قناة السويس هي ممر مائي صناعي يمتد في مصر من الشمال إلى الجنوب عبر برزخ السويس ليصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر، وهي تفصل بين قارتي آسيا وأفريقيا وتعد أقصر الطرق البحرية بين أوروبا والبلدان الواقعة حول المحيط الهندي وغرب المحيط الهادي وأكثر القنوات الملاحية كثافة من حيث الاستخدام.
وتستخدم السفن الحديثة بكثرة عددية كبيرة قناة السويس، لأنها الأسرع والأقصر للمرور من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي، وتمثل الرسوم التي تدفعها السفن نظير عبور القناة مصدرا هاماً للدخل الوطني المصري.
تجري قناة السويس بين ميناء بورسعيد وخليج السويس وفي أرض تختلف طبيعتها من منطقة إلى أخرى. فطبقات الأرض في بور سعيد والمنطقة المحيطة تتميز بأنها ذات مستوى واحد ويختلف ارتفاع متوسط منسوب المياه في حدود ضيقة وأقصى ارتفاع للمد في الشمال حوالي 65 سم وفي الجنوب حوالي 1.90 متر.
قناة السويس ممر عالمي فريد، ومن أهم القنوات الملاحية في العالم التي ترتبط بمجال التجارة العالمية، ونحو 10 في المئة من حجم التجارة العالمية و22 في المئة من تجارة الحاويات تمر بقناة السويس. وأكدت تقارير هيئة الملاحة في القناة أن العام الماضي شهد مرور 18830 سفينة، بحمولة تتجاوز 1.7 مليار طن، وهذا يظهر أهمية القناة بالنسبة للتجارة العالمية.
أُفتتحت قناة السويس في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1869 بعد 10 سنوات من بداية الحفر، لتسمح للسفن بالسفر بين أوروبا وشرق آسيا بدون الإبحار حول القارة الأفريقية.
حفرت قناة السويس في خليج السويس المصري، الفاصل بين صحراء سيناء والأراضي المصرية، وخليج السويس هو الذراع الشمالية الغربية للبحر الأحمر، وهو منخفض يمتد بين خطي عرض 27 و29 إلى الشمال، ويبلغ طوله مئتي ميل، ويبلغ عرض الخليج عشرين ميلا في المتوسط، وهو يضيق عند مدخله إلى حوالي 18 ميلا. ويبلغ عمق الخليج بين 200 و300 قدم في المتوسط، وعند مدخله يقع مضيق جوبال الذي يشمل عددا من الجزر أهمــها أم القـمر وشدوان وجوبال.
وتتصل قناة السويس بخليج السويس، وهي تمثل عنق زجاجة يتراوح عرضها بين 500 و700 قدم ولا يزيد عمقها عن 38 قدما.
العصر الفرعوني
لم يكن فردينند دليسبس أول من فكر في توصيل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، فإن هذه الفكرة ترتد إلى العصر الفرعوني، عندما وصل الفراعنة البحر الأحمر بنهر النيل بواسطة قناة سيزو ستريس التي كانت تمتد من وادي الطميلات الذي تجري فيه الترعة الاسماعيلية حاليا.
وقد تعرضت قناة سيزو ستريس للاهمال في بعض العصور، ثم أعيد شقها، وكانت لا تعمل إلا في فصل الفيضان ثم يصيبها الاطماء وتظل معطلة إلى موسم الفيضان التالي.
وبعد الحملة الفرنسية على مصر فكر نابليون بونابرت في وصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر مباشرة، لكن أخطأ مهندسوه عندما اعتقدوا أن البحر الأحمر يعلو عن سطح البحر المتوسط، وأن حفر القناة يؤدي إلى إغراق الوجه البحري، مما شجع فردنند دليسبس الفرنسي على السعي لدى سعيد والي مصر للحصول على امتياز شق القناة، ونجح في ذلك بشروط بلغت من القسوة على مصر، حتى وصفها أحد الكتاب الانكليز قائلا: «يندر أن توجد اتفاقية حملت من الغبن لمانحيها ومن الغنم لمن منحت لهم مثل ما حملته اتفاقية قناة السويس وقد تم افتتاح القناة للملاحة في عام 1869».
