إسطنبول ـ «القدس العربي»: مع مرور أكثر من شهر على جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، تركز السلطات السعودية سياسة المماطلة لكسب مزيد من الوقت الذي سيكون كفيلاً بتقليص مساحة الاهتمام السياسي والإعلامي العالمي بالقضية، فيما تحاول أنقرة الإبقاء على تصدر القضية للأجندة العالمية من خلال استراتيجية التسريبات التي اتبعتها منذ وقوع الجريمة في الثاني من الشهر الماضي.
وحتى اليوم تؤكد تركيا أن السعودية ما زالت ترفض التعاون في ملف التحقيقات بمقتل خاشقجي وسعت أنقرة لتصعيد تصريحاتها ضد المملكة عقب فشل زيارة النائب العام السعودي التي استمرت لثلاثة أيام ولم تسفر عن أي نتائج أو تقدم في ملف التحقيق ولم تجب على السؤال الأكبر المتعلق بمصير ومكان جثمان خاشقجي.
ويمكن استنتاج أن السعودية تعمل في إطار مماطلة ممنهجة لتحقيق هدفين أساسيين، الأول يتعلق بإسقاط القضية من أجندة وسائل الاعلام العالمية بعد أن احتلت مرتبة الصدارة عالمياً على مدى الأسابيع الماضية، والثاني يتعلق بمنع تركيا من استكمال التحقيق الجنائي الذي لن يُستكمل بدون العثور على الجثمان أو معرفة مصيره.
ويبدو أن السعودية تحاول الاستفادة قدر الإمكان من مدة محورية في القانون التركي تنص على أنه لا يمكن الإعلان عن جريمة قتل متكاملة أو بدء محاكمة المتهمين فيها بدون العثور على الجثمان، ومن هنا تتوقع مصادر تركية أن فريق الاغتيال السعودي لجأ على الأغلب إلى تذويب الجثمان بالأسيد لمنع السلطات التركية من الوصول لأي أدلة تتعلق بالجثمان، كما تتوقع أن المماطلة السعودية بالإعلان رسمياً عن تذويب الجثمان أو الاعتراف بالطريقة التي تم التخلص فيه منه تهدف بالدرجة الأساسية لمنع استكمال التحقيق الجنائي لإعاقة انتقال تركيا للمرحلة الثانية في القضية والمتعلقة بمحاكمة المتهمين بتنفيذ الجريمة.
وعملت تركيا على خطة تتكون من 4 مراحل في إدارة قضية خاشقجي، كان أولها يتعلق بكشف القضية وتدويلها وايصال صداها إلى كل العالم، وهو ما نجحت فيه بدرجة كبيرة، وفي مرحلة ثانية بدأت العمل بقوة على استكمال التحقيق الجنائي لتحديد طريقة القتل ومنفذي الجريمة المباشرين، لكنها فشلت حتى اليوم في استكمال التحقيق الجنائي بسبب عدم تمكنها من الوصول للجثمان، وهو ما منعها من الانتقال للمرحلة الثالثة المتعلقة بمحاكمة المتهمين الـ18 المشاركين في الجريمة بشكل مباشر، وهي المرحلة التي تسبق الخطوة الأخيرة التي خططت تركيا لأن يكون عنوانها الإعلان عن ومعاقبة رأس الهرم السياسي الذي أعطى الأوامر بتنفيذ العملية.
الرياض تعوّل على عامل الوقت والاستمرار في إخفاء الجثمان لمنع إتمام التحقيق الجنائي
وفي محاولة لمواجهة سياسية «المماطلة» السعودية، تحاول تركيا الإبقاء على تصدر القضية للأجندة السياسية والإعلامية العالمية من خلال سياسية التسريبات، والكشف عن تفاصيل جديدة حول الجريمة تجذب الاهتمام العالمي وتؤدي لمزيد من الضغوط العالمية على السعودية لدفعها إلى التعاون بشكل أكبر مع تركيا في التحقيق.
لكن ومع مرور أكثر من شهر على الجريمة، وبدء تراجع مكانة القضية في أجندة وسائل الاعلام العالمية، باتت تطرح أسئلة قوية في تركيا عن كم التسريبات التي ما زالت بحوزة أنقرة، وإلى أي مدى يمكن أن تصمد أمام سياسة المماطلة السعودية الممنهجة؟.
بات في حكم المؤكد أن تركيا تمتلك تسجيلاً صوتياً يشرح ما حصل مع خاشقجي داخل القنصلية، ويفسر طريقة قتله وتقطيه، لكن الترجيح أن هذا التسجيل جرى الحصول عليه من خلال عملية تنصت غير قانونية على القنصلية يجعل من إمكانية نشره ضئيلة، إلى جانب أنه لن يحمل الكثير من الجديد حيث سرب على مدى الشهر الماضي محتواه بقدر كبير.
ومن غير المعروف حتى الآن قوة الأدلة الأخرى التي تمتلكها تركيا في هذا الإطار، لكن يعتقد على نطاق واسع أن جميع الأدلة التي تمتلكها أنقرة تتعلق بتدعيم التحقيق الجنائي الذي يمكن ان ينجح في النهاية بإجبار السعودية على الاعتراف بمصير الجثمان واستكمال التحقيق الجنائي للبدء في محاكمة المتهمين المباشرين في القضية.
لكن وفي المقابل، لا يبدو أن تركيا تمتلك أدلة قطعية تدين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو ما سعت الرياض للتأكد منه طول الأسابيع الماضية، فبدل أن يقدم النائب العام السعودي معلومات للجانب التركي تساعد في التقدم بالتحقيق، اكتشفت أنقرة أنه جاء لهدف أساسي يتعلق بـ«قياس أوراق القوة» التي تمتلكها تركيا وهو سيساعد السعودية في كسب مزيداً من الوقت بهدف قتل القضية.
وترى تركيا أن مهمتها الأساسية تتمثل في استكمال التحقيق الجنائي ومحاكمة المتهمين المباشرين، ولكن فيما يتعلق بالكشف عن رأس الهرم السياسي الذي أعطى الأوامر بتنفيذ العملية فهو أمر يتعلق بالإدارة الدولة والموقف الأمريكي بشكل خاص، حيث تحدثت وسائل إعلام بريطانية وأمريكية عن اعتراض مخابرات البلدين اتصالات سعودية تتعلق بالقضاء على معارضين بالخارج، وهو ما يمكن أن يتضمن أدلة تساعد في إدانة محمد بن سلمان، وبالتالي فإن توجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو من سيحسم مصير محمد بن سلمان وليس تركيا التي لا ترغب في الدخول بمعركة منفردة ضد ولي العهد السعودي في حال كانت فعلاً لا تمتلك أدلة قطعية تدينه بشكل مباشر.
وبينما لمست أنقرة في أكثر من مرة إرادة لدى ترامب في إغلاق ملف القضية، حذرت من مخاطر هذا التوجه، وعادت لتطبيق استراتيجيتها الأساسية في تكثيف التسريبات للصحف ووسائل الإعلام الأمريكية التي ما زالت تمارس ضغطاً كبيراً على توجهات إدارة ترامب نحو القضية.
لا ننسى ضغط الإعلام والصحافة الغربية, والذي لولاه لتمت تغطية هذه القضية لإبتزاز ابن سلمان كما تم إبتزاز القذافي من قبل!! ولا حول ولا قوة الا بالله