الدوحة ـ «القدس العربي»: تواصل قطر جهودها لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة والعدوان على لبنان، وتؤكد على ضرورة تحريك عجلة الدبلوماسية، لإنهاء الصراع وتحذر من تداعيات تفجير الأوضاع في المنطقة، بسبب التهديدات المحتملة لانشطار الأزمة على أمن الشرق الأوسط.
وتؤكد قطر على ضرورة التحرك العاجل للمجتمع الدولي، لوضع حد لمعاناة سكان غزة، والتي تعتبرها بلغت حداً لا يمكن بعده تأجيل الحلول الدبلوماسية، حتى يتم إنقاذ الشعب المحاصر. وتتواصل في العاصمة الدوحة الاجتماعات الدبلوماسية للدول المعنية بالوساطة، مع محاولة صعبة لتقريب وجهات النظر، وتحديداً مع رفض تل أبيب وقف حربها على غزة ولبنان. ويجتمع المسؤولون القطريون مع عدد من المسؤولين الدوليين، من أجل بحث سبل تحريك عجلة الحوار، والحيلولة دون استمرار الحرب.
وقابل رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مدير وكالة المخابرات الأمريكية «سي آي إيه» وليام بيرنز، ورئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية «الموساد» ديفيد برنيع لبحث صفقة تبادل ووقف إطلاق النار في قطاع غزة. وتسعى المحادثات حسب مصادر مطلعة لأجوائها، للتوصل إلى اتفاق جديد، بعد ما نسفت تل أبيب كل الجهود السابقة. ويعمل الوسطاء حالياً على أقل تقدير للوصول إلى اتفاق قصير الأمد لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإطلاق سراح بعض الرهائن لدى حركة المقاومة الإسلامية «حماس» مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين. وتتأرجح المعلومات بين السعي لاتفاق دائم، أو التمهيد له باتفاق مؤقت تصر عليه إسرائيل، في وقت تسعى المقاومة للتوصل لاتفاق نهائي. وحسب ما يرشح من معلومات، فإن الجهود الحالية، تهدف بحث وقف لإطلاق النار يمتد لأقل من شهر.
تسريبات عن أفكار مصرية
تزامناً واجتماعات الدوحة، كشفت مصادر إعلامية عن أفكار مصرية، تقترح مبادرة جديدة لوقف إطلاق النار لأيام في غزة لتبادل 4 رهائن إسرائيليين مع بعض السجناء الفلسطينيين، فيما يتم خلال 10 أيام التفاوض على استكمال الإجراءات الأخرى في القطاع. وتداخلت تلك المعلومات، مع أنباء لقاءات الدوحة، بين الإسرائيليين والأمريكيين والقطريين. ونشرت وسائل إعلام عبرية، أن المقترح المصري حظي بتأييد غالبية الوزراء عدا نتنياهو ووزير الأمن القومي، ايتمار بن غفير، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش. وترى المصادر الإسرائيلية، أن تفاصيل المباحثات في الدوحة لا تعول عليها تل أبيب كثيراً، في ظل سعيها لاستكمال حرب الإبادة في غزة حتى تحقيق ما تدعيه من أهداف، تثبت الوقائع أنها لا تتحقق، ولا تسبب سوى المزيد من الدمار وتعقيد جهود الوساطة. وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن رئيس جهاز الأمن الداخلي «الشاباك» لم ينضم إلى الوفد الإسرائيلي في الدوحة، كما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أمريكيين وقطريين قولهم إنه ليس واضحا إن كانت حماس مستعدة للعودة إلى مفاوضات وقف إطلاق النار.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي قوله إن مفاوضات الدوحة ستختبر عملية صُنع القرار لدى حماس بعد مقتل رئيس الحركة يحيى السنوار.