كان طول قناة السويس 164 كم وعمقها 8 أمتار عند بنائها، وبعد الكثير من التوسعات، وصل طولها إلى 193.30 كم، وعمقها إلى 24 مترا وعرضها إلى 205 مترا، وتتألف القناة من منفذ الدخول الشمالي بطول 22 كم، ومنفذ الدخول الجنوبي بطول 9 كم.
سعة قناة السويس لا تسمح للسفن بالمرور في اتجاهين متقابلين، ولذلك تسير السفن على هيئة قوافل بقيادة مرشدين لتسهيل الملاحة، كما شقت قناة فرعية شمال الفردان يبلغ طولها 11 كيلو مترا مما يسر مرور قوافل السفن المتجهة جنوبا والذاهبة شمالا في وقت واحد، كما تلتقي القوافل أيضا في بحيرة التمساح والبحيرات المرة.
القناة مملوكة وتحت إشراف هيئة قناة السويس المصرية، وبموجب معاهدة دولية، قد تستخدم «في وقت الحرب كما تستخدم في وقت السلم من قبل السفن التجارية أو الحربية، بدون التمييز بين العلم».
منذ أن افتتح العمل في قناة السويس سنة 1869 ظلت الملاحة تسير في القناة بحرية تامة تحت إشراف السلطات المصرية وحمايتها، ولم تتعطل الملاحة إطلاقا، ولم تطلب أية دولة إيجاد أي لجنة دولية للإشراف على حرية الملاحة.
يشير الدكتور محمد سعودي، استاذ دراسة الملاحة الجغرافية في جامعة بيروت العربية في دراسة حول قناة السويس: «عند افتتاح القناة للملاحة، كان طولها 164 كيلو مترا، وعرضها عند مستوى سطح المياه 52 مترا وعمقها 7 أمتار ونصف متر… وكان غاطس السفن المسموح به للعبور لا يزيد عن 22.5 قدم وكانت الملاحة لا تتم في القناة إلا نهارا فقط».
وأضاف «استمرت الملاحة نهارا في قناة السويس طوال 18 عاما متصلة حتى أدخلت شركة القناة نظام الملاحة الليلية في اليوم الأول من اذار/مارس 1887» وتابع القول «وطوال الفترة ما بين فتح القناة الأولى وقيام مصر بتأميمها في عام 1956 قامت شركة القناة المؤممة بتنفيذ العديد من برامج تحسين وتطوير قناة السويس وكان من نتائج هذه المشروعات زيادة عمق القناة إلى 13 مترا ونصف المتر وزيادة عرضها عند القاع من 22 مترا إلى 42 مترا وزيادة القطاع المائي من 304 أمتار مربعة إلى 1250 مترا مربعا والغاطس المسموح به من قدمين وربع إلى 35 قدما. وبلغت جملة تكاليف هذه التحسينات 20 مليون و500 ألف جنيه مصري».
حرية الملاحة
عملت السلطات المصرية على تأمين حماية حرية الملاحة في قناة السويس خلال الحربين الأولى والثانية، بل إن الجنرال اللنبي اعترف بأن 120 ألف مصري كانوا يعملون في بناء الخنادق والاستحكامات لحماية القناة في الحرب العالمية الأولى، كما اعترف المستر تشرشل بأن الذي كان يدافع عن قناة السويس وتأمين الحماية خلال الحرب العالمية الثانية هم جنود مصريون.
وظلت شركة قناة السويس العالمية تستغل القناة لصالحها، فتحصل على أموال طائلة من رسوم مرور السفن في القناة، من دون أن تستفيد مصر من ذلك إلا قدرا ضئيلا، وخاصة بعد أن باع حكام مصر في ذلك الزمان ما كانت تملكه من أسهم، تشمل أكثر من 40 في المئة من رأس المال.
ورغم المحاولات المتكررة من جانب مصر لرفع نصيبها من الأرباح فإنه لم يتجاوز 7 في المئة من صافي أرباح الشركة. فكان تأميم القناة في 26 تموز/يوليو 1956 وأشرفت عليها منذ ذلك الوقت هيئة قناة السويس المصرية، التي أدخلت التعديلات لتحسين القناة، وأطلقت مشروع ناصر بهدف تحسين الملاحة في القناة، وقد تم تنفيذ المرحلة الأولى منه، فازداد عمق القناة، مما سمح للسفن التي يبلغ غطاسها 37 قدما بالمرور فيها ابتداء من آخر نيسان/إبريل 1961 كما انخفضت الفترة اللازمة لعبور القناة من 13 إلى 11 ساعة.
