لماذا تأخر النصر في سورية.. ولماذا دفع الشعب السوري هذه الضريبة الباهظة؟ وما مآلات الثورة السورية اثر استفحال المشهد الدموي؟ وكيف سيكون واقع ما بعد الثورة في ظل هذه المدخلات الكثيرة التي تحاصر مستقبل الثورة؟ وأين يقف المستقبل، ومع من- بعد رحيل الاسد – خصوصا أننا لم نحسم هزيمة من دعموا النظام (الصين وروسيا وايران) وبعض النظم العربية، التي لا تريد للثورة ان تتمدد. لن اكتب عن الجراح النازفة التي تؤرق كل صاحب ضمير حي، وتكشف عن مجازر يندى لها جبين من آمن بالله ربا، وبالاسلام دينا. ولكن ساذهب بعيدا الى حيث حاولت عن كثب وانا اتجول في مخيمات اللاجئين على الحدود التركية استقراء اراء الناس والاستماع الى همساتهم وتخوفاتهم. التقيت مع قادة وكثير من البسطاء الضائعين في وحل المأساة، استمعت اكثر الى تصريحات بعض القادة العسكريين الذين يقودون العمل الجهادي في جبهات الشمال. كنت اركز على سؤال واحد: ماذا سيكون موقفكم بعد ذهاب الاسد؟ كيف تتصورون سورية المستقبل؟ ولماذا تأخر النصر في رأيكم؟ لن اقول ان المجاهدين تنقصهم اخلاق او خبرة في القتال وجرأة في نصرة دين الله؛ لكنني ابحث عن استراتيجية ادارية في مأسسة مجتمع اشعلت طاقاته الثارات واضحى لا يفكر الا بالثأر، لم اسمع عن استراتيجية في تأهيل هذا الشعب واعادته الى حالة من الاستقرار والفاعلية لبناء مجتمع. الكل يفكر في الثأر في القتل في سحق بقايا النظام المجرم وسحق الاخر. تكاد البرامج الابداعية لبناء سورية المهدمة غائبة عن اذهان المقاتلين الاباة! فكيف يمكن ان ينتصر شعب ويبني مع غياب مطلق لاستراتيجيات البناء. النصرة واحرار الشام مقاتلون اشداء، واثرهم على الارض بائن جلي، لكنهم لا يمتلكون رؤية واضحة لما بعد الاسد: الشيخ الظواهري بعث رسالة الى المقاتلين طالبهم فيها باقامة دولة اسلامية؛ هذا كلام جميل لكنه ايضا كلام في سياق مضطرب لا يمكن تفعيله الا باستراتيجيات رؤية واضحة تجعل من امكانية تنفيذ ذلك والوصول الى دولة ذات سيادة واقعا متحققا؟ الظواهري لم يقدم لنا رؤية حول الكيفية التي يمكن من خلالها ان يتوافق المجتمع المدني السوري على هذه الدولة، خصوصا ان اعداء هذه الفكرة ليسوا نائمين وليسوا قلة؟ وهل الاعلان عن ميلاد دولة اسلامية كاف لتحقيق الهدف المنشود من اقامة تلك الدولة؟ ان اقامة دولة في سورية يعني عمليا انهاء نظام يحكم الناس بالسوط والسيف والاتيان ببديل يحقق لهم الرفاه والعيش الكريم، ويبدأ رحلة التطوير وصولا الى دولة ذات سيادة تمتلك اسباب القوة. أما نظام الحكم فهو متعلق بدستور تتوافق عليه الاحزاب، وهذا دور الاحزاب الاسلامية صاحبة الرؤية الشرعية كي تقدم للناس دستورا ينطلق من مبادئ الشريعة ويحقق ما امر الله به ويقنع الشعب ويحقق الامن؟ ثم على هذه الرؤية ان تقدم بآلية فنية تضمن امكانية تحقيقها لما اراده المنظرون، من دون ان ندخل المنهج الاسلامي في عملية فشل جديدة، كما حدث في اماكن متعددة حيل بين الناس وبين الاسلام بسبب استعجال بعض الاسلاميين للاعلان عن مشروع اسلامي من دون توفير آليات تنفيذه، كما في مالي وافغانستان على سبيل المثال. ان سورية تحتاج الى اشياء كثيرة، تتجاوز مجرد المطالبة باقامة دولة اسلامية، أي ان العامل على الساحة السورية عليه ان يقرأ المشهد قراءة دقيقة ويبدأ بتقــــديم العلاج وفق رؤية تدريجية تضمن نجاعة العلاج، فالدواء مهما كان ناجعا قد يعطى دفعة واحدة فيقتل المريض ولا يشفيه وكذا الدولة. ‘ كاتب فلسطيني