قلدناهم ببناء الملاعب ونسينا الجامعات والمصانع
قلدناهم ببناء الملاعب ونسينا الجامعات والمصانعقديما، في العهد الروماني، كان الناس يتجمّعون في المسارح الكبري لمشاهدة عروض المصارعة، و كانوا يجلبون العبيد من إفريقيا ليستمتعوا بمشاهدتهم وهم يتقاتلون مع الوحوش. واليوم، وبعد تطوّر المدنيّة عند الإنسان وإعطاء الحيوان حقوقا أصبحنا نشيّد الملاعب في مدننا عوض المسارح لنتفرّج علي مباريات كرة القدم التي أصبحت الرياضة الأولي في العالم. وبالرّغم من سيطرة رأس المال الجشع علي هذه اللعبة في المجتمعات الغربية فإنّها لا تخرج عندهم أبدا عن حجمها الحقيقي، بينما نجدها تحوّلت إلي آفة في مجتمعاتنا العربية. و علي سبيل المثال لو قارنا بين ما تنفقه دولة أوروبية علي الكرة بالنّسبة إلي نتاجها القومي أو نفقاتها علي البحث العلمي وبين ذلك في إحدي الدول العربية المتقدّمة كرويّا لوجدنا فروقا هائلة. قلّدناهم في بناء الملاعب ولم نقلدهم في بناء الجامعات والمصانع. جميعُنا يحبّ الرّياضة ولكن لكلّ شيء مكانته وأهمّيته، فإذا طغت الرّياضة علي الجوانب الحياتية الأخري وأُسيء استغلالها في بلدان تسعي جاهدة للنموّ فسيحصل خلل مرضي لا تحمد عقباه. كما يطالب البعض بإبعاد الدّين عن السّياسة ويحشُر الرياضة في السّياسة ويستغلّها في التـــرويج لأهداف مشبوهة. فتتكرّر عمليات الإسقاط السّاذجة التي لا تنطلي إلا علي البسطاء فيوحون للناس بأنّ الانتصار في مباراة يعني أنّهم الأحسن وفي كلّ ميدان، خصوصا إذا كان الخصم من بلد أكثر تقدما، وأنّ كلّ ذلك تمّ بفضل القائد، أمّا إذا هُزموا فتجدهم يقولون بأنّها مجرّد رياضة تحتكم إلي الصّدفة والحظ، هذا إذا لم يتّهموا الطرف المنافس بشتّي الاتهامات الخ.من المظاهر السيئة الأخري المُرافقة لكرتنا في هذه الأيام، علاوة علي الهاء الشباب وإهدار الوقت، نذكر الفحش الاشهاري الذي ترعاه الشركات العالمية العملاقة الوافدة علينا بـ فضل العولمة و تأثيره السّلبي علي الشباب، وتنامي العقلية العنصرية لدي الجمهور وإثارة نعرات التعصّب بين البلدان العربية في المقابلات البينية، و التي يغذيها السّياسيون أحيانا لتكون بمثابة التنفيس عن تكميم الأفواه الساري في البلاد العربية… وبالطبع لا بدّ من مجهود جبّار من طرف قوات الأمن لكي لا تتحوّل التّجمعات البشرية الضّخمة إلي أنشطة غير رياضية . ومن الطبيعي كذلك أن ينعكس الفساد المالي والاقتصادي المتفشي في المجتمع علي الرّياضة فتكثر مظاهر الرشوة والغش وشراء الحكام الخ… منذ أيّام وفي أحد البرامج التلفزية تباهي المذيع بلاعب خدع الحكم ونال ضربة جزاء وأثني علي ذكائه وحنكته ليعطي نموذجا سيّئا للغشّ وذلك بدل عقاب اللاعب. بعض البلدان العربية تحاول إخفاء خيباتها فتعمد إلي تحليل فرويدي متمثل في هوس رفع الراية وكأنّها تريد أن تقول شيئا للخارج لاستغلاله في الداخل. لم نر بعد دولا تقدّمت بكرة القدم، إنّما يكون ذلك بالتقدّم العلمي و الازدهار الاقتصادي الحقيقي و النابع من الشعب والعائد عليه لا علي الأجانب. ورفع الرّاية يكون أوّلا بالحرّية وباحترام حقوق الإنسان، الذي رأيناه يُحمل في شاحنات لا تليق بالزّبالة، وبالتنوير الثقافي والأخلاقي، فلا بدّ إذن من استغلال الرّياضة لإشاعة الفضيلة والأخلاق الحميدة لدي الشباب.المبروك بن عبد العزيزكاتب تونسي 6