قصتان توجعان الأردنيين وتشعلان مواقع التواصل وتقرعان أجراس «الدولة»

بسام البدارين
حجم الخط
6

عمان ـ «القدس العربي»: تبدو مقايضة مؤلمة إلى حدٍ كبيرٍ، لكنها لا تتميز بأي إنصاف سياسي.عائلة مهندس أردني شاب أحرق نفسه علناً في الحرم الجامعي تطالب، في بيان عشائري، برأس رئيس الجامعة. وتهمة البروفسور المعني هنا هي أنه تسبب بالأذى للمهندس الشاب عندما منعه لأسباب مالية محضة من الدخول لقاعة الامتحان في سنته الختامية. تلك حادثة طرقت أوجاع كل الأردنيين الذين يؤمنون بعدم وجود سبب في أي وقت لإحراق النفس.

ضحية الفاتورة المالية لجامعة خاصة في عمان هو المهندس الشاب أحمد الشخانبة، حيث والد الضحية أبلغ إحدى المحطات التلفزيونية المحلية بحوار صعب ومر بين ابنه قبل إحراق نفسه وبين رئيس الجامعة الخاصة.

أحمد في السنة النهائية أحرق نفسه بسبب فاتورة الجامعة… وطفلة ماتت لـ«عدم وجود سرير في المستشفى»

فحسب الوالد المكلوم، فقد أبلغ ابنه رئيس الجامعة مباشرة بأنه سيحرق نفسه إذا لم يسمح له بدخول الامتحان، فعاجله ذلك الرئيس بعبارة يقول فيها ..»افعلها إذا كنت رجلاً». طبعاً ذلك حوار مفترض لم تقدم الأدلة عليه خصوصاً أن الحديث عن واحدة من أعرق الجامعات الخاصة في عمان.
الحادث أقلق الجميع بسبب أبعاده المالية، وأشعل تعليقات الأردنيين بالآلاف على منصات التواصل. والشاب المهندس أحرق نفسه فعلاً بعدما رفض رئيس الجامعة استقباله لإقناعه بأن يسمح له بدخول الامتحانات. عملية الحرق كانت أمام الطلاب والموظفين، وتميزت بالبشاعة، وكادت تودي بحياة الشاب الذي دخل في غيبوبة، وجراحه خطيرة للغاية.
سأل الأردنيون بالمئات:.. هل هذا معقول؟… هل يحرق الأردنيون أنفسهم بسبب الفواتير وكلفة الدراسة.. وأين الحكومة؟
وزير التعليم العالي الدكتور محيي الدين توق، شكل – حسب المألوف – لجنة للتحقيق، وأعلن بأن أوامر الدفاع في زمن كورونا واضحة، حيث لا تجيز لأي جامعة حرمان طالب من الامتحانات لأسباب مالية.
وطرقت الحادثة أبواب كل الخزانات، خصوصاً مع استنفاد الأردنيين وسط الإغلاقات لمدخراتهم المالية ومع الوضع المعيشي المأزوم، الأمر الذي انتهى بحالة تعاطف كبيرة مع النسخة الأردنية من الشاب التونسي البوعزيزي.
قرع الحادث جرس الإنذار في المساحة المخصصة في بزنس التجارة بالتعليم العالي، وبدأ الجميع يتحدث عن وحشية الجامعات الخاصة، وإن كان فعل حرق الشاب لنفسه أصلاً سلوكاً غير مقبول بكل الأحوال.
المفارقة الأهم أن قبيلة بني حميدة التي ينتمي لها المهندس الذي أحرق نفسه أعلنت، في بيان صريح، بأن توقيف رئيس الجامعة – وهو أكاديمي بارز ومعروف – والتحقيق معه ومعاقبته وتحميله المسؤولية بتهمة التسبب بالأذى على الأقل هو الحد الأدنى المقبول للقبيلة.
هنا أيضاً تبرز محاولة استباق القانون وقبل التحقيق ونمو الاعتبار العشائري ما دام القانون لا يسعف طالباً فقد القدرة على دفع فاتورته في جامعة خاصة في دولة يقول رئيس وزرائها قبل ثلاثة أيام فقط، وعلى الأرجح يوم حادثة الحرق، إن الإنسان أغلى ما نملك.
ولم يقدم الرئيس الدكتور عمر الرزاز، وهو أيضاً أكاديمي، دليلاً واحداً فقط على أن كرامة الإنسان الأردني هي أغلى ما تملكه الحكومة، ورئيس الجامعة ليس وحده في سياق التقييم والتشخيص والاتهام.
بشاعة الحادث حاولت التذكير بما يمكن أن يحصل لاحقاً في أزمة معيشية واقتصادية حادة بعد فيروس كورونا للمواطنين الأردنيين برفقة حكومة ترتجل وسبق لها للتو وقبل ثلاثة أسابيع فقط أن قالت رسالتها السلبية للأردنيين عندما توفيت الطفلة في مستشفى البشير الحكومي.
الطفلة التي توفيت ودفنت هي رمز التثاؤب الحكومي والبيروقراطي، حيث شكلت أيضاً لجنة تحقيق لم يعرف عنها شيئا بعد الشعب الأردني، في حادثة جرحت أيضاً مشاعر المواطنين، حيث توفيت الطفلة وعمرها سبع سنوات بالتهاب الزائدة الدودية، ولأنها – وبكل بساطة – لا تملك ثمن الذهاب إلى مستشفى في القطاع الخاص. وقيل إن الطفلة توفيت لعدم وجود سرير.
لاحقاً، لم يتحرك وزير الصحة النجم سعد جابر، لا في التحقيق بالحادثة ولا في توفير ضمانات بأن لا تتكرر مستقبلاً، حيث يصر كل خبراء القطاع الصحي الرسمي على أن حالة مرضية مثل الطفلة ، وبكل بساطة ما دام السرير غير متوفر لها، يمكن أن تتحول إلى القطاع الخاص ودون مراوغة أو لف أو دوران.
حادثتا البشير والجامعة الخاصة مؤلمتان جداً للأردنيين. والأكثر حساسية في الواقعتين أنهما تقرعان جرس الإنذار عشية احتفالات الدولة بمئويتها ووسط سلسلة بروتوكولات ومصفوفات تحترف تأجيل المشكلات وتكثر من الإنشائيات في مسألة يقترح خبير ووزير وبرلماني سابق من وزن الدكتور محمد الحلايقة، أن يتأملها الجميع في دوائر القرار اليوم وبكل عمق، وعلى أساس أن ما حصل مع الطفلة والشاب الشخانبة مؤلم وطنياً ويؤشر على قصور مقلق في المنظومة لا يستحقه الأردنيون ولا يمكنه أن يعكس التزام الحكومات بتلك الرؤية العميقة المرجعية وفي كل الاتجاهات.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عربي- فلسطيني:

