بالجنيه المصري، وجاء بعد تلك الزيادة زيادة أخرى في يونيو/ حزيران 2024 حيث تم رفع الرسوم إلى 40 دولارًا مع استمرار نفس عملية تغيير العملة، ثم وأخيرا في سبتمبر/ أيلول الجاري ط ارتفعت الرسوم إلى 150 دولارا لكل فرد.
ولفتت إلى أن، حسب القرار الأخير، أصبحت رسوم إقامة الدراسة: 150 دولارًا لكل فرد، كما تُضاف غرامات في حالة التأخر عن تجديد الإقامة أو وجود مخالفات.
آثار مالية واجتماعية
وتناولت المفوضية الآثار المالية والاجتماعية لهذه الزيادات، وقالت إنها تمثل عبئا ماليا مرهقا، حيث تفرض هذه الرسوم الجديدة عبئًا ماليًا كبيرًا على الأسر المهاجرة، خاصة الطلاب وأسرهم الذين يدفعون بالفعل رسومًا دراسية مرتفعة بالعملة الأجنبية، حيث تم رفع رسوم الدراسة للطلاب الوافدين من 4000 إلى 10000 دولار سنويًا.
وزادت: تمثل هذه الزيادات تكلفة مفرطة للعائلات، فبالنسبة للأسرة المكونة من أربعة أفراد، فإن تجديد الإقامة سيكلف ما يعادل 600 دولار سنويًا، أي ما يعادل 30 ألف جنيه مصري، وذلك دون أي خدمات تذكر مقابل هذه الرسوم الباهظة.
وأكدت أن الزيادة الأخيرة ستؤدي إلى زيادة أعداد المهاجرين الذين يسعون للحصول على صفة اللجوء لتجنب دفع هذه الرسوم. وهذا سيؤدي إلى ضغوط إضافية على مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي قد لا تتمكن من تلبية الطلبات المتزايدة بسبب محدودية الموارد.
ووفق المنظمة، هناك العديد من الحالات التي ينتظر أصحابها الحصول على بطاقة اللجوء لأكثر من 6 أشهر. خلال هذه الفترة، يُطلب منهم دفع رسوم الإقامة المرتفعة، وهو ما يمثل عبئًا إضافيًا.
وحذرت من أن تؤدي الزيادة الأخيرة إلى تزايد أخطار الترحيل: هناك خشية من أن يؤدي عدم قدرة بعض المهاجرين على دفع هذه الرسوم إلى اعتبارهم مخالفين للقانون، مما قد يعرضهم للترحيل.
وبينت أن استمرار القرارات التي تؤدي إلى الاستنزاف المادي لملتمسي اللجوء والمهاجرين والطلاب الوافدين، قد تدفعهم إلى الهجرة غير النظامية لعدم قدرتهم على توفير الحماية وسبل الدعم والاندماج.
وقالت إنها تتوقع من السلطات المصرية أن تتبع نهجا يقوم على احترام وتنفيذ الالتزامات الدولية وإلغاء الزيادات غير المبررة والتوقف عن زيادة رسوم الإقامة دون تقديم خدمات إضافية مقابل هذه الرسوم، خاصة وأن المقيمين يتحملون تكاليف كافة الخدمات بأسعار عالمية دون أي دعم حكومي.
دعوة لتسهيل الطلبات
وطالبت، مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين والمجتمع الدولي، بتسهيل تسجيل طلبات اللجوء، وتسريع عملية تسجيل الطلبات العالقة، خاصة أن فترات الانتظار قد تصل إلى أكثر من 6 أشهر في بعض الحالات، والغاء فترات الانتظار التي تتعلق بالرقم المرجعي بالهجرة والجوازات.
وأكدت على ضرورة مراجعة السياسات المتعلقة برسوم الإقامة، والتعامل مع المهاجرين وطالبي اللجوء بما يتناسب مع حقوقهم وظروفهم الاقتصادية والاجتماعية. كما تدعو الحكومة المصرية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى التعاون الفعال لضمان تقديم الخدمات والحماية اللازمة لهذه الفئة.