خلافات بين القيادات الإسرائيلية
تشير العديد من المصادر المتابعة لجولات الحوار إلى خلافات بين القيادات الإسرائيلية، في ظل مأزق تل أبيب الساعية لاستكمال حربها، بدون تحقيق أي نتيجة، وتزامن ذلك مع خسائر معتبرة يتكبدها جيش الاحتلال في مواجهته المفتوحة مع كل من المقاومتين الفلسطينية واللبنانية.
ونقلت المصادر العبرية، أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، قال إنه «لا يمكن تحقيق كل الأهداف من خلال العمل العسكري فقط» مشيراً إلى إعادة المحتجزين في قطاع غزة «يتطلب تقديم تنازلات مؤلمة».
ويظهر حتى الآن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، في مواجهة مع موجة غضب شعبي متزايدة، ترى فيه سبب الفشل في خيار الحرب المفتوحة، والتي لم تحقق هدف استعادة المحتجزين لدى المقاومة.
وتتواصل في تل أبيب والقدس المظاهرات الشعبية الغاضبة، والمنددة بسياسات نتنياهو، وزجه الاحتلال في حرب طويلة، صارت تشكل خطراً على وجود الدولة.
ويواجه سكان المناطق الإسرائيلية بشكل عام تداعيات الحرب المفتوحة، والتي أدخلت المواطنين في ملاجئ، وسببت الذعر للجميع، ما ساهم في تعزيز مناخ الخوف وعدم الاستقرار في البلاد.
حماس تؤكد على استمرار نهج السنوار
يؤكد قادة حماس على استمرار قائد الحركة السابق، الشهيد يحيى السنوار، وعدم الرضوخ للضغوط الإسرائيلية، والتأكيد على ضرورة وقف الحرب الإسرائيلية، قبل الموافقة على أي صفقة.
وأكد مسؤول في حماس أن وفداً من الحركة ناقش في القاهرة مع مسؤولين مصريين اقتراحات لوقف النار، وأكد جاهزية الحركة لوقف القتال إذا التزمت إسرائيل بوقف إطلاق النار والانسحاب من قطاع غزة، وعودة النازحين وإبرام صفقة تبادل. وما تزال شروط المقاومة الفلسطينية واضحة، وقف للنار، وانسحاب جيش الاحتلال، قبل الموافقة على أي صفقة تبادل للأسرى والمحتجزين.
وحسب مصادر في الدوحة، التقى رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري وفد حماس قبل أيام بعد استشهاد السنوار، وأبلغوه أنهم ما زالوا متمسكين بورقتهم المقدمة في آب/اغسطس الماضي، التي قالت فيها الحركة إن «الشعب الفلسطيني لا يمكنه قبول صفقات جزئية، وأنه يجب أن يبدأ أي جهد لإطلاق سراح الأسرى المحتجزين لدى حماس بوقف إطلاق النار». وبحث وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن، الأربعاء، مع نظيره الإيراني عباس عراقجي، آخر التطورات في قطاع غزة ولبنان وسبل خفض التصعيد بالمنطقة.
وتنطلق قطر من تحركاتها، من موقف إنساني يؤكد على ضرورة إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني.