وحققت بقية مراحل مشروع ناصر زيادة التعميق لدرجة تسمح للسفن التي يبلغ غطاسها 48 قدما بالمرور في القناة وتصل حمولتها إلى 110 ألف طن.
ووفرت هيئة قناة السويس خدمة المعديات التي تمكن الأفراد والمركبات من الانتقال مجاناً من الضفة الغربية للقناة إلى الضفة الشرقية والعكس، وتتوزع على 8 محاور يعمل عليها 36 معدية. ويبلغ المتوسط اليومي للمركبات المستخدمة لها 30.000 مركبة بإجمالي عشرة ملايين مركبة سنوياً.
مجرى القناة صار بحيرة ألغام
عقب حرب 1967 احتلت القوات الإسرائيلية شبه جزيرة سيناء حتى الضفة الشرقية لقناة السويس، ما أدى إلى إغلاق القناة أمام الملاحة وتوقفت كليا حركة مرور السفن، وتوقفت الحركة تماما بالمجرى الملاحي ومرافق قناة السويس لثماني سنوات كاملة وتحول المجري الملاحي للقناة ومنشآت الإدارة في الإسماعيلية والإدارات المساعدة في السويس وبورسعيد إلى سلسلة من الخرائب والأطلال التي لا تصلح لشيء، وأصبح مجرى القناة بحيرة كبيرة من الألغام والقنابل من كل الأنواع والأحجام، أما ضفتا القناة فكانت تحوي علي الأقل مليون لغم، مما جعل تطهير القناة وإصلاح منشآتها وبناء وحداتها من جديد وإعادة حركة الملاحة تحديا ضخما أمام مصر والإدارة المصرية للقناة. وبدأت أعمال التطهير بعد عشرة أيام فقط من توقف القتال في حرب تشرين الأول/اكتوبر 1973حيث جرت أول عملية استطلاع لمعرفة حقيقة ما حدث للقناة وتحديد حجم الخسائر والبحث عن نقطة بداية العمل.
ومع استمرار تطور صناعة السفن وبناء سفن أكبر في الحجم والحمولة، ظهر الاحتياج إلى تطوير قناة السويس، وقد تم ذلك بمعرفة الشركة العالمية لقناة السويس البحرية حتى وصل غاطس السفن إلى 35 قدمًا، ومساحة القطاع المائي للقناة إلى 1200 متر مربع قبل تأميم القناة فى 26 تموز/يوليو 1956.
وتواصل تطوير القناة، حيث زاد الغاطس إلى 38 قدمًا ومساحة القطاع المائي للقناة إلى 1800 متر مربع، وانتهت هذه المرحلة في ايار/مايو 1962. ثم أعلنت إدارة القناة في حزيران/يونيو 1966 عن خطة طموحة لتطوير القناة على مرحلتين لتصل بالغاطس إلى 48 ثم 58 قدمًا على التوالي.
ثم توقف التطوير بالقناة نتيجة لحرب حزيران/يونيو 1967 وأعيد فتح القناة للملاحة الدولية في حزيران/يونيو 1975 بعد تطهيرها من مخلفات الحروب ورفع السفن الغارقة بين حربي 1967 و 1973 ولتظل القناة بنفس العمق والقطاع المائي لها قبل الإغلاق.
واستمرت الإدارة المصرية بعد ذلك في مشروعات التطوير حتى بلغت حمولة السفينة المسموح بعبورها 210 ألف طن بكامل حمولتها، ووصل الغاطس إلى 62 قدمًا ومساحة القطاع المائي إلى 4800 متر مربع وطول القناة إلى 191.80 كم في عام 2001. وتم أيضا في هذا المشروع إعادة تصميم المسارات المنحنية في القناة ليصل نصف قطر كل منها إلى 5000 متر على الأقل. كما تم حفر تفريعة جديدة تبدأ من الكم 17 جنوب بور سعيد شمالا حتى البحر الأبيض المتوسط شرق مدينة بور فؤاد لتسمح للسفن المحملة والمتجهة شمالا للوصول إلى البحر بدون الدخول إلى ميناء بورسعيد.
تحتلّ قناة السويس موقعاً استراتيجياً متميّزاً على خريطة العالم الجغرافية، لذلك فهي تحظى بأهمية كبيرة في مجال الملاحة البحرية على مستوى العالم بشكل عام.