قطر وهجمة كأس العالم

حجم الخط
14

«قطر… هذا الحقير الصغير».. هكذا اختارت «ليبراسيون» الفرنسية عنوانا لكامل صفحتها الأولى التي خصصتها لتقريع الدوحة والقول إنها ليست جديرة أبدا بتنظيم كأس العالم وذلك في اليوم ذاته التي تنطلق فيه هذه التظاهرة الكروية.
حفل الافتتاح المبهر الأحد الماضي تجاهلت بثه تماما مثلا القناة الأولى «بي بي سي 1» البريطانية مفضلة الحديث عن فساد الفيفا وتغيير موعد كأس العالم التقليدي وصغر حجم قطر ووضع العمال وحقوق الإنسان والمثليين فيها وغير ذلك. مذيعة «سي.ن.ن» الأمريكية المسكينة لم تجد في خزانتها ما ترتديه يومها سوى ذلك الفستان المزركش بالكامل بألوان المثليين الشهيرة، كما لم يخرج الإعلام الألماني بدوره عن هذا المزاج حتى إن صديقة تونسية مقيمة في ألمانيا بعثت لي مغتاظة تقول: «درست هنا وأعيش هنا منذ 22 عاما ومندمجة تماما في المجتمع حتى أني متزوجة منهم، لكني لم أر قط هذا الحقد والكره الذي رأيته تجاه قطر وهي تنظم كأس العالم».
فرنسا، بريطانيا، ألمانيا.. مجرد نماذج لا غير فهذا السُعار موجود منذ مدة في كثير من وسائل إعلام غربية لكنه ازداد شراسة كلّما اقترب موعد انطلاق البطولة ثم كشّر عن كل أنيابه يوم الافتتاح نفسه، حتى أن بعض الصحف الفرنسية لم تعر حفل الافتتاح أي اهتمام لكنها احتفلت، وبعناوين غاية في الشماتة، بهزيمة قطر أمام الأكوادور في أول مباراة!
قطر ليست فوق أي نقد ولم يزعم أي من مسؤوليها أنها جنة للحريات وحقوق الإنسان، فهي تقول دائما إنها تعمل باستمرار على إصلاح قوانينها وواقعها، لكن القضية ليست هنا بالتأكيد، فكما قال، بكل شجاعة، السفير الفرنسي في الدوحة جان باتيست «نحن لا نعطي دروساً لأن من يعطي دروساً يجب برأيي أن يكون مثالياً وكاملاً، وما من بلد كامل ومثالي»، وهو نفس ما ذهب إليه رئيس الفيفا جيوفاني فينتشنزو حين هاجم بقوة ما اعتبره نفاقا غربيا في هذا المجال.

لم يجد الإعلام الغربي في رسائل الحوار والتسامح والحوار التي عبّر عنها حفل الافتتاح ما يمكن أن يشيد به، في عالم مشحون بالحروب والكوارث، مفضّلا الخوض في مسائل قد لا يخلو بعضها من وجاهة لكن أغلبها مفتعل أو مهوّل

