“قطع سيراميك تم إبعادها عن الدراسة”: معرض تشكيلي في لندن يحاكي مكتبة آشوربانيبال

صادق الطائي
حجم الخط
0

أقام المنتدى العراقي في بريطانيا في مقره غرب لندن في 13 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري معرضا للفنان التشكيلي رافييل غويندلمان هيلز، وهو شاب من تشيلي يدرس الفن التشكيلي في إحدى جامعات لندن. وكان مشروع تخرجه لنيل درجة الماجستير عملا استوحاه من المكتبة الأشهر في تاريخ العالم القديم، مكتبة الملك الآشوري آشوربانيبال. هذه المكتبة التي ضمت آلاف الرقم الطينية، والتي حفظت آداب ومعارف ولاهوت التاريخ العراقي القديم. وكما هو معلوم ان المكتبة كان قد عثر عليها منقب الآثار اوستن هنري لايرد، في حفرياته في مدينة نينوى الأثرية في الموصل عام 1849. إذ أكتشف قصر الملك الآشوري سنحاريب الذي كان يضم مكتبة آشوربانيبال الملكية، وقام لايرد بنقلها إلى لندن تثمينا لتعاون القنصلية البريطانية معه في أعمال التنقيب، وما تزال المكتبة محفوظة كجزء من مجموعة الشرق ‏الأوسط في المتحف البريطاني.

يقول الفنان هيلز، يتكون مشروع “قطع تم ابعادها عن الدراسة” من إعادة تشكيل افتراضية لجزء من مكتبة آشوربانيبال بصيغة حديثة، عن طريق عمل مجموعة من العراقيات في لندن. ونحن نعلم ان هدف المكتبة الآشورية الملكية كان العمل على توفير دليل جامع لإدارة أمبراطورية الملك آشوربانيبال المحب للعلوم والمعارف، ومساعدته في إتخاذ أفضل القرارات من أجل النهوض بإمبراطوريته. وكانت معظم محتويات المكتبة من رقم طينية تحوي معلومات لها علاقة بالنذور والطقوس الكهنوتية والنصوص الدينية والتفسيرات الفلكية والنصوص الأدبية والشروحات العسكرية وأخبار الانتصارات على الأعداء التي أحرزها الملك العظيم في معاركه بالإضافة إلى شروحات عن الحياة الاقتصادية لمختلف الجوانب في المملكة”.

ويضيف: “مشروعنا الحالي مستلهم من المكتبة الآشورية التاريخية بطريقة ما، فعندما قدمت للدراسة في لندن وشاهدت بعضا من الشرق الأدنى القديم ومنها الآثار الآشورية في المتحف البريطاني وبضمنها أجزاء من مكتبة آشوربانيبال ذهلت من هذا الإنجاز التاريخي. فكرت في طريقة استلهم بها هذا الإنجاز التاريخي. وكانت فكرتي هي ان أطلب من عراقيين عمل ألواح طينية مشابهة لما قام به أجدادهم، لكن الفكرة لم تكن واضحة في مخيلتي، ثم تبلورت لتتمثل بالطلب من مجموعة من العراقيين المقيمين في لندن كتابة رقم طينية حديثة شبيهة بالأصل الآشوري، يقومون من خلالها بإرسال رسائل وأمنيات ويصفون في رسائلهم حال العراق اليوم لآشوربانيبال”.

رسائل الى آشوربانيبال

 

عندما سألت رافييل عن آلية اختياره للنسوة اللواتي نفذن الأعمال، وهل تدخل في ارشادهن لما ‏يكتبن، أجابني “اختيار النساء تم عندما طرحت فكرة المشروع على المنتدى العراقي في لندن، وهم من نصحني بالتعاون مع رابطة المرأة العراقية. لم أتدخل في ما أحببن كتابته، ولكني ساعدتهن تقنيا فقط في ‏تهيئة الرقم الطينية لنحصل على أشكال مقاربة للنسخ الأصلية في مكتبة الملك آشوربانيبال، كما اخترت لهن ‏أنواعا مختلفة من الطين، لذلك تشاهد اختلاف ألوان الرقم في المحصلة النهائية”.  ‏

إذا كان المشروع ببساطة عبارة عن مقاربة لإعادة تشكيل مكتبة الملك آشوربانيبال، وكل قطعة سيراميك ستمثل مقترحا أو وصفا أو أمنية بوجود آشوربانيبال معاصر وافتراضي ينقذ العراق.‏ من خلال عبارات أطلقتها عراقيات من مختلف المشارب يمثلن عينة من المجتمع العراقي في لندن، كما يعتبر المشروع استجابة للمكتبة الأصلية الموجودة في المتحف البريطاني واستلهام المعنى الرمزي لها. وقد كانت بعض العبارات التي كتبتها النسوة عبارة عن بيت الشعر الشهير للشاعر أبي القاسم الشابي الذي بات شعارا سياسيا “إذا الشعب يوما اراد الحياة … فلابد ان يستجيب القدر” بينما كتبت أحدى المشاركات جملة تبدو صرخة احتجاج أو عبارة يمكن ان تكتب على جدار “الموت للفاسدين” لكن كانت هناك بعض الجمل التي تبدو تقريرية تشرح فيها صاحبتها ما الذي حصل للعراق ولماذا تدهور حاله حتى وصل إلى هذه الدرجة.

 يمكن توصيف فكرة المشروع في مجملها بأنها مثلت نوعا مما يعرف في العلوم الاجتماعية بـ “صراخ الصامتين” وهو الاسم الذي أطلقه عالم الاجتماع المصري د. سيد عويس على هذه الظاهرة في دراسته المهمة عن ظاهرة الرسائل الملقاة في ضريح الإمام الشافعي في القاهرة في ستينيات القرن الماضي، إذ مثلت الرسائل التي يلقيها أفراد من الطبقات المسحوقة في المجتمع احتجاجا مكتوما تطالب بإحلال العدل المفقود في المجتمع، بينما مثلت ألواح السيراميك التي كتبتها العراقيات رسائل احتجاج مكتوم مرسلة إلى ملك عظيم من حاضر بائس يرنو إلى تاريخ عظيم.

كما أشار الفنان رافييل إلى نقطة مهمة في مشروعه وهي محاولة الاشتغال مع الجاليات على إعادة اكتشاف الهوية الوطنية من خلال العمل على مقاربات تقربهم من تراثهم العريق، وتعريفهم بأهمية اللقى الأثرية التي تم نهبها إبان الحقبة الكولونيالية، لتستقر نتاجات الحضارات الإنسانية في متاحف الغرب، وربما كان حماس الفنان هيلز متأتيا من كونه نصف عربي، إذ أن أمه فلسطينية من عائلة هاجرت إلى تشيلي وتزوجت هناك، لذلك نشأ الشاب في جو مفعم بما يمكن ان نطلق عليه المنزل القائم على حوار الحضارات. كما بين الفنان نقطة مهمة في مشروعه وهي العمل على تحرير المتحف وعدم حبسه بين أربعة جدران وتحويله الى معطى يمكن للناس العاديين التعاطي معه.

وذكر ان المشروع تلقى دعما عبر توفير أماكن العمل والتدريب وبعض المعطيات اللوجستية الأخرى من رابطة المرأة العراقية ومدرسة بارلت للهندسة المعمارية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية