أعاد العمل الإرهابي الذي ضرب جبال الأطلس الشاهق بالمغرب منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول المنصرم، بضواحي قرية إمليل، والذي أودى بضحيتين إسكندنافيتين، عازبَ الهمّ، كما في شطر شهير للنابغة الذبياني.
إمليل قرية هادئة في حضن الأطلس الكبير، أو أدرار ن نْ درْن، بلسان أهل البلد، الأمازيغية، أي جبل الجبال. من إمليل، ومعناه الذي يُجلّله البياض، كناية عن الثلج الذي يكسو قممه، يسلك هواة التسلق على الجبال ممرات مهيأة، كي يشهدوا من مصطبات جبَلَي توبكال (والصواب توك أكال، ومعناه بالأمازيغية أعلى الأرض، كما ورد في معلمة المغرب) وكذا أويكايمدن ( ومعناه، لم ينزل به أناس).
في هذه الأمكنة التي دأبتْ على الاحتفاء في شهر ديسمبر بيوم الجبل، تمتزج في ذلكم الاحتفال مظاهر الفرح والبهجة، ومباريات الرياضة والمشي في منعرجات الجبل، مع ورشات للتفكير حول أوضاع ساكنة الجبل وشؤونهم، في المكان ذاته والفترة ذاتها وقع العمل الإرهابي الشنيع الذي استهدف السائحتين الإسكندنافيتين. المنطقة معروفة لدي، كما أهلها، أعرف لسانهم وشؤونهم. حضرت ملتقاها السنة الماضية، وكنت ضيفا لهذه السنة. أناس مسالمون، بارّون بالضيف، حامون له. فكيف وقع ما وقع؟ ليس هناك كما يقول الأمنيون درجة الخطر صفر. ويبقى المسؤول، ليس اختلالا أمنيا، أو شظف عيش منطقة، ولكنه فكر يتلبس أشخاصا، يتحين ظروفا مزرية وأوضاعا هشة، فكر يقوم على العداء والبغضاء والضغينة.
كنت وقفت على هذه النتيجة من أن مصدر الإرهاب هو فكر معين، أو مرجعية فكرية على الأصح، أكثر من أوضاع اجتماعية هشة، حين تعرضت مدينة مكناس في ساحتها الأثرية الهديم، في أغسطس/آب 2008، لمحاولة إرهابية، يوم أن حاول الفتى (هـ. د) رمي قنينة غاز على حافلة للسياح، وانفجرت في يده من دون أن تخلف ضحايا. كنت حينها مسؤولا إداريا (واليا على الجهة) وكانت الدار البيضاء قد تعرضت قبلها في شهر مارس/آذار لعملية إرهابية في مقهى سبير، وكنا على الأهبة، أو درجة التأهب القصوى. حللت بالمستشفى حيث أُجريتْ عملية للجاني بعد إذ بُترت يده، وسألته أسئلة عن بواعث فعله وأخرى عن مرجعيته. كان جوابه مضطربا، ومعرفته بنصوص الإسلام سطحية. كان بادي الاضطراب النفسي. ما راعني أنه اختار يوم 13 أغسطس الذي يصادف عيد ميلاده، كي يقوم بعمله الإرهابي. كيف لمن يزعم الأرثذوكسية الدينية أن يختار «بِدَع» الغرب من عيد الميلاد، وتقويم الزمني المسيحي؟ كان الفتى إطارا في الإدارة، له راتب محترم، ووضع اعتباري.. زرت يومها الحي الذي يقطنه، حي الزرهونية، ولم يكن من الأحياء الهامشية. حي من أحياء الطبقة المتوسطة. تولد عندي الاقتناع حينها أن مصدر الإرهاب ليست الأوضاع الاجتماعية المزرية ولا النفسية ولكنه فكر. قد يتسرب هذا الفكر إلى الفئات المهزوزة نفسيا أو اجتماعيا.
في بغداد، مارس 2014، حضرت مؤتمرا دوليا حول الإرهاب. كانت إرهاصات «داعش» تستبد باهتمام المشاركين. وسمعت حينها مسؤولا أمنيا عراقيا يردد الشطر الشهير «ولا يعرف العشق من لم يكابده» موحيا أنه لن يعرف الإرهاب إلا من تعرض له، و كابد آلامه. لم أكن أعرف من الإرهاب قبل الأعمال الإرهابية التي ضربت الدار البيضاء سنة 2003 إلا إخبارا مفجعة، مشفوعة بأرقام، وينصرف ذهني حينها للقتلى دون الجرحى. بعد أحداث الدار البيضاء رأيت الإرهاب رأي العين. شممت رائحة الموت، وشاهدت بقع الدم، وعلامات المسامير المفرقعة على الحيطان بالمطعم الاسباني الذي تعرض للتفجير، خلال زيارة رسمية لأعلى سلطة في البلد، ثم بعدها في مستشفى ابن رشد في زيارة للجرحى ممن بُترت أطرافهم وشوهت ملامحهم، أو للموتورين ممن صُدمت نفسياتهم. قصدت إثرها أمّا مكلومة فقدت زوجها وابنها الوحيد. لم يندمل الجرح إلى الآن. مثلما شعرت بمفعول الإرهاب حينما اعترضتني سيدة في شوارع الرباط، تستنجد بي مشتكية من شخص يتعقبها أو خيل لها ذلك، وحسبته يريد بها شرا. أدركتُ أن الإرهاب ليس من قبيل الأحداث المأساوية من حرائق وزلازل وفيضانات وتسونامي وسقوط طائرات وحوادث سيارات. آثار الإرهاب تبقي بعد الفعل الإجرامي. أثارها النفسية على الأفراد والمجتمع لا تقل خطرا وأثرا عن مفعوله الآني.
فلسفة الإرهاب واحدة، بث الرعب وإثارة الخوف والريبة من كل شيء، كسر وتيرة الحياة وقطع حبل الفرح والأمل والسكينة. أساليبه متغيرة ومتطورة. العمل الإرهابي الذي ضرب المغرب بإمليل من فصيلة جديدة، أو جيل جديد. يحمل توقيع «داعش»، من أدبيات الترويع المتضمنة في كتاب «إدارة التوحش»، وأسلوب عمل الزرقاوي. لا يكفي القتل، بل ينبغي أن يكون ذلك مشفوعا بالتمثيل والترويع، وليس يكفي الترويع والتمثيل، بل ينبغي الإشهار به، ونقل ذلك على أوسع نطاق. تصوير الفعل الإجرامي مع ما يحمله من فظاظة وبثه على نطاق واسع جزء من الحرب النفسية، ولذلك كان أحد الخبراء النرويجيين المختصين بالإرهاب مصيبا حين قال، بأن الجناة بإمليل أصابوا ما كانوا يتوخون حينما نقلت مواقع صور التقتيل للضحية الدنماركية.
لئن تسرب الخوف إلى النفوس، فمعنى ذلك أن الإرهاب انتصر ينبغي للحياة أن تستمر، لأن هدف الإرهاب هو ثلم الحياة
ترسخ في ذهني أن المعركة ضد الإرهاب تستلزم النفَس الطويل، وتنصرف إلى أزمنة ثلاثة، الزمن القريب أو الآني، وهي مسؤولية الأمنيين، ما يستلزم جمع المعلومات، وتحيين وسائل الرصد، والتنسيق مع كل المصالح الأمنية، داخليا ودوليا، والقدرة على التوقع والاستباق، ووضع السيناريوهات الممكنة. الإرهاب متطور، ووسائل التصدي ينبغي أن تكون متطورة كذلك، ثم الزمن المتوسط الذي ينصرف إلى الاهتمام بكل الشرائح المهمشة، أو في وضعية صعبة، في المدن والبوادي، بل تلك التي قد تعاني أوضاعا اجتماعية ونفسية صعبة. أما المدى الطويل فهو الذي ينصرف إلى صياغة سرد جديد، أو تصور آخر لمنظومتنا الثقافية، بما فيها الحقل الديني والتربوي. فالفكر المتطرف لا ينفذ إلا إذا وجد قابلية للنفاذ، وهو لا يستطيع النفاذ إن اصطدم بمناعة ثقافية. والمدرسة بالمغرب لا تهيء للأسف الشديد لفكر يعانق التجربة الكونية، ويغلب عليها إلى الآن، سواء ممن يضعون التصورات، أو من يُنزّلونها على الأرض، كل ما يرتبط بخطابات الهوية. ومن حق المرء، كما فعلت فعاليات مدنية ومثقفون لامعون أن يسائلوا السياسة الدينية للدولة بعد الذي جرى، لا من قبيل الشماتة أو النكاية ولكن من أجل تدارك الأخطاء القائمة، وتجنب الأخطار الممكنة. سمعت من طبيب نفسي حالة وصف للتسيب المعنوي في الحَيَّيْن اللذين ظهرا منهما الجناة، حي العزوزية ودوار القايد، في معصمي مراكش، الوجهة السياحية العالمية. ذاكرة مبتورة، وأشخاص مجتثو الجذور، بلا ارتباط لا عضوي ولا ميكانيكي حسب مصطلح دوركايم، وضعف تأطير الإدارة الترابية، واهتزاز السلطة المعنوية للإدارة والمنتخبين. ولا يُنبّئُك مِثْلُ خبير.