    في اي بلد متحضر يسمحون لمن عليه اي ديون للجامعه بدخول الامتحانات ولكن لا يمنحوه شهادة التخرج حتي يسدد ما عليه. هل معقول ان رئيس الجامعه لا يعرف هذا؟
    .
    اما وفاة طفله بسبب التهاب الزائده… و الله لا يقبلها عقل او منطق او دين. اتقوا الله…

  2. يقول خالد:

    بعد غياب طال ٣٥ سنه في الخارج رجعت الا الاردن للعيش مع اطفالي جلست فيها سنتين وليتني لم ارجع ما رأيته لا يسر عدو ولا حبيب .لا حول ولا قوه الا بالله.

  3. يقول ABUELABED:

    يقال الانسان اغلى ما نملك ولكن الحقيقة نريدون المال اولا و قبل كل شئ
    الانسان العربى رخيص للغاية بل لا قيمة له

  4. يقول thair hamad:

    حقيقة ما يغيظ ان من يمتلك المال الوفير من كبار رجالات الدولة يتعلم اولاده في الداخل او الخارج على حساب الدولة ويتعالج في الداخل او الخارج على حساب الدولة …….. ولو ان احد المسؤولين ليس الكبار ولا الوسط أجبر على العلاج في مستشفى حكومي لوجد الفرق وعمل عمله وشعر بشعور الادنى من المواطنين.

  5. يقول سامح //الأردن:

    *للأسف (الإنسان) ف الاردن وجميع الدول
    العربية بلا قيمة او وزن او أهمية..
    حسبنا الله ونعم الوكيل.

  6. يقول ام نزار الحج علي:

    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل ظالم ومستهتر بمشاعر الضعفاء والمحتاجين ويجب على السلطات العليا المسؤوله عن الحكومات والمؤسسات الصحية والتعليمية إقالة كل مقصر في واجبه اتجاه حقوق المواطنين والمعوزين وتوقيف كل هؤلاء عن معاناتهم واسبدالهم بمن هم افضل من هؤلاء الذين لا يهمهم الا رواتبهم اولا ومراكزهم ثانيا .
    والله ولي التوفيق

إشترك في قائمتنا البريدية