لشبونة: إذا توّج باريس سان جرمان الفرنسي بلقب دوري أبطال أوروبا لكرة القدم على حساب بايرن ميونيخ الألماني الأحد في لشبونة، ستنتشر صور البرازيلي نيمار باكيا ومشاهد الاحتفال الجامحة في العاصمة الفرنسية، لكن المنتصر الاكبر باللقب الاول لسان جرمان سيكون أمير دولة قطر.
أول ظهور للفريق في نهائي المسابقة الكروية الأهم في القارة العجوز ان لم يكن في العالم اجمع يأتي بالتزامن في الشهر الذي يحتفل به النادي بعيد ميلاده الخمسين، ومع ذلك كانت نقطة الانطلاق الحقيقية في 30 حزيران/ يونيو 2011.
عندما اشترت شركة قطر للاستثمارات الرياضية باريس سان جرمان، وعد رئيسها ناصر الخليفي بجعل النادي “فريقا رائعا وعلامة تجارية قوية على الساحة الدولية”. ومن دون شك هي نجحت بتحقيق ذلك، حتى لو شكك منتقدو قطر في دوافع الدولة الصغيرة الغنية بالغاز.
احرز فريق العاصمة اخيرا لقبه السابع في الدوري المحلي ونجح بتحقيق الثلاثية المحلية للمرة الرابعة. كما نجح بعد اخفاقه في ست محاولات في المسابقة الأوروبية العريقة من الوصول إلى المباراة النهائية.
وقال الخليفي بعد الفوز الفريق على لايبزيغ 3-صفر في نصف النهائي “منذ وصولنا إلى هنا، دوري أبطال أوروبا كان حلمنا، ونحن على وشك تحقيق حلمنا الآن”.
باريس سان جرمان كان كبيرا قبل تحوله للملكية القطرية، إذ كان يعود لعملاق البث التلفزيوني المشفّر “كانال بلوس” في التسعينيات، وفاز مع نجوم مثل الليبيري جورج وياه بالدوري المحلي عام 1994، ووصل إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا بعدها بعام، وكان لقبه القاري الوحيد كأس أبطال الكؤوس عام 1996.
ضائقة شديدة
وشهد فريق العاصمة الفرنسية في عام 2011 ضائقة شديدة، ترافقت مع تراجع في مستوى الفريق إذ احتل المركز الثالث عشر موسم 2009-2010.
تراجعت كمية الحضور في ملعب “بارك دي برانس” بعد توقف إدارة النادي عن بيع البطاقات لمجموعتين من المشجعين بسبب أعمال الشغب. لكن الآن تحت إدارة الخليفي، الشخصية الموقرة في بلاده، فإن باريس سان جرمان هو بالفعل ناد مختلف.
استغرق الأمر معهم عامين فقط للوصول إلى المركز الخامس في تقييم شركة “ديلويت” الخاص لاندية كرة القدم، إذ كانت إيراداته في موسم 2012-2013 أقل بقليل من 400 مليون يورو (471 مليون دولار)، بعد أن تضاعفت أربع مرات في الفترة القصيرة تحت الإدارة القطرية، ليأتي خلف ريال مدريد وبرشلونة الإسبانيين، وبايرن ومانشستر يونايتد الإنكليزي.
في ذلك الموسم عاد سان جرمان إلى دوري أبطال أوروبا بعد ثماني سنوات عجاف بفوزه بأول ألقابه المحلية مع ادارته الجديدة.
وبدأ الفريق في عهده الجديد بعقود تجارية رعائية كبيرة مع هيئة قطر للسياحة، وشركة “أوريدو” المزود القطري بخدمات الاتصالات كما قام بالتوقيع مع اللاعب الإنكليزي ديفيد بيكهام.
حافظ باريس على مركزه الخامس في تقييم “ديلويت” لكن إيراداته بلغت 635,9 مليون يورو.
وجاء العام 2017 ليشهد أكبر صفقة انتقال في تاريخ كرة القدم، عندما تعاقد مع البرازيلي نيمار من برشلونة مقابل 222 مليون يورو، كما عزز صفوفه بنجم المنتخب الفرنسي وموناكو الشاب كيليان مبابي مقابل 180 مليون يورو.
وقد أنفق النادي، في المجموع، ما يقدر بـ 1,3 مليار يورو على رسوم الانتقال وحدها في هذه السنوات التسع.
فائدة سياسية كبيرة
ومن حيث كرة القدم، كان الأمر يدور بالكامل حول تحقيق النجاح على أرض الواقع، لكن أهداف شركة قطر للاستثمارات الرياضية والدوافع وراء مشاركة قطر، تذهب أعمق من ذلك بكثير.
يتحدث الموقع الخاص بالشركة القطرية على شبكة الانترنت عن رؤية “أن تكون رائدة عالميا في مجال الرياضة والترفيه والاستثمار في دولة قطر وخارجها”.
كان اختيار باريس سان جرمان، الذي يقع مقره في واحدة من أكبر المدن الأوروبية وأكثرها تألقا، وسيلة لقطر لتنمية علامتها التجارية بعد نجاحها في الحصول على تنظيم بطولة كأس العالم 2022.
وقال نيكولاس ماكغيهان مدير شركة “فير سكوير” للمشاريع وهو محقق ومدافع بارز عن حقوق العمال المهاجرين في دول الخليج “الأمر كله يتعلق بالعلامة التجارية والارتباط مع بطولات كبرى ومرموقة من جهة وأندية براقة وناجحة من جهة اخرى”.
وقد سلطت بطولة كأس العالم وملكية قطر لباريس سان جرمان الضوء على معاملة البلاد للعمال المهاجرين، ولكن يبدو أن فوائد السمعة تفوق التكاليف.
ويشير ماكغيهان إلى أن “الأمر يتعلق في نهاية المطاف بالسياسة والسلطة والنفوذ، وليس بكرة القدم”.
في الشارع القطري، لا يزال هناك تركيز على الدوري الإنكليزي الممتاز أكثر منه على باريس سان جرمان، رغم أن الاهتمام يتزايد بعض الشيء.
بعد الوصول إلى المباراة النهائية، تزين متجر الفريق الفرنسي في مجمع “فيلاجيو” التجاري في العاصمة القطرية بملصق يقول “نحن باريس – لشبونة 2020”. وقال مدير المتجر عبدول “إذا فازوا (سان جرمان بدوري الأبطال)، فإنهم بالتأكيد سيقومون بجولتين للاحتفال بالفوز، واحدة في باريس والأخرى هنا (الدوحة)”.
بدورها، وصفت الخطوط الجوية القطرية التي تشارك برعاية الفريق، المباراة بين الفريقين الفرنسي والألماني على حسابها الخاص على تويتر بأنها “قلاسيكو (قطر+كلاسيكو)”.
وبالنسبة لماكغيهان، سينعكس نجاح باريس سان جرمان بشكل إيجابي على قطر وأمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لا سيما في سياق أزمة الخليج التي شهدت قطع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع الدوحة.
وأضاف “من حيث هيبة الأمير، فإن ذلك يعود بفائدة سياسية هائلة عليه. فرأسماله السياسي سيرتفع بين القطريين”.
وتابع “يتم نشر علامتهم التجارية عبر أكبر مباراة لكرة القدم تحدث كل عام في أوروبا. سينظمون أكبر حدث لكرة القدم في العالم في غضون عامين. لا يمكن أن يكون العمل بشكل أفضل بالنسبة لهم في هذا الصدد”.
(أ ف ب)