هل لدينا بالمغرب وسائل لرصد ظاهرة عالمية ومعقدة وقابلة للتطور والتأقلم؟ لا. باستثناء الأمنيين الذين يغلب علي طبيعة عملهم السرية. فجامعتنا في حكم المعطل، وليس لدينا مراكز بحث إلا من جهود شخصية، وقد يعدم بعضها الاستقلالية ويرتبط ارتباطا عضويا بجهات أمنية. ثم مناسبات فصلية، هي ذات طبيعة احتفالية أكثر من أي شيء آخر. فكيف نجرؤ على استضافة لقاءات في كبريات الفنادق ونستضيف شخصيات عالمية مبلغها من العلم ألقاب حَملوها، وتصورات حُمّلوها، ومعلومات عامة يزجونها، ويُغدَق عليهم من أموال الشعب، ونَصدفُ عن المشاكل العميقة التي تعتور بلدنا.
لئن تسرب الخوف إلى النفوس، فمعنى ذلك أن الإرهاب انتصر. ينبغي للحياة أن تستمر، لأن هدف الإرهاب هو ثلم الحياة. أخفق الجناة في إمليل وعرّابوهم فيما كانوا يتوخونه، لأن المغاربة عن بكرة أبيهم أدانوا العمل الشنيع، وحملوا صادقين حزن أسر الضحايا وبَلديهما، لأنهم كانوا هم كذلك عرضة للحزن والأسى. استمسكوا بالحياة وعانقوا شوْقها، رغم الندوب ولا يُفلح الإرهاب حيث أتى.
كاتب مغربي
نعم و لا
ليعلم أستاذنا المحترم أن المغاربة الذين حضروا بكثافة للاحتفاء باستضافة شخصيات عالمية مبلغها من العلم – كما تدعي – ألقاب حَملوها، وتصورات حُمّلوها، ومعلومات عامة يزجونها، ويُغدَق عليهم من أموال الشعب، أولائك المغاربة هم الذين عن بكرة أبيهم أدانوا العمل الشنيع و رفضوه .. و إن عددا من عناصر الفعاليات المدنية والمثقفون لامعون ربما يتمنون وقوع مثل هذه الجرائم لأنها مطيتهم الأسهل و الأنذل للطعن في الدين قرآنه و سنته ، كما فعل المثقف اللامع الذي أشرت إليه … و عموما فكلنا لنا قصصنا مع الإرهاب .
نسأل الله السلامة للجميع
اولا اشكر السيد حسن اوريد على شرحه المبسط لبعض اسماء المواقع بالامازيغية
–
التي نتداولها و نجهل معناها اما بالنسبة للموضوع فصحيح اننا نحتاج لنفس طويل لاجتثاث
–
هذا الورم السرطاني من عقول اقلية قليلة منا و لكن هولها كبير و ليكن النقاش بلا شماتة و استفزاز
–
كما دأب بعض الراكبين على المصائب فعله
–
تحياتي
السيد حسن أوريد
كلامك صحيح في مجمله من جانب واحد ولكن الجانب الاقتصادي كذلك مهم الشخص الذي يعيش ظائقة مالية او معاناة في العيش الكريم يمكن استدراجه لالارهاب بسهولة واغلب المقاتلين في صفوف الحركات الاسلامية او غيرها في بلدانهم هم عاطلين عن العمل كما في سوريا الان او العراق سابقا
أتمنى من كتابنا الأفاضل أن ينظروا إلى المسألة من منظور كلي. لا أحد يوافق على القتل أو الإرهاب،ولكننا إذا غضبنا من أجل سائحتين أو بعض الأفراد هنا وهناك ، فيجب أن نغضب لشعوب بأكملها يتم ترويعها وقتل الآلاف بل الملايين من أبنائها. هذه الشعوب تنتمي إلى ملة الإسلام منها على سبيل المثال العراق سورية أفغانستان الصومال مالي إفريقية الوسطى فضلا عن فلسطين وغيرها. هذا الإرهاب الموجه إلى الشعوب الإسلامية المنكودة تتعرض لأبشع إرهاب في التاريخ تقوم به دول توصف بالمتحضرة اسمها أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا، وتساعدها دول عربية وإسلامية مجرمة لا تشبع من دماء المسلمين الأبرياءالبسطاء. لا أدري هل إرهاب الحكومات لذيد وجميل ومتحضر ، بينما إرهاب بعض الأفراد أو الجماعات التي تصنعها أجهزة المخابرات سيئ وقبيح؟ يجب أن نواجه الإرهاب الأصلي في مصدره ومنبعه، ونقاومه ونفضحه ما استطعنا إلى ذلك سبيلا . أما أن نتوقف عند حادثة هنا وهناك ، وندين الأمة كلها فهذا أمر بعيد عن العدل .
