ما الذي يمكن أن يخطر في ذهن «أي دجاجة» عندما تخرج من قفص احتجزت فيه لعدة أسابيع وكانت تحظى بوجبة مجانية وشربة ماء قبل أن يطلق سراحها في الهواء الطلق؟
يبدو سؤالا من عوالم الفانتازيا، لكنه تخيلته وأنا أستمع لقصة «مزارع الدجاج» من خبير خبيث ألقى محاضرة حية بقصد المقارنة والمقاربة والقياس وعلى أساس تفقد الأحوال وفي ظل التحديات التي تواجه صناعة الدواجن في البلاد.
أدهشتني قدرة صديق مختص على شرح كل تفصيلات ما يحصل في مزارع الدجاج المحلي الأبيض المخصص للذبح وللأسواق، خصوصا مع المحسنات اللفظية التي توضح هوامش فوارق بسيطة للغاية، وتكاد لا تذكر بين عالم الإنسان وتحديدا «غير الحر» وعالم «دجاج المزارع».
وللعلم وقبل الشرح والتفصيل لابد من الإشارة إلى أن الوجدان الاجتماعي في الأردن ينظر لدجاج المزارع تحديدا باعتباره «درجة ثانية» خلافا للدجاج البلدي الأصلي مرتفع السعر رغم أن الصنف الثاني يصادفه المواطن في الأزقة والحارات قرب القمامة.
لا تعرف الدجاجة عندما تولد إلا القفص مرتعا ومنزلا لها وبمجرد تفقيسها بعد الرقود عليها للوقت الملائم عشية فصل الشتاء. وعندما تبصر الفرخة الوليدة في مرحلة «الصوص» تبدأ بالاعتقاد أن قضبان القفص هي جزء من أمها، ويمثل عالمها الخاص، الأمر الذي يبدو أنه يفسر ما سنقوله لاحقا من تخبط وارتجال في العالم الحقيقي خارج حواضن التسمين لأغراض تجارية، لذلك ترفض بعض الدجاجات اللواتي يتميزن بالجبن الشديد وعند النضوج مغادرة القفص ويتم طردها خارجه قصدا وكأنها تعرف أن رحلة الموت والاستقرار في البطون بعد الذبح والسلخ تبدأ فعلا من أول نسمات «الحرية» بعد فتح باب القفص على مصراعيه.
يقول صاحبنا: عندما تنضج الفراخ وتصبح صالحة للبيع والأسواق يأمر صاحب المزرعة بفتح أبواب الأقفاص فيرصد العاملون مشهدا سيرياليا بالمعنى السياسي والاجتماعي. سرعان ما تطير دجاجة ما فوق رأس شقيقتها أو تصطدم أخرى برجل العامل الوافد أو تصيح ثالثة بلا هدف وتفقد البوصلة.
تنطلق الدجاجات في اتجاهات غير محسوبة لا على التعيين، لكنها تصيح فقط أيضا لا على التعيين، وتدوس بعضها بعضها في مشوار الإفراج الأول عنها، ولنحو ساعة تقريبا تتخللها عمليات نتش وهبش وركض باتجاهات غير محسوبة وغير متوقعة حتى أن صاحب المزرعة يجهل ما الذي تريده دجاجاته بصورة محددة وعلى الأغلب هي أيضا تجهل.
حالنا السياسي والاجتماعي والمؤسساتي يشبه تلك المزرعة السعيدة «مزرعة الدجاج»
أحببت فعلا فكرة إجراء بحث علمي من خبراء ومتخصصين، يغرق في عقل الدجاج في تلك اللحظة ويحاول إبلاغنا بماذا تفكر الفرخات في الساعة الأولى بعد الإفراج عنها قبل طبعا حشرها وجمعها بأقفاص أصغر تصلح للشاحنات التي ستنقلها إلى مصيرها المحتوم.
في الأثناء يمكن رصد المشاهد التالية مجزأة: دجاجة ما بدون قصد تبدل في خط المسير وتغير الاتجاه، فتلحقها فورا 10 دجاجات وتركض خلفها، بدون أن ندري نحن البشر لماذا غيرت الدجاجة الأولى أصلا اتجاه سيرها، ولماذا تحركت القبيلة إياها معها فجأة رغم وجود «فراغ ما» تركض إليه دجاجاتنا.
بعد حفلة ركض على طريقة الوناسة والتطبيع الإبراهيمي لا دجاجة فيه تشترك مع أخرى بأي نشاط تهدأ فجأة غالبية الدجاجات وبعد دقائق من ذلك الهدوء المصطنع ـ حسب خبيرنا- تبدأ كل فرخة بـ «نقر» جارتها ودون أي سبب لأي نزاع حيث لا طعام ولا ماء في المكان أصلا.
عملية «تبادل النقر» تستمر لوقت معقول وبكل الأحوال دون سبب واضح، وأحيانا على طريقة الخلايا الهرمية، فكل دجاجة تنقر جارتها والجارة تنقر التي تليها وهكذا دواليك.
يمكن ببساطة هنا لدجاجة أن تنقر خالتها أو جارتها وسرعان ما تتحول أزقة المزرعة السعيدة إلى «حفلة نقر جماعية» بواسطة الفم نحو بقية الجسد حيث يتطاير بعض الريش المنزوع قسرا.
غريب جدا هنا أن الفرخة التي تنقر جارتها وقريبتها في هذه المرحلة لا تستخدم رجليها في أي هجوم، فاستعمال تلك الأذرع الصغيرة القصيرة يبدو أنه سلوك «ذكوري» بامتياز يخص الأخوة الديوك، وخلال دقائق بعد استراحة النقر يمكن ببساطة ملاحظة نتف الريش حيث أثار الهوس الجماعي غير المفهوم بالنتف والنقر حتى تتعب الدجاجات قليلا وتبحث عن محطة للاستراحة مع اللهاث، وبعض الجوع قبل التجمع على أقرب حوض مياه ملوث. تلك اللحظة تحديدا تأتي الشاحنة وتستسلم الدجاجات المرهقات وتصبح الحركة العشوائية أقل وأبطأ فتبدأ عملية التعبئة في أقفاص صغيرة.
طبعا يعرف الجميع مصير كل دجاجة تركب في الحمولة إياها حيث «المسلخ» التابع للبلدية ولاحقا موائد الأردنيين، على الأقل القطاع الفقير والمتوسط الذي انضم لنادي الفقر بتوسع فيما يعلم الخبراء بأن الدجاجة التي ترسل لمصيرها هي على الأرجح التي تخفق في البيض.
أعجبتني الاستراحة في مزرعة الدجاج على هذا النحو وبدا لي أن حالنا السياسي والاجتماعي والمؤسساتي يشبه تلك المزرعة السعيدة.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
*ماذا نقول يا أخ بسام سوى..
(اللهم أصلح الحال والأحوال وأوصلنا
بر الأمان بسلام).
حمى الله الأردن من الأشرار والفاسدين والمفسدين بالأرض.
ارى ان وضعنا نحن البشر اسوأبكثير من وضع دجاج المزرعة السعيدة فعلى الاقل ينفق صاحب المزرعة على دجاجاته ومن حقه ببيعها وحلال لمن يشتريها ذبحها والاستمتاع باكلها اما مشكلتنا نحن البشر فنحن من يدفع لذوي السلطة في المزرعة وهم من يقومون بذبحنا مرات ومرات بالرغم انه محرم علينا سفك دمائنا
أي تشبيه هذا
لقد كرم الله عز وجل الإنسان
لطفي ابو خضرا أصبت الصواب