القاهرة-“القدس العربي”: ست سنوات في السجن، انتهت بوفاة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، داخل قاعة إحدى المحاكم المصرية.
فالرئيس، الذي لم يحكم مصر سوى عام، قبل الإطاحة به، على يد الجيش، عقب مظاهرات نظمتها القوى المدنية في 30 حزيران/يونيو 2013 أثارت وفاته جدلا واسعا في العالم، على خلفية، اتهامات لنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بقتله، من خلال التنكيل به داخل السجن، واستخدام الإهمال الطبي كسلاح لإنهاء حياته.
الجدل لم يقتصر، على وفاة مرسي، بل امتد، إلى التضييق الذي مارسته السلطات المصرية على أسرته في مراسم تشييع جثمانه ودفنه.
اثنان من أبناء الرئيس المصري السابق محمد مرسي، قالا، إن والدهما دُفن في القاهرة في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء الماضي، في مراسم اقتصرت على الأسرة بعد إصابته بنوبة قلبية في المحكمة.
وأكد عبد الله محمد مرسي، إن جثمان والده، ووري الثرى في مقابر تضم جثامين قيادات أخرى في جماعة الإخوان المسلمين المحظورة حالياً.
وبيّن شقيقه أحمد على صفحته على “فيسبوك”: “قمنا بتغسيل جثمانه الشريف في مستشفى سجن ليمان طرة وبالصلاة عليه داخل مسجد السجن ولم يصل عليه إلا أسرته”.
وأشارت نجلاء علي محمود، عقيلة مرسي، أنها تحتسب زوجها من “الشهداء” مؤكدة رفض الجهات الأمنية دفنه في مقابر الأسرة في الشرقية (مسقط رأس مرسي/شمال).
وشهدت مراسم الدفن تواجداً أمنياً مشدداً، وسط غياب كامل لأنصار مرسي نظراً للظروف الأمنية، وفق ما ذكر مصدر مطلع رافضاً ذكر اسمه.
وأوضح المصدر ذاته أن مراسم الجنازة استغرقت قرابة الساعة.
وتعويضاً عن منع الأمن لهم بدفن ابن قريتهم، أقام أهالي قرية العدوة في محافظة الشرقية (دلتا النيل/ شمال) صلاة الغائب على روح مرسي، ثم تظاهروا بعدها.
جماعة الإخوان المسلمين دعت لتنظيم تظاهرات أمام السفارات المصرية في دول العالم.
وقالت في بيان، إن الرئيس محمد مرسـي ارتقى شهيدا، كأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، دفاعا عن حق الشعب في الحرية والسيادة والكرامة، في واحدة من المحاكمات الهزلية الباطلة التي لفقوها له، لتكون آخر لحظات حياته شاهدة على صموده وصبره وبطولته في مواجهة الخيانة والغدر.
وحملت الجماعة، سلطات الإنقلاب العسكري، كامل المسؤولية عن اغتياله عمدا، إثر وضعه في زنزانة انفرادية في ظروف بالغة القسوة، وحرمانه من أبسط حقوقه في العلاج والدواء والعرض على الأطباء، وحرمانه من رؤية أسرته أو التقاء محاميه لفترات طويلة.
وأضافت: إعلان الرئيس الشهيد أكثر من مرة خلال محاكمات هزلية، أن حياته تتعرض للخطر، يؤكد ما كان يتعرض له من أهوال.
وشددت الجماعة، على أن ما حاق بالرئيس المصري الأسبق، هو جريمة اغتيال بالإهمال الطبي مكتملة الأركان مع سبق الإصرار.
وطالبت بفتح تحقيق دولي في هذا الحدث الجلل، عن طريق لجنة طبية محترفة غير تابعة لسلطة الانقلاب، لبيان السبب الحقيقي للوفاة، والكشف عن هذا التقرير للعالم.
وناشدت العالم أجمع بكل مؤسساته الحقوقية والإنسانية، وفي القلب منها الأمم المتحدة، بالتحرك لوقف جرائم القتل البطيء بالإهمال الطبي التي تمارس بحق الآلاف من المعتقلين في السجون.
ودعت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، الثلاثاء، إلى “تحقيق مستقل” في الأسباب التي أدت إلى وفاة الرئيس المصري السابق محمد مرسي أثناء حضوره جلسة محاكمته.
وقال المتحدث باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة روبرت كولفيل إن “مصر من الدول التي صدّقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويجب أن يغطي التحقيق جميع جوانب معاملة السلطات لمرسي” مشيرا إلى أن مرسي “احتجز في حبس انفرادي لفترات طويلة، وهناك مخاوف بشأن ظروف احتجازه”.
وتابع أنه “لطالما كان محمد مرسي خلال سجنه وحتى وفاته تحت رعاية السلطات المصرية، فإن الدولة مسؤولة عن ضمان معاملته معاملة إنسانية واحترام حقه في الحياة والصحة”.
وأكد “أن المفوضية توافق جملة وتفصيلا على المبادئ العامة التي وضعتها الهيئات الدولية لحقوق الإنسان المختلفة، بما فيها اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان”.
تصريحات المفوض الأممي، أثارت استنكار النظام المصري، الذي أدانها بـ”أقوى العبارات”.
وقال المستشار أحمد حافظ المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية في بيان، إن تلك التصريحات تنطوي على “محاولة تسييس حالة وفاة طبيعية بشكل متعمد”.
