ولد الشاعر الكبير نزار قباني في مطلع الربيع ورحل مع الربيع وكانت حياته ربيعاً إبداعياً مستمراً من العطاء وقصائد تثير هياج البعض وإعجاب البعض الآخر.. من قصائده شبه المجهولة تلك التي يدافع فيها عن (متعة المرأة) في علاقتها مع (الزوج)..
فقد كان نزار حليفاً للمرأة على الرغم من لحظات مباهاة ذكورية يكتب فيها مثلاً: «فصلت من جلد النساء عباءة». نزار ينحاز إلى مشاعر المرأة حتى الحميم منها.. ويقول في قصيدة لعلها منشورة في كتبه ولست واثقة من ذلك.
ثقافتنا فقاقيع من الصابون والوحل
فما زالت بداخلنا رواسب من أبي جهل
وما زلنا نعيش بمنطق المفتاح والقفل
نلف نساءنا بالقطن، ندفنهن في الرمل
ونملكهن كالسجاد، كالأبقار في الحقل
ونهزأ من قوارير بلا دين ولا عقل،
ونرجع آخر الليل
نمارس حقنا الزوجي كالثيران والخيل
نمارسه خلال دقائق خمس بلا شوق ولا ذوق ولا ميل
نمارسه كآلات تؤدي الفعل للفعل
ونرقد بعدها موتى
ونتركهن وسط النار، وسط الطين والوحل
قتيلات بلا قتل
بنصف الدرب نتركهن
يا لفظاظة الخيل!
حين ينفجر غضباً لإنصاف المرأة
يتابع نزار صدقه:
قضينا العمر في المخدع
وجيش حريمنا معنا
وصك زواجنا معنا
وقلنا: الله قد شرّع
ليالينا موزّعة على زوجاتنا الأربع
هنا شفة، هنا ساق، هنا ظفر، هنا إصبع
كأن الدين حانوت فتحناه لكي نشبع
تمتعنا بما أيماننا ملكت، وعشنا من غرائزنا بمستنقع
وزورنا كلام الله بالشكل الذي ينفع،
ولم نخجل بما نصنع!
عبثنا في قداسته، نسينا نبل غايته
ولم نذكر سوى المضجع
ولم نأخذ سوى زوجاتنا الأربع!
هذه القصيدة لم تكتبها امرأة بل كتبها شاعر. سيقول البعض إن نزار كتب الشيء ونقيضه مستشهدين بقصيدة أخرى شهيرة له يقول فيها كأي (زير نساء):
لم يبق نهد أسود أو أبيض
إلا وزرعت بأرضه راياتي
لم تبق زاوية بجسم جميلة
إلا ومرت فوقها عرباتي
فصلت من جلد النساء عباءة
وبنيت أهراماً من الحلمات.
الشاعر ليس قديساً!
بصدق يعبر نزار عن أمزجة الشاعر المختلفة، فهو بشر له أطواره ولحظات زهوه الذكورية، لكن موقفه الإيجابي من المرأة الإنسانة أكثر كثافة من السلبي في لحظات تبجحه بنزواته الذكورية. وفي قصيدة نزار قباني لرثاء أمي، ابنة اللاذقية، الأديبة التي كانت تكتب باسم مستعار ورحلت قبل أن تبلغ الثلاثين من العمر وكنت طفلة لا تعي شيئاً، نجد في قصيدة نزار هذه في رثائها موقفه الحقيقي من المرأة، حيث يكن لها الاحترام والتقدير لقدرتها على العطاء أسوة بالرجل.
أكرر: التقى نزار بأمي بحكم القرابة العائلية مع أبي، وحين رحلت ألقى في حفل تأبينها في مدرج جامعة دمشق قصيدة (استفزازية) يلوم فيها (الذكور) على معاملتهم للمرأة كأداة إنجاب حتى إذا كان ذلك يشكل تهديداً لحياتها.
وكانت قصيدة نزار غاية في القسوة على (الذكر الأناني) والحنان على المرأة «شهيدة» استعمالها كأداة للإنجاب.
قصيدة لم تنشر بخط يد نزار!
والدي أعطاني قصيدة نزار في رثاء أمي بعدما أرسلت كتابي الأول للنشر في بيروت.
والقصيدة بخط يد نزار وسأنشرها في كتاب رسائله لي، وقد حاولت الحصول على رسائلي له لنشرها مع رسائله، وطلبت من الصديق الراحل حافظ محفوظ أن يتوسط لدى ابنته الصديقة الراحلة هدباء لتعيد رسائلي لي لنشرها مع رسائله، وقالت لحافظ إنها لم تجدها بين أوراقه بعد رحيله. لماذا وسطتُ حافظ وهدباء صديقتي الحميمة منذ صغرنا؟ لأنني خفت من إحراجها..
ولكن قصيدة نزار في رثاء أمي أجمل إبداعياً بما لا يقاس من مراسلاتنا..
فقد كتبها وهو في العشرينيات من عمره، أي في سن الصدق الذي لا يعرف المجاملة وفيها يلوم الرجال بقسوة لأن حبهم لإنجاب (ولي العهد) يفوق حرصهم على حياة الأم.
الحنان على الأم الراحلة وأطفالها
يكتب نزار في قصيدته الموزونة المقفاة في رثاء أمي (80 بيتاً):
قد تنبأتِ بانهيارك قليلاً
رب حلم يفوق كل يقين
تذكرتُ مجلساً قلتِ فيه
شاعري إذا صرعتُ هل ترثيني؟
قلت تفديك أغنياتي الطرابا
ودعيني من السواد دعيني
حتى يضيف:
سوف تبكي العيون سلمى (اسم أمي) لو ان
الصخر ذو مدمع إذن يبكيني
لكأني يا بنتي كتموها مصرعي
فهي مثل طفل سجين
تقطع المنزل الرهيب تناديني:
أماه أين أنت.. اسمعيني.
إعادة رسم صورة الشاعر نزار
لا مفر من كتاب نقدي جديد يعيد رسم صورة نزار البالغ الجرأة، وسبق له أن اصطدم مع الشيخ علي الطنطاوي والمجلس النيابي السوري بسبب قصيدته الرائعة: «خبز وحشيش وقمر». وحين اصطدمت أنا أيضاً بعد عقود مع الشيخ ذاته بسبب مقالة لي بعنوان «دستورنا نحن الفتيات المتحررات» وكان ذلك حتى قبل نشري لكتابي الأول، وأصدر الشيخ الطنطاوي بياناً باسم «بنات حماه» يرفضن فيه ما جاء في مقالي، وهنا كتبت «فلنصل من أجل الجارية التي تجلد». وشجعني نزار في معركتي مع الشيخ الطنطاوي وكتبت: «فلنطالب بتحرير الرجل أيضاً. (وهي مقالات منشورة في أحد كتبي كما هي مترجمة للإنكليزية في كتاب «فتح البوابات» الصادر عن جامعة في U.S.A..
نزار دعمني، ولعل دراسة نقدية في شعره تصدر في كتاب تلغي صورته كشاعر المرأة فقط ومحاسنها، فهو أيضاً شاعر الحرص على إنسانيتها واحترامها، هذا كله إلى جانب شعره الوطني.
جمال عنوان (غادة السمّان) في جريدة القدس العربي (قصائد شبه مجهولة لنزار قباني) وما ورد أسفله من اعتراف حقيقي من الأنا ( المرأة) هنا بالآخر (الشاعر) في علاقته داخل الأسرة، أو خارج الأسرة، هو مثال عملي على جمال التكامل في التبادل التجاري بين منتجات ثقافة الأنا (الرجل) وثقافة الآخر (المرأة)،
أفضل مليون مرّة من فكرة الصراع والحرب على السرير بينهما،
بغض النظر كانت العلاقة زواج رسمي، تم تدوينه في سجلات الدولة، أو متعة فقط لمدة زمنية ما.??
??????
في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، كنت أنتظر كل مساء يوم الجمعة أو صباح يوم السبت بشوق ولهفة لا مثيل لهما، تسلم نسختي من مجلة ( الوطن العربي) ومجلة ( المستقبل) الصادرتين من باريس. ورغم أهمية الكتاب الذين كانوا ينشرون بالمجلتين، فلقد كنت أفتح ( الوطن العربي) و ( المستقبل) رأسا على الصفحة الأولى حيث مقالات أو قصائد شاعرنا الكبير نزار قباني. وأذكر أن الشاعر كان في البداية يكتب لمجلة (الوطن العربي) ثم انتقل منها إلى (المستقبل) وفي صباح أحد الأيام وبينما كنت أنتظر مقالته ب (المستقبل) فوجئت ب ( الوطن العربي) تنشر مقتطفات مسربة من المقالة بعد أن رفضت ( المستقبل) نشرها لأن مضمونها كان حول رحيل منظمة التحرير والفلسطينيين من بيروت إلى قبرص وكانت المقالة- بغض النظر عن مضمونها- رائعة وكانت بعنوان ( الفلسطينيون هم ٱخر العرب..) ومن مقاطعها: ( أكتبها من الذاكرة) أول العرب هم الفلسطينيون.. وٱخر العرب هم الفلسطينيون.. وبينهما لا يوجد أحد .. ولا يوجد شيء.. أول كلمة في التاريخ العربي تبدأ بحرف ( الفاء) وٱخر كلمة تنتهي بحرف ( الفاء) وبين الفائين حفرة عميقة عميقة تبدأ بوفاة رسول الله محمد بن عبد الله ( ص) وتنتهي بوفاة المروءة العربية بالفالج الكلي لا النصفي ورحيل منظمة التحرير الفلسطينية. ( 3/1)
بيروت كانت جائزهم الكبرى.. كما كانت فضيحتنا الكبرى..هم أخذوا جائزتهم وذهبوا وهم يغنون.. ونحن بقينا تحت الأنقاض نتفسخ كالأسماك الميتة..
ما ذا يفعل الفلسطينيون الٱن؟ يحملون يقهرهم وخيبة أملهم ويسافرون إلى الزمن العربي المتشابه
يسافرون من اليتم إلى اليتم ومن اللؤم إلى اللؤم ومن تاجر شنطة إلى تاجر شنطة
وحين يصيرون في عرض البحر..حين يحاذون شواطئ قبرص..يرمون في البحر أكياس المواعيد العربية الكاذبة.. وفتافيت ألبوم الصور العائلية من أكبر جد إلى أصغر حفيد..
(3/2)
كنت ولا زلت أعتقد أن نثر الشاعر الكبير نزار قباني لا يقل أهمية عن شعره بل أكاد أجزم أن الكثير من نثره أكثر أهمية من بعض شعره. وبالإضافة إلى المقاطع التي قدمتها السيدة غادة السمان، تحضرني قصيدة أحفظ بعض مقاطعها وقرأتها بخط الشاعر ولعله كتبها في أثناء الحرب الأهلية اللبنانية:
هل تجيئين معي إلى البحر؟ هل تهربين معي من الزمن اليابس إلى زمن الماء؟ فنحن منذ ثلاث سنين لم ندخل في احتمالات اللون الأزرق..لم نمسك بأيدينا أفقا أو حلما أو قصيدة..لقد جعلتنا الحرب الأهلية حيوانين بريين..يتكلمان دون شهية. ويتناسلان دون شهية..ويلتصقان ببعضهما بصمغ العادات المكتسبة..قهوتي التركية عادة مكتسبة.. وحمامك الصباحي عادة مكتسبة فلماذا لا تخرجين معي إلى البحر؟ إن البحر لا يكرر نفسه ولا يعيد كتابة يومياته القديمة
البحر هو التغير والولادة..وأنا أريدك أن تتغيري وأن تغيريني..أريد أن ألدك وأن تلديني..أريد أن تنقشيني بالخط الكوفي على جلدك كما تنقش المرأة العاشقة اسم رجلها على صدرها قبل أن يذهب إلى الحرب.
في بداية الثمانينات من القرن الماضي …وكنت حينها طالبا جامعيا. ..أخبرني أحد اقاربي وكان أستاذا في إحدى كليات الرباط. ..بأنه التقى قبل ثلاثة أيام بالشاعر العراقي الكبير عبد الوهاب البياتي في مدينة طنجة. ..وكان مرفوقا بطالبة مغربية كان مقربا من أسرتها ويعتبرها بمثابة ابنته. ..؛ ومن الأشياء التي ذكرها قريبي. .إن البياتي صب جام نقده على نزار قباني. …معرضا بحبه الشديد للهدايا الفاخرة….الخ …وقد رد عليه هذا القريب بأن مثل هذه الأشياء نجدها عند فطاحل الشعراء على مر التاريخ. …وهل نقص من قيمة المتنبي عطايا سيف الدولة…ومدحه لكافور وغيره….!!!! والمقصود بهذه الإشارة أن شعراءنا الكبار لم يكونوا على تناغم وانسجام كما نتصور. ..ولكن كانت بينهم ثارات داحسية تتجاوز الاختلاف حول المواقف السياسية وغيرها….رحمهم الله جميعا. ..وشكرا.
شكراً لك أختي غادة السمان على هذا المقال الذي يفوق في تأثيره مانقرأه كل اسبوع في هذا اللقاء الإسبوعي الجميل الذي بدوره أيضاً يختلف عن المألوف. رحم الله والدتك وأتسائل حقاً كم هو أمر قاس على طفلة أن تموت أمها!. لقد تأثرت أنا نفسي فقط لكونها ابنة اللاذقية وكأنها من أقربائي. أعترف أني لاأعرف (أو أننا لانعرف) جيداً نزار قباني بسبب التعتيم الذي مارسه النظام السوري. لكنه قمة ونجم لاتستطيع غيوم عابرة أن تخفي نور عطاءه وعبقريته. ففي هذه القصائد كثير من الفكر والفلسفة إلى جانب الجمال الشعري الرفيع. هذا يقود إلى أن نعيد رسم صورة نزار قباني من جديد فلولا التعتيم السلطوي لما وصل حالنا إلى مانحن فيه. أما الصدام مع المشايخ فجيد اللهم إذا كان ضمن إطار حضاري بعيداً عن حماقات المتطرفين. مع خالص محبتي وتحياتي للجميع.
ما رواه أخي المغربي عن قصة عبد الوهاب البياتي مع نزار قباني لا شك أنه صحيح فليس خافيا أنه كانت بين الشاعرين منافرة بل وعداوة كبيرة نشأت ربما بسبب ما كان سائدا لا سيما بين القوميين ومثقفي اليسار من ( موضة) بتبخيس شعر نزار قباني واعتبار الشاعر شاعر شكل بلا مضمون وشاعر المرأة والدنتيل والمخمل والعطر والنهد وربما كان البياتي سباقا إلى ( هجو) نزار
شكراً جزيلاً أخي عبد المجيد على هذه المعلومات, بالمناسبة أنا كنت أيضاً من متابعي قراءة مجلة (المستقبل) الصادرة من باريس. بصراحة كنت أحب شعر وأراء نزار قباني (رحمه الله) السياسية ولاأهتم بقصائدة عن المرأة أبداً. وصادف ذات مرة أن شاهدت له مقابلة على التلفزيون السوري في ثمانينات القرن الماضي ومازلت أذكر جيداً كيف أحرجه المذيع في المقابلة عن فشلة ب “تحرير المرأة العربية” وأذكر تماما أن نزار قباني اعترف بذلك بوضوح. كانت هذه الاقعة تأكيدلي على عدم اهتمامي بشعره عن المرأة, لسبب بسيط كما اكتشفت فيما بعد (وكنت في أول شبابي يومها) , والسبب هو هذه الفظاظة من الرجال الذين يريدون تحرير المرأة وجعلها مفعول به دائماً, وليس فاعل مع أنها إكثر إرادة وفعلاً (وربما ذكاءً) عندما يتعلق الأمر بتحرير المجتمع وتحرير نفسها. علينا فقط أن ندعمها وستكون النتيجة في غاية النجاح كما هو واضح في المقال عندما دعم نزار قباني نفسه غادة السمان فاضحت أديبتنا وأيقونتنا وسيدة الأدب العربي بكل جدارة. أعتقد أن لدى المرأة العربية مخزون كبير يحتاج منا إلى الدعم, اليس هذا هو الحب الحققي كما كتبت غادة السمان في مقالة سابقة؟
قضينا العمر في المخدع
وجيش حريمنا معنا
وصك زواجنا معنا
وقلنا: الله قد شرّع
ليالينا موزّعة على زوجاتنا الأربع
هنا شفة، هنا ساق، هنا ظفر، هنا إصبع
كأن الدين حانوت فتحناه لكي نشبع
تمتعنا بما أيماننا ملكت، وعشنا من غرائزنا بمستنقع
وزورنا كلام الله بالشكل الذي ينفع،
ولم نخجل بما نصنع!
عبثنا في قداسته، نسينا نبل غايته
ولم نذكر سوى المضجع
ولم نأخذ سوى زوجاتنا الأربع!
اسمعوا وعوا أيها الأصوليون الشهوانيون المتكوّرون والمتدوّدون والمتَنَرْوِجون والمتعدّدون والمشوّهون والمشنّعون والمسفّهون والموسّخون والمقذّرون صورة الإسلام في الغرب بعدما وسّختموها وقذّرتموها في الشرق ؟؟؟!!!
أخي سوري أنا أعرف تلعيقاتك جميله وأقرأها بسرور لكن هذه المرة صدقاً “وقف شغر راسي” بقراءة هذا التعليق لكثرة ماشدتني هذه الواقعة.
صور الشاعر زوفيلية الزوج مع زوجته حيث تتجلى كالآتي وهي حقيقة لا يمكن إنكارها:
” . .. .نمارس حقنا الزوجي كالثيران والخيل
نمارسه خلال دقائق خمس بلا شوق ولا ذوق ولا ميل
نمارسه كآلات تؤدي الفعل للفعل
ونرقد بعدها موتى
ونتركهن وسط النار، وسط الطين والوحل
قتيلات بلا قتل
بنصف الدرب نتركهن . . . “