قنبلة بوتين النووية

أين ستنفجر القنبلة النووية، التي يُهدد بوتين بها العالم، أظن أن ذلك سيكون في موسكو بين يديه، وسيكون اسمها، الشعب الروسي.
تصل الأنظمة المُستبدة دائماً إلى طريق مسدود، وتنتهي بإيصال البلاد التي تحكمها إلى الهلاك، فقراً ومرضاً وجهلاً.
المُلاحظ أنها تفعل ذلك حتى ولو تمكنت، عند وصولها للحكم، إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية، وهو ما يُفسر في كثير من الأحيان، التفاف جزء كبير من الشعب حولها. مثال ذلك عراق صدام حسين، حيث تمكنت البلاد في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، للوصول إلى مستوى الدول الغربية، من حيث الغناء والرفاهية، ومستوى التعليم ومحو الأمية بشكل كامل.
قد نستطيع القول نفسه في سياسات الرئيس الفنزويلي، إيغو شافيز، أو الكوبي فيدل كاسترو. لكنها دوماً ودون استثناء، تصل فيما بعد إلى فقدان هذا التقدم في كافة المناحي، وتعود البلاد كما كانت أو حتى أسوأ.

ما بعد الطفرة البترولية

عراق نهاية الثمانينيات والتسعينيات، أو فنزويلا ما بعد الطفرة البترولية، عادت قروناً إلى الخلف، وهاجر منها الملايين من سكانها، وانهارت العملة المحلية بشكل مهول، وعم الفقر في كل مكان، وعادت الأمية والجهل.
مع ذلك فإن هذه الأنظمة، تستطيع البقاء في الحكم لفترات طويلة، كيف يتم لها ذلك وبأي وسائل وكيف تنهار في النهاية؟
تستغل هذه الأنظمة عند وصولها، ظروفاً مواتية، مثل ارتفاع أسعار النفط والغاز كما في روسيا، في بداية القرن الحالي، عند وصول فلاديمير بوتين، أو قبل ذلك في عراق صدام حسين، أو أسعار النحاس والمعادن في تشيلي، مع بداية حكم بينوشيه، كذلك الأمر مع وصول العسكر في الفترة نفسها في الأرجنتين.

القبضة الحديدية

الفائض المالي الكبير مكن هذه الحكومات من تثبيت نفسها، من خلال قبضة حديدية على كل مفاصل الدولة، وخلق نظام بوليسي، لا يترك المكان لأي معارضة، وفي الوقت نفسه التف الناس والجمهور حولها، فهي أمنت لهم الحد الكافي من وسائل الحياة، عن طريق سياسات توزيعية للثروة، وليس بوضع أُسس اقتصاد إنتاجي، مُعتمدة على الزبائنية السياسية والاقتصادية.
شافيز فعل ذلك، مع مساعداته الاجتماعية السخية، بدل خلق فرص عمل، أو تطوير البُنية الاقتصادية. كذلك هذا ما فعله بوتين، مع رفع رواتب الموظفين، بشكل خاص العسكريين والأمن، ثم قطاعات أخرى مثل المعلمين والأطباء، ورفع قيمة التقاعد.
هذه البحبوحة الظاهرية، التي رافقت الدخل الريعي، لا يمكنها أن تدوم للأبد، فانخفاض أسعار المعادن، في تشيلي مثلاً، أو البترول فيما بعد، أدى إلى انتهاء السياسة التوزيعية للثروة، فلم يَعُد هناك شيء ليوزع بل فقر عام. الرئيس مادورو، ورث بعد وفاة شافيز وضعاً صعباً، حيث لم تتمكن الدولة، من الإبقاء على مستويات الإنتاج النفطي، والحفاظ على البُنية التقنية لها.
في روسيا بعد سنوات الرخاء النسبي، والتي تلت سنوات الفوضى، زمن الرئيس يلتسن، رأينا من جديد ارتفاع التضخم، بعد الوصول الثاني لبوتين للسلطة، والعودة التدريجية للفقر العام.
تهرب هذه الأنظمة دائماً من هذا الواقع، الذي لا تستطيع مواجهته بسياساتها التقليدية التوزيعية، إلى الحفاظ على الالتفاف الشعبي بواسطة إثارة النزعة القومية، أو وجود الخطر الخارجي والمؤامرات الداخلية، وهو ما يؤدي إلى ظهور الصراعات المختلفة بين فئات شعبية (عرقية، دينية أو لغوية)، وفي معظم الأحيان الحروب مع الجيران.
حرب صدام حسين مع إيران، أو حرب جنرالات الجيش الأرجنتيني لاستعادة جزر المالوين من بريطانيا زمن مارغريت ثاتشر، انتهت في كلا الحالتين بهزيمة ساحقة، مع سقوط النظامين.
عودة الديمقراطية إلى الأرجنتين، والفوضى والاحتلال الأمريكي إلى العراق. الرئيس بوتين يسير حالياً في الدرب نفسه ، فبعد استيلائه على شبه جزيرة القرم، الذي مكنه من الحصول على دعم شعبي عارم، ذهب إلى إعلان حربه المدمرة على أوكرانيا، والتي يظهر هذه المرة أنها لن تؤدي إلى نفس النتيجة.

الأنظمة الاستبدادية

هناك خطران يُهددان الأنظمة الاستبدادية، أولا أطراف النُخبة الحاكمة نفسها، فهؤلاء رغم تظاهرهم بالوحدة الداخلية، إلا أنهم يراقبون دائماً الرئيس، ويعملون للحد من سلطاته لصالحهم، خوفاً من أن يُصبحوا يوماً ضحيته.
فهم لا تجمعهم قيم مشتركة عُليا لصالح الوطن، وإنما فقط مصالح فردية. هم في الحقيقة تجمع أشرار وليس تجمع أصدقاء، يتربصون دائماً بعضهم البعض، وينفضون عن الزعيم في أول مناسبة، وعند ظهور أول خطر. لتثبيت هذه الدائرة الضيقة حول السلطة، تقوم تلك الأخيرة، بوضع نُظم إدارية توزيعية، تُشبه في ظاهرها النُظم الديمقراطية، فهناك برلمان ومحكمة عليا، ودستور يحترم أعلى المقاييس الديمقراطية، ما يسمح بتوزيع المصالح بين الجميع، لكن مركز السلطة يحتفظ دائماً بالهيمنة على القضاء، فهو في النهاية من سيحول كل ما يريده الرئيس إلى شيء شرعي، رغم كل تناقضه مع الدستور الذي وضعه بنفسه. هناك أيضاً منظمات المجتمع المدني الوهمية التابعة للسلطة، مثل منظمات حقوق الإنسان الشكلية، والتي تعمل بالحقيقة على تبرئة الرئيس والطغمة الحاكمة، وتؤكد كما يفعل القضاء، على شرعية إنهاء أي معارض سجناً أو قتلاً.
الجيش وقوى السلطة والمخابرات، في هذه الأنظمة، لها مهمة واحدة، وهي الحفاظ على السلطة وليس الدفاع عن الحدود، وذلك بتوجيهها إلى مراقبة المواطنين، وقمع أي احتجاجات. ولكنها تُشكل في الوقت نفسه ، خطراً على السلطة نفسها، فالانقلابات العسكرية، هي وسيلة الطغمة للتخلص من زعيمها وتعيين زعيم آخر، لذلك تحرص السلطة دائماً، على خلق نوع من التوازن، بين قوة وحجم الجيش والخطر الاجتماعي.

الاحتجاجات والثورات

التهديد الآخر لهذه الأنظمة آت من الشعب نفسه، عن طريق الاحتجاجات والثورات، كما رأينا مثلاً في أوروبا الشرقية، أو مع الربيع العربي، والتي تُواجه بالعنف لإخمادها.
انتصار هذه الثورات، مرتبط بمدى تمكن السلطة من الإبقاء على شعبيتها، لذلك فهي تتجه دائماً عند إفلاسها الاقتصادي، إلى خلق الأوهام القومية، فالغرب الذي يعتبره بوتين عدوا قبل حرب أوكرانيا، لم يكن يكترث لما حصل في شبه جزيرة القرم أو الدونباس الانفصالية أو حتى قمع المعارضة الروسية. بل على العكس ربط الاقتصاد الغربي نفسه مع الاقتصاد الروسي، عن طريق استيراد الغاز مُحرك الصناعة الحديث، حتى أن أنجيلا ميركل، كانت تعتبر ذلك أفضل طريقة لتحييد الخطر الروسي. كان هذا طبعاً، خطأ فادحا لها، وهو ما نرى أثره اليوم بعد قطع إمدادات الغاز عن ألمانيا.
تُنهي السلطة الاستبدادية كل أشكال التنظيم الاجتماعي، فلا أحزاب أو نقابات أو مؤسسات مدنية مستقلة، في أحسن الأحوال، نجد منظمات وهمية لخدمة السلطة فقط، هذا ما يُؤدي مع مرور السنين، إلى شرذمة الشعب، يصبح كل فرد في معزل عن الآخر، والكل في وهم المراقبة والخوف، تدريجياً يتحول الشعب إلى مجموعة من الرعاع، لا يهمها إلا شأنها الشخصي. أي شعب في العالم يُعرف عن طريق منظماته الاجتماعية والسياسية، وبدونها يفقد هذا الوصف، هذا الشعب المُشرذم يُصبح أداة طيعة في يد الزعيم، ويلتف حول شعاراته القومية الرنانة، والتي تُنسيه مآسي حياته اليومية.
هدف السلطة الاستبدادية هو دائماً تثبيت نفسها، وليس سعادة الناس ورفاهيتهم، لذلك فخطأ الهجوم على أوكرانيا، لن يُؤدي برأيي إلى اتساع الحرب، إلى الإطار النووي العام، لأن نظام بوتين ليس نظاماً عقائدياً ليصل إلى (عليّ وعلى أعدائي يا رب)، وإنما على طريقة صدام حسين، أي كل ما سيرجوه في النهاية، هو أن يمكنه الغرب من البقاء في السلطة، مُتحكماً برقاب أبناء شعبه.
الكرة إذاً هي في ملعب الشعب الروسي، إزاحة الديكتاتور وإقامة نظام ديمقراطي، أو البقاء في كنفه، فقيراً معزولاً ومحاصراً.

كاتب ومحلل سياسي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول لا تتحدثوا بلساني للتلفيق:

    بوتن يعتبر أيقونة الوطنية بالنسبة للشعب الروسي، فلن يثور الشعب ضده أبدا مهما حاول الغرب ذلك فكل محاولاتهم ستبوء بالفشل الذريع و السقوط المريع، وإن غدا لناظره قريب وارتقب إنهم مرتقبون ?

  2. يقول سامح //الأردن:

    *(بوتين) مجرد طاغية ونمر من ورق.
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد وظالم وقاتل.

إشترك في قائمتنا البريدية