وأدان حافظ ما تضمنته تلك التصريحات من “إيحاءات للتشكيك بغرض الافتئات على مؤسسات الدولة المصرية ونزاهة القضاء المصري، وبما يعد محاولة مغرضة للنيل من التزام مصر بالمعايير الدولية، بل والقفز إلى استنتاجات واهية لا تستند إلى أي أدلة أو براهين حول صحة المذكور بدون أي إدراك بل وجهل تام بالحقائق، وهو ما يُعد أمراً غير مقبول من جانب المتحدث باسم مكتب المفوضية السامية، لاسيما مع الاقتراح بقيام مصر بإجراءات محددة، هي بالفعل مطبقة من جانب السلطات المصرية من منطلق التزام وطني أصيل واحتراماً للتعهدات الدولية”.
وذكر البيان: “عليه، تدرك مصر أن مثل هذا التصريح المسيس الفج إنما يساير تصريحات مسؤولين في دولة وكيانات تستغل الحدث لأغراض سياسية وتتشدق باحترامها للديمقراطية وحقوق الإنسان في حين لا تنم تصرفاتها أو ممارساتها إلا عن السعي نحو البقاء في السلطة باستخدام كافة الوسائل الممكنة، مما جعلها دكتاتوريات مستبدة، وقامت بتحويل بلادها إلى سجون كبيرة يتم التلاعب فيها بنتائج الانتخابات وفرض إعادتها عنوة دون سند، فضلاً عما تقوم به من زج عشرات الآلاف من المعارضين والمجتمع المدني في السجون من دون معرفة مصائرهم أو أدنى محاسبة، والتنكيل بآلاف الموظفين وتشريدهم وسلب حريات المواطنين وتكميم الأفواه والتضييق على الحريات الأساسية من تعبير وتجمُّع وغيرهما. هذا، مع رعايتها للآلاف من عناصر الجماعات الإرهابية في المنطقة وتورطها في إزهاق الأرواح وسفك دماء الأبرياء بغية تحقيق مآرب سياسية وبحثاً عن النفوذ واستعادة وهم أمجاد التاريخ”.
وأكد حافظ على أن “ما صدر من تصريح من قِبَل المتحدث باسم مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان ستتم إثارته على أعلى مستوى بالنظر إلى انعدامه للموضوعية وما تتضمنه من تجاوزات وانحراف وخرق لأصول المهنية والنزاهة الواجب توافرها”.
الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، كان حاضرا بقوة في المشهد، وقال في تصريحات: “لا أصدق أن وفاة مرسي كانت طبيعية”.
وأضاف أن “السيسي واصل ظلمه ورفض أن يدفن مرسي في قريته كما كانت وصيته”.
إلى ذلك، طالب الناطق باسم مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، روبرت كولفيل، الثلاثاء، بتحقيق سريع ونزيه شامل وشفاف، تقوم به هيئة مستقلة لتوضيح أسباب وفاة مرسي.
وأضاف في بيان، أن “مصر من الدول التي صدّقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويجب أن يغطي التحقيق جميع جوانب معاملة السلطات لمرسي”.
وزير الخارجية المصري سامح شكري، أعرب عن بالغ استنكاره للتصريحات المتكررة التي وصفها بـ “غير المسؤولة” للرئيس التركي رجب طيب اردوغان حول مصر.
وقال بيان للخارجية المصرية الخميس: “اتصالاً بالتصريحات الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان أمس الأربعاء والتي تدخّل فيها بشكل سافر في شأن وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي من خلال ادعاءات واهية تتضمّن التشكيك في وفاته الطبيعية بل والاتهام بقتله، والتلويح بإثارة الأمر دولياً، وغير ذلك مما تفوه به من تجاوزات فجّة في حق مصر”.
وأضاف البيان “أعرب وزير الخارجية سامح شكري عن بالغ استنكاره للتصريحات المتكررة غير المسؤولة للرئيس التركي حول مصر والتي لا ترقى لمستوى التعليق الجاد عليها”، مؤكداً على “استعداد مصر للتصدي لأي تهديدات، وإن كانت جوفاء ولا تقيم لها وزنا”.
وأكد شكري “على أن الأمر بات مكشوفاً يوماً بعد يوم من حيث رغبة اردوغان في التغطية على تجاوزاته الداخلية والدخول في مهاترات عبثية لخدمة وضعه الانتخابي والعمل حصراً نحو اختلاق المشاكل”.
وشدد على أن “مثل هذا الكلام المُرسل الذي يملأ به خطاباته وتصريحاته لا يعكس سوى حقيقة ارتباطه العضوي بتنظيم الإخوان الإرهابي في إطار أجندة ضيقة من أجل النفوذ واحتضان ونشر الفكر المتطرف الذي صاغته جماعة الإخوان الإرهابية واعتنقته القاعدة وداعش وغيرهما من المنظمات الإرهابية، والذي وظف ليؤدي إلى استشراء النزاعات وإزهاق أرواح الأبرياء؛ فضلاً عما يمثله هذا النهج وهذه التصريحات المرفوضة من تدخُل سلبي في الشؤون الداخلية لدول المنطقة”.
وأكد وزير الخارجية على أن “هذا السلوك من جانب اردوغان ينم عن حقد دفين تجاه ما يحققه الشعب المصري وقيادته من مُكتسبات ونجاحات متنامية على كافة الأصعدة” مشدداً على أن “تلك التصريحات تنطوي على افتراء واضح لا يعدو كونه مصدراً للتندُر والسخرية؛ فالأمر برمته يُضاف إلى قائمة التجاوزات الكثيرة التي لا تليق بمكانة الشعب التركي الشقيق”.