السيد عبادة
انك في هذه الحالة تبرر لالارهاب,في العراق وسوريا والصومال وغيرها من الدول كل ماسيها نتيجة سياسة حكوماتها السابقة وكذلك شعوبها التي مجدت شخصيات واوصلتها الى حد العبادة,ما تفعله امريكا وروسيا هي سياسة عالمية ومصالح اما قتل اناس ابرياء في الاسواق او المقاهي والمطاعم فهذا امر اخر,بدل تفجير الارهابي لنفسه ليكن بوعزيزي اخر يعري حكومته على فسادها وتقاعسها في خدمة مواطنيها
لم يحدث أن بررت الإرهاب أو القتل. إني أدين الكتاب والمثقفين، الذين يتجاهلون الحكومات الإرهابية الدموية التي تقتل بدم بارد ليس واحدا أو أوعشرة أو عشرين بل الآلاف بأحدث الأسلحة، وأدوات التدمير. المجرمون الدمويون، يعذبون الناس في السجون ويقتلونهم، أو يغتالونهم في الطرقات أو يخرجونهم من مخابئ الاختفاء القسري ويصفّونهم، ألا يكون ذلك باعثا على التضحية بالنفس مجانا وبطريقة غير سليمة؟ المجرمون الدمويون يستطيعون لوكانت لديهم بعض الرحمة أن يوقفوا الإرهاب إلى الأبد لو تصالحوا مع شعوبهم،ولكنهم يتلقون التعليمات والحماية من دول الغرب المجرمة الناهبة. من يتحدث عن الإرهاب الفردي يجب أن يتحدث عن الإرهاب الحكومي الأكثر بشاعة ووحشية!
لم يكن الفقر أو الجوع سببا من أسباب الإرهاب بشهادة العارفين. الدليل , من قاموا بهجمات 11/9 ضد البرجين الأمريكيين كانوا أناسا بمراكز اجتماعية مستقرة في ألماينا , أغلبهم طلبة. لو كان الفقر والحاجة سببا للإرهاب لكان الإرهاب يعم كل دول العالم الثالث الفقيرة, هذا لايوجد.
سبب الإرهاب الإسلامي برأيي واحد , هو الثقافة الدينية السلفية , هو تطبيق الموروث بحذافيره, هو الفصل بين الناس بين المؤمن والكافر, وفقط في هذا الفصل يُحكم على الكافر بالتقزيم والدونية حيث يُصبحُ هدفا للقتل والترويع. مالم تكن العودة لهذا السبب الرئيس وإصلاحه فلن يحدث تغيير وسيظل الإرهاب حاضرا.
أعتقد أن المشكلة في منظومة التعليم الذي لا تهتم بتوعية المجتمع وليس في الدين ولا في الفقر
اصبت سيدي ولكن اين يكمن الخلل ؟
أعتقد أن ظاهرة الإرهاب تستوجب على المثقفين العرب المشتغلين في كافة الحقول من علم النفس وعلم الإجتماع والفلسة أن يشتغلو عليها ليقدموا تصوراتهم حولها لأن هذه الظاهرة تتسم بالتعقيد والزئباقية،
نلاحظ في “الفكر الغربي” مثلا أن التناقضات التي كانت في مرحلة معينة بين دريدا من جهة و هابر ماس من جهة أخر ى حول مجموعة من المسائل، لم تقف أمامهم ليضعوا كتابا تحت عنوان الفلسفة في زمن الإرهاب ” وعيا منهم أن هذه الظاهرة شائكة، وخطيرة وتستدعي الوقوف عندها و توحيد الرؤية حولها. ما بلك عندنا نحن في المجتماعات التي تعتبر منبعا لهذا الشر ، فالى ماذا يرجع بخل مثقفينا؟ .