مصلحة
ينتظر دفء الموت أن يمنحه عافية الراحة، بعدما أنهكه المرض، يئس الأطباء من شفائه، ولكن الموت تأخّر، بقي عليلا لا يستطيع قضاء حاجته، أو النهوض من دون مساعدة، ولهذا ملّ الأهل منه، وملّ هو من حياته التي لا لون لها ولا طعم، مع ذلك كانوا يتمنون بقاءه لمدة أطول على قيد الحياة، حتى لا يفقدوا راتبه التقاعدي.
اهتمامات
المرأة التي أحبَّ، مشغولة عنه بنفسها، المرض الذي أنهكه وجعله طريح الفراش، يحتاج إلى المداراة والعطف الروحي، لكن زوجته الحبيبة، لا وقت لديها تنفقه على عليل كسيح لا يقوى على القيام بأي شيء، هي الآن مرحة أمام مرآتها تتزين وتتغنج.
إحباط
تاريخ معطّل من الانتصارات، ويوم يشبه الأمس، وغدا لا مستقبل فيه ولا فرح، هكذا هي حياته.
فراغ
مع الصباح تتوهّج أحلامها، مع الليل تختفي شعلة الأمنيات، وتضاء الحقيقة كالوخز، لا شيء يسكت ألم الفراغ، تتعلّق بالصباح مرّة أخرى، في دورة حياة مفرغة.
حفريات
عقدتها تتجدّد مع كلّ صباح، تنبش الماضي، وتحفر بالكلام، تؤثّث من العبارة التي تسمعها ألف عبارة وعبارة، تهذي صارخة لكلّ كلمة تتلقاها، وتؤولها ألف تأويل، هي بارعة بعلوم اللسانيات الحديثة، والتأويليّة والتداوليّة والأفعال الكلاميّة، والسيميائيّة، والمقاربات اللغويّة، وإن كانت أمية التي لا تعرف فكّ الحرف، لم تتعلّم في مدرسة قط، ولكنّها هي هكذا بارعة بالفطرة، مهووسة بالمشاحنات، تجعل (من الحبّة كبة).
تقليد
الضوء الضئيل الذي يلمحونه يترجرج كأنّه محمول بيد شخص مشلول، الضوء يقترب منهم، يكاد يخطف أبصارهم شدّة وحدّة، الشمس تنزوي أمام قوّته وسطوعه، ضوؤه الحادّ يحزّهم كالمُدى، يناديهم بالسير على الخطى نفسها التي مشى عليها الأجداد، الأسلاف لا خيار لهم بالسير على غيره، الضوء الخاطف يجبرهم على السير على الدرب الشائك المتعثّر نفسه.
الواقع والخيال
على قارعة الطريق انزوى، وودّع محبوبته بحفنة كلمات لا معنى لها، قالت له: إنّ الحياة لقمة، وهو الذي كان يظنّ بأنّ الحياة حروف غامضة، وهستيريا كلمات، ونقش عبارات، وتأثيث جمل.
مفهوم الوطنية
حاروا بمعنى الوطنية ومفهومها.
قال الأوّل: أن تحب الوطن، وتضحي بنفسك من أجله.
قال الثاني: أن تحمل ترابه وساما على صدرك.
قال الثالث: أن تجعله في وعيك، وفي نجواك، وفي أعماق نفسك.
قال الرابع: أن يكون هو الدم الذي يسري في شريانك
قال الخامس: الوطنيّة أن لا ترمي الأوساخ من نافذة السيّارة على قارعة الطريق.
إهمال
مشكلة صغيرة، يتناسها، الغد الآتي قادر على سحقها وإذابتها، المشكلة الصغيرة تستفحل، يدير لها ظهره، الأرض المبسوطة قادرة على ابتلاعها، المشكلة الصغيرة تُصبح حريقا يلتهمه، لا يستطيع إخماد نيرانها بمياه الإهمال.
رجل أعمال
مجاهيل الأوهام، تضيع صوته، كومات التراب، تفرغ محتواه، سفره الطويل، أنشودة صمت مواعيده، هياكل بناء، نومه هلوسات أسماء الحديد والأسفلت، حلمه، أغنيات اللهيب، أمطاره كتل الثلج، مشاوير لا تنتهي، وهاتف لا ينقطع عن رنينه المرتعش.