وأكدت دولة قطر أن المعاناة الإنسانية التي يشهدها سكان قطاع غزة بلغت حداً يفوق الوصف جراء العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من عام، والذي امتد إلى الضفة الغربية ثم إلى لبنان، بالرغم من التحذيرات المتكررة بخطر تطور وتوسع الصراع في المنطقة. وقالت الشيخة علياء أحمد بن سيف آل ثاني المندوب الدائم لدولة قطر لدى الأمم المتحدة، في كلمة أمام اجتماع المناقشة المفتوحة الفصلية لمجلس الأمن حول الحالة في الشرق الأوسط بما فيها القضية الفلسطينية في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، «إن دولة قطر تكرر إدانتها الشديدة للعدوان الوحشي والعقاب الجماعي في غزة الذي تسبب بدمار شامل فيه، وجعل غالبية سكانه من النازحين، حيث لم يعد اليوم في القطاع أي مكان آمن». وأضافت، أن بيان المنسق الإنساني في الأرض الفلسطينية المحتلة يوضح أن الاحتلال الإسرائيلي يعمل بصورة متزايدة منذ بداية أكتوبر على حرمان شمال غزة وقطع سبل وصوله إلى الإمدادات الأساسية، ما يعني تخيير السكان بين النزوح القسري أو مواجهة المجاعة والقصف، وكلا الخيارين هو انتهاك صريح للقانون الإنساني الدولي، مسترشدة بما بينه المفوض السامي لحقوق الإنسان بأن النقل القسري لسكان شمال غزة من شأنه أن يرقى إلى أن يكون جريمة حرب. وأكدت آل ثاني، أن عدوان قوات الاحتلال اشتمل على ارتكاب فظائع ترقى إلى جرائم حرب حسب القانون الدولي، بما فيها قصف الأحياء المكتظة بالسكان وخيام النازحين، وقطع الإمدادات الإنسانية الأساسية، والتهجير القسري بما فيه أوامر الإجلاء إلى ما يسمى بالطرق والمناطق الآمنة التي تقصف بعد لجوء المهجرين إليها، وسياسة الحصار والتجويع، واستهداف مقرات وقوافل الأمم المتحدة، حيث تشكل كل هذه الإجراءات انتهاكات صريحة لاتفاقيات جنيف، التي تلزم السلطة القائمة بالاحتلال بتوفير الغذاء والدواء. وأبرزت قطر، أن هذه الإجراءات تخرق قرارات مجلس الأمن كذلك، فحسب تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بلغ عدد الضحايا في قطاع غزة أكثر من 42 ألفا، ووصل قرابة 500 ألف شخص إلى مستوى المجاعة، وانخفض عدد الشاحنات العابرة إلى أدنى مستوى، كما أغلقت المنافذ، وفرض حصار شبه كامل على شمال غزة، منوهة بأن ما يحدث الآن في غزة يدل على محاولة لتدمير سبل الحياة فيه، وهو خرق لقرار مجلس الأمن رقم 2735 الذي رفض أية محاولة لإحداث تغيير ديموغرافي أو إقليمي في القطاع.
كما أوضحت قطر في الأمم المتحدة، أنه تمر تسعة أشهر بدون تنفيذ الأوامر المؤقتة لمحكمة العدل الدولية التي نصت على أن تتخذ إسرائيل كل التدابير الممكنة لمنع ارتكاب أفعال ضد الفلسطينيين تدخل في نطاق المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، ومنع التحريض على ارتكاب الإبادة، وتمكين توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية.
وأكدت قطر رفض محاولات استهداف وتشويه سمعة «الأونروا» وهي وكالة إنسانية لا بديل عنها وازدادت الحاجة إليها في ظل الكارثة الإنسانية الراهنة، حيث إن محاولة تقويض الوكالة تستهدف بالدرجة الأولى الشرعية الدولية التي أنشأتها في إطار المسؤولية الجماعية تجاه قضية اللاجئين إلى حين تسويتها العادلة، لذلك ينبغي دعم «الأونروا».
وتعتبر قطر أن استهداف «الأونروا» يأتي في إطار حملة ضد الأمم المتحدة بأكملها، وعلى رأسها أمينها العام، حيث جددت إدانتها العدوان الإسرائيلي على لبنان الذي تسبب بآلاف القتلى والجرحى.
وتؤكد قطر دعمها الجهود الدبلوماسية لوقف التصعيد، حيث انضمت إلى الدعوة الأمريكية-الفرنسية لوقف إطلاق نار مؤقت لمدة 21 يوما بغية إعطاء المجال للحل الدبلوماسي الدائم وتطبيق القرار 1701 كما سارعت إلى المساهمة في التصدي للأزمة الإنسانية المتفاقمة في لبنان من خلال تقديم المساعدات الغوثية، ما يضاف إلى الجهود الإنسانية التي تبذلها للتخفيف من المعاناة في غزة وتقديم العلاج للجرحى، ودعم جهود الأمم المتحدة الإنسانية.