لم يجد هذا الإعلام في رسائل الحوار والتسامح والحوار التي عبّر عنها حفل الافتتاح ما يمكن أن يشيد به، في عالم مشحون بالحروب والكوارث، مفضّلا الخوض في مسائل قد لا يخلو بعضها من وجاهة لكن أغلبها مفتعل أو مهوّل. من المفهوم أن كل بلد ينظم كأس العالم سيجعل كل الأضواء تسلّط عليه وعلى ما فيه من مشاكل فقد كان حديث الأمن هو الطاغي حين نظّم في جنوب إفريقيا (2010) وحديث الفقر في البرازيل (2014) وحديث الحريات في روسيا (2018)، لكنه لم يصل أبدا إلى هذه الدرجة من التعبئة والتضخيم كما يحصل مع قطر الآن إلى درجة الرغبة في أن يهمّش التظاهرة نفسها. يجري ذلك كلّه بنبرة تعالٍ جلية أظهرت أسوأ ما تخفيه الأنفس والعقليات من فكر استعماري لا يرى نفسه سوى مركز العالم كلّه الذي على الآخرين جميعا أن يدوروا بالكامل في فلكه ويعتنقوا نفس قيمه، بدءا من السياسة والاقتصاد وصولا إلى العلاقات الجنسية، خاصة إذا كان هذا الآخر عربيا ومسلما عليه أن يبقى أسير الصورة النمطية التي فصّلت له على مدى عقود فلا يغادرها أبدا.
حين نظم كأس للعالم في فرنسا عام 1998 مثلا لم نر حديثا عن ماضي فرنسا الاستعماري المقيت ولا عمّا تفعله في إفريقيا إلى الآن من نهب للخيرات ودعم للدكتاتوريات ومساندة الانقلابات العسكرية وغيرها، ولا كيف تتعامل مع المهاجرين في بلادها، حتى أولئك الذين ولدوا وآباؤهم على أرضها، وكيف يمارس التمييز ضدهم في التوظيف حتى بمجرّد الاسم كما أثبتت ذلك دراسات عديدة.
سؤال في النهاية: ترى ماذا لو نظّم كأس العالم في «إسرائيل»؟!
هل كنا سنسمع عن صغر مساحتها، وهي بالمناسبة نفس مساحة قطر تقريبا، وعن أنها الدولة التي ترعى أقدم وأطول احتلال في العصر الحديث باحتلالها أراضي الضفة الغربية وغزة منذ 1967 ضاربة عرض الحائط بكل القرارات الدولية؟ هل كنا سنسمع عن التيارات الدينية الفاشية فيها وأنها تعتبر مواطنيها من العرب مواطنين من درجة ثانية؟ وأنها ترتكب في حق إخوانهم في الأراضي المحتلة كل التجاوزات المصنّفة جرائم حرب، كالاستيلاء على الأراضي وضمها بالقوة وإقامة مستوطنات عليها تجلب قاطنيها من كل أصقاع العالم، مقابل هدم بيوت السكان الأصليين بمقابل مالي فاحش وإلا فإن عليك أن تهدم بيتك بنفسك؟ هل كنا سنسمع عن اعتقال الأطفال وقتل الصحافيين؟ هل كانت الشهيدة شيرين أبو عاقلة ستتحول إلى مادة لكل برنامج قبل وأثناء كأس العالم؟ هل كنا سنسمع عن الآلاف القابعين في السجون ومئات الآلاف المحاصرين في غزة الموصوفة بأنها أكبر سجن مفتوح في العالم؟
ربما.. ربما كنا سنسمع بعض التعاطف والتأييد للفلسطينيين لو أن هؤلاء قرروا رفع رايات المثليين، أو بدّلت السلطة علمها ليصبح بألوانهم الزاهية..فلربما يصبحون وقتها جديرين بالاستقلال!!
عالم منافق حقا، لكنه الآن عار ومفضوح كما لم يكن يوما.

كاتب وإعلامي تونسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عثمان:

    قال تعالى وقوله الحق”ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم….” .

  2. يقول كمال:

    صحيح جدا اخي محمد!
    في الولايات المتحدة نسمع نفس الشيء حتي في القنوات المحسوبة على انها مستقلة و حرة مثل NPR. كل ما تحدثو عنه قبل انطلاق كاس العالم هو حرمان الشذوذ الجنسي و ذهبو اكثر من ذالك و تعجبت حين قالت المذيعة في NPR ان الالاف ماتو لتشييد الملاعب ! و كانها حرب عالمية وقعت في قطر للتحظير لهاذا الانجاز العربي الحضاري!
    لا اطيق السماع لهاذه القنوات… حتى تحاليلهم عنصرية! ينظرون للعربي على انه رجل يعيش في الصحراء متخلف لا ينتج شيء!
    قطر رفعت رءوسنا عالية و اليوم السعودية ادخلت البهجة في قلوبنا جميعا … ووضعت كل اختلافاتنا بعيدا … كلنا سعوديون اليوم! و اكملتها تونس بمردود ممتاز يستحق النصر!
    الغرب ماضيه عنصري و حاضره عنصري و مستقبله عنصري … انه عالم منافق بكل المقادير

  3. يقول محمود كندا:

    صباح اليوم كنت استمع الى الراديو في سيارتي، المذيعة تسأل المحلل الرياضي عن حظوظ كندا امام بلجيكا لكنه يتحدث عن حقوق الإنسان في قطر..تعيد المذيعة السؤال عن المباراة ويواصل الضيف في التهجم على قطر..تشعر المذيعة بالملل فتسال مرة ثالثة عن مياراة كندا ضد بلجيكا فيجيب الضيف بجملتين يتيمتين بأن كندا في مجموعة صعبة وكل شيء ممكن في مباراة الغد..تشكر المذيعة الضيف وتنتقل الى خبر آخر..

  4. يقول الكروي داود النرويج:

    مراسل التلفزيون النرويجي قابل بعض العاملين بسكن العمال بقطر !
    وكان يسألهم عن عدم ذهابهم للمباريات , فقالوا له : ليس بمقدورنا شراء تذاكر !!
    ألا يعلم هذا المراسل بأنه ليس بمقدور معظم عمال النرويج السفر لحضور هذه المباربات ؟
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  5. يقول الكروي داود النرويج:

    معلقي مباراة السعودية والأرجنتين بالتلفزيون النرويجي كانوا مصدومين بفوز السعودية !
    لولا الخوف من القانون لاتهم البعض منهم الحَكَمَ بالفساد !! ولا حول ولا قوة الا بالله

  6. يقول سامح //الأردن:

    *إنه الحقد والحسد والنفاق.
    وعلى رأي المثل ( القافلة تسير..).
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل حاقد وحاسد ومنافق.

  7. يقول على:

    وما خفي أعظم….لا يطيقون ان غيرهم يتطور وخاصةهان كان عربيا مسلما….فعل قناة فرنسية عرضوا وثاىءقيا عن قطر قال فيه احد النافذين السابقين وكان مسؤولا رفيعا…..
    بعد نفاذ الغاز سيعودون الى الجمال….
    كان امرا مقززا جدا يتم عن حقد لا يضاهى….

  8. يقول بلال:

    صدقت في كل كلمة.
    التلفزيون النرويجي الرسمي كذلك كان يبث وثائقيا عن فساد الفيفا وقت الافتتاح والمقالات الصادرة تصطاد كل هفوة هنا أو هناك.
    في النرويج صدرت من فترة عدة تقارير تتحدث عن أن الكثير من الباحثين عن وظائف من أصول اجتبية يضطرون لتغيير أسمائهم كي يحصلوا على مقابلة عمل. لم نسمع عن هذا في قطر التي فيها مئات آلاف العمال من كل الأعراق.
    لا أدري من أين يأتون بورق التوت كله فكلما سقطت واحدة ظنناها الأخيرة إلا إن كانوا تخلوا عن ورق التوت وواروا سوءاتهم بطلاء قوس قزح. عالم قذر لا يفهم إلا منطق القوة وأتمنى أن تعاقب قطر وحبذا معها باقي العرب كل من تطاول وأن تشهر بطاقة الغاز الحمراء في وجوههم.

  9. يقول adel oueslati:

    قال تعالى وقوله الحق”ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم….”

  10. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    شكرًا أخي محمد كريشان. لن أجادلك في صحة ماتقول لكن لي رأي أخر. لا أعرف لماذا نشعر بالصدمة ونشعر بالإستفزاز من سلوك الدول الأوربية والغربية عمومًا وخاصة إعلامهم! وهل هذا جديد؟ حقًا لاشيء جديد! إنهم بالمناسبة يشعرون بأنهم بدأوا يفقدون مركزيتهم على العالم ولهذا ربما يشعرون بالغيظ والغضب. وهل هناك أفضل من هكذا شهادة (لنا وبقية الدول التي معنا في كفة واحدة) بأن هذا تطور كلير على مستوى العالم. علينا أن نحتفظ بالهدوء ونستوعب الدرس ونأخذ هذا النقد الشديد على محمل الجد ونفهمه جيدًا! فهو مفيد لنا حتى نستطيع أن نتغلب على ضعفنا وننهض بقوتنا، وعندها فقط نستطيع أن نقدم